هيمنت أجواء «تفاؤل حذر» على الطبقة السياسية في ليبيا، إثر التوصل إلى توافق بين لجنتي «6+6» و«الخبراء الاستشارية»، على مسار «تسوية سياسية شاملة»، يشمل تعديل الإطار الدستوري والقانوني للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، إلى جانب تشكيل «حكومة ليبية موحدة».
وعقب اجتماعات استمرت يومين، تحت إشراف البعثة الأممية، أقرت «لجنتا (6+6)، المكوَّنة من أعضاء في مجلسي النواب والأعلى للدولة و(الاستشارية)، المكلفة من البعثة»، بأن «التسوية السياسية الشاملة أمر بالغ الأهمية لتمهيد الطريق للانتخابات»، بحسب بيان للبعثة مساء الخميس.
استصدار «تعديل دستوري جديد»
يتفق عضو مجلس النواب الليبي، محمد الصغير، مع جانب مما خلص إليه الاجتماع، تحديداً ضرورة «استصدار تعديل دستوري جديد»، معتبراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن ما طالب به أعضاء اللجنتين «كان أمراً متوقعاً ومطلوباً، باعتبار أن حل الأزمة يبدأ من إيجاد قاسم مشترك، يجمع كل الأطراف وعليها الالتفاف حوله».
ويذهب الصغير إلى الاقتراح بـ«ضرورة أن تعمل البعثة على إيجاد دستور ولو لفترة مؤقتة، يتم من خلاله الوصول إلى انتخابات حرة نزيهة، وإيجاد سلطة تنفيذية جديدة، تبسط سيطرتها على كل التراب الليبي». وحض «المجتمع الدولي وكل الأطراف الإقليمية على المساعدة، والدفع نحو الوصول إلى هذا الحل الممكن، وقد يكون الوحيد»، واصفاً أي خيارات أخرى بأنها «مجرد إعادة تدوير للأزمة وتزيدها تعقيداً».
متطلبات «التسوية السياسية»
تتطلب «التسوية السياسية»، وفق اللجنتين، «مراجعة القوانين الانتخابية لضمان نزاهة الانتخابات، وتشكيل حكومة موحدة بتفويض انتخابي واضح ومحدد زمنياً، واعتماد ضمانات محلية ودولية لإعادة بناء الثقة بين الجميع، خصوصاً بين الشعب والمؤسسات السياسية».
كما تندرج أيضاً «تدابير لتعزيز الحكم المحلي، وضمان أمن الانتخابات، ودفع المصالحة الوطنية، وتعزيز شفافية الإنفاق مع مكافحة الفساد»، ضمن متطلبات التسوية السياسية التي أقرتها اللجنتان.
ورفعت النتائج السابقة لاجتماع لجنتي «6+6» و«الاستشارية» سقف الطموحات لدى سياسيين ونشطاء، رأوا أن دعم المجتمع الدولي وأطرافه الفاعلة في الملف الليبي «رهان جوهري، رغم إخفاقات سابقة لمسارات الدبلوماسية الدولية مع الملف الليبي في (برلين وجنيف) على سبيل المثال».
وفي هذا السياق، يرى رئيس «حزب ليبيا الكرامة»، يوسف الفارسي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «التسوية السياسية المقترحة التي أقرتها اللجنتان الليبيتان قابلة للتحقق، وهذه المرة تختلف عن المرات السابقة»، مستنداً إلى أن «الملف الليبي بات يحظى بزخم دولي كبير، تحديداً الدعم الأميركي للوصول بالبلاد إلى مرحلة الاستقرار».
وبحسب الفارسي، وهو أيضاً أستاذ العلوم السياسية بجامعة درنة، فإن «كل الظروف والمعطيات باتت مواتية للتوصل إلى تسوية سياسية، في ضوء عجز الأطراف السياسية عن التوافق على تشكيل حكومة، وسأم الليبيين من إخفاقات البعثة الأممية السابقة، وقابلية الوضع للانفجار في طرابلس في أي لحظة».
«إجماع دولي مرتقب»
بالنسبة للناشط السياسي، محمد قشوط، فإن ليبيا «انتقلت من مرحلة المشاورات والتفاوض والاجتماعات وجلسات الحوار، وباتت على مشارف التنفيذ الفعلي لخريطة الطريق الأممية، التي ستعلن عنها المبعوثة الأممية أمام مجلس الأمن الدولي الشهر الحالي».
ويتوقع قشوط «إجماعاً دولياً مرتقباً على خريطة الطريق، التي تهدف بشكل رئيسي إلى تشكيل حكومة ليبية موحدة جديدة، وقد أصبحت قريبة جداً».
في المقابل، يشير الصغير إلى «خلافات كبيرة جداً حول جدوى تشكيل حكومة جديدة في ظل الظروف الراهنة، إذ يرى بعضهم أن هذه الخطوة ستكون زيادة للانقسام والتشظي والفساد، بينما يرى طرف آخر أن الحل يبدأ من هذه النقطة».
في موازاة ذلك، يرى ليبيون في اتفاق لجنتي «6+6» و«الاستشارية» على تعديل الإطار الدستوري، أنه «إعادة لتدوير الأزمة بأدواتها المعطوبة»، وهي رؤية يتبناها المحلل السياسي محمد الأمين، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «المفردات المستخدمة في البيان، مثل التسوية الشاملة وتشكيل حكومة موحدة بتفويض انتخابي، يعد تكراراً لما قيل في جولات تفاوض سابقة دون أن يُنفَّذ منها شيء».
وانتقد الأمين «غياب آلية تنفيذ واضحة، واستمرار العمل بلجان فاقدة للشرعية الشعبية»، معتبراً أنها «محاولة لإنتاج توافق شكلي، لا يلامس جوهر الانقسام».
أما الحديث عن تشكيل «حكومة جديدة»، فهو من منظور الأمين «عنوان محتمل لصفقة سياسية محتملة، قد تُعيد إنتاج السلطة بأسماء جديدة، لكنها لن تُنهي الانقسام، أو تقود إلى انتخابات فعلية ما لم تُستند إلى إرادة وطنية حقيقية وصندوق اقتراع حر».
وانتهى الأمين إلى الاعتقاد بأن «الخطر اليوم لا يكمن في فشل التسويات، بل في نجاحها الزائف، الذي يمنح شرعية مؤقتة لواقع مأزوم، ويؤجل الانفجار دون معالجته».
وفي مايو (أيار) الماضي، تقدمت لجنة خبراء استشارية، شكلتها البعثة الأممية من 20 أكاديمياً وسياسياً ليبيا، بأربعة خيارات، قالت إنها يمكن أن تشكل خريطة طريق لإجراء الانتخابات، وإنهاء المرحلة الانتقالية في البلاد.
وتشمل هذه الخيارات إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة، أو إجراء البرلمانية أولاً، ثم اعتماد دستور. وشملت المقترحات كذلك اعتماد دستور دائم قبل الانتخابات، أو إنشاء لجنة حوار لوضع اللمسات الأخيرة على قوانين الانتخابات، والسلطة التنفيذية والدستور الدائم.
أما لجنة «6+6» فتضم 6 أعضاء من المجلس الأعلى الدولة ونظراءهم من مجلس النواب، وقد تشكلت بموجب التعديل الدستوري الثالث عشر لإعداد قوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ووضع إطار قانوني توافقي، يمهّد لإجراء انتخابات وطنية شاملة في ليبيا.