بعد تقلّص الدائرة المقرّبة من المرشد الإيراني علي خامنئي، يبرز مؤشران لافتان من طهران، وهما أنّ مخاطر سوء التقدير الاستراتيجي قد تتزايد، إلى جانب إمكانية تحوّل مجتبى، نجل خامنئي، إلى شخصية محورية شيئاً فشيئاً.

وقد يصبح خامنئي تدريجيّاً وحيداً أكثر فأكثر. فقد شهد مقتل كبار مستشاريه العسكريين والأمنيين في ضربات جوية إسرائيلية، وهو ما تسبّب، وفق أشخاص مطّلعين على قراراته تحدّثوا مع «رويترز»، في خلل بدائرة المقرّبين، وزاد من خطر الوقوع في الأخطاء الاستراتيجية.

ووصف أحد هؤلاء الأشخاص، الذي يحضر بانتظام اجتماعات مع خامنئي، خطر سوء التقدير على إيران في قضايا الدفاع والاستقرار الداخلي بأنه أمر «بالغ الخطورة».

وقُتل عدد من كبار القادة العسكريين منذ الجمعة الماضي، بينهم المستشارون الكبار لخامنئي من «الحرس الثوري» الإيراني، وهم القائد العام للحرس حسين سلامي، وقائد القوة الجوفضائية أمير علي حاجي زاده، الذي كان يرأس برنامج الصواريخ الباليستية، ورئيس مخابرات «الحرس الثوري» محمد كاظمي.

ووفقاً للأشخاص، وبينهم ثلاثة يحضرون أو حضروا اجتماعات مع خامنئي حول قضايا مهمّة، واثنان مقرّبان من المسؤولين الذين يحضرون بانتظام، كان هؤلاء الرجال جزءاً من الدائرة المقرّبة من المرشد التي تضمّ ما يتراوح بين 15 و20 مستشاراً من قادة «الحرس الثوري» ورجال دين وسياسيين.

وقال جميع الأشخاص إن هذه المجموعة الواسعة تجتمع دون ترتيب مسبق، عندما يتّصل مكتب خامنئي بالمستشارين المناسبين لعقد لقاء في مجمّعه في طهران لمناقشة قرار مهم. وأضافوا أنّ الأعضاء يتّسمون بالولاء الشديد له ولمبادئ المرشد.

وبموجب نظام الحكم في إيران، فإنّ المرشد يحظى بالقيادة العليا للقوات المسلحة، وسلطة إعلان الحرب، ويمكنه تعيين أو عزل كبار الشخصيات، بمن في ذلك القادة العسكريون والقضاة.

وقال أحد الذين يحضرون الاجتماعات إن خامنئي هو من يتّخذ القرار النهائي في المسائل المهمّة، لكنه يستعمل المشورة ويستمع إلى وجهات نظر مختلفة، وغالباً ما يطلب معلومات إضافية من مستشاريه.

وقال أليكس فاتانكا، مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط للأبحاث في واشنطن: «هناك أمران يمكن قولهما عن خامنئي: إنه عنيد للغاية، لكنه حذر للغاية أيضاً… وهذا هو سبب بقائه في السلطة كل هذه المدّة الطويلة».

وأضاف: «خامنئي قادر تماماً على أداء التحليل الأساسي للتكاليف مقابل الفوائد، والذي يتعلّق بشكل أساسي بقضية واحدة أهم من أي شيء آخر: بقاء النظام».

المرشد الإيراني علي خامنئي (أ.ف.ب)

نجل خامنئي

وُضع الحرص على بقاء النظام محلّ الاختبار مراراً، فقد أمر خامنئي بنشر قوات «الحرس الثوري» وذراعه التعبوية «قوات الباسيج» للتصدي لحركات احتجاج على مستوى البلاد في أعوام 1999 و2009 و2022.

واستطاعت قوات الأمن في كلّ مرّة الصمود أمام المتظاهرين واستعادة سيطرة الحكومة، لكن العقوبات الغربية المستمرة منذ سنوات تسبّبت في شقاء اقتصادي واسع النطاق، يقول محللون إنه ربما ينذر في نهاية المطاف بحدوث قلاقل داخلية.

ووفقاً لمصادر مطّلعة ومحللين، أفادت «رويترز» بأنّه «لا شك أنّ خامنئي يواجه قدراً أكبر من المخاطر وسط الحرب المتصاعدة مع إسرائيل، التي استهدفت شخصيات ومواقع نووية وعسكرية بهجمات جوية، ممّا دفع إيران للردّ بإطلاق صواريخ».

وأكّدت الأشخاص المطلعة على عملية صنع القرار لدى خامنئي أنّ المقرّبين الآخرين الذين لم تستهدفهم الضربات الإسرائيلية ما زالوا على قدر كبير من الأهمية والتأثير، بمن فيهم كبار المستشارين في الشؤون السياسية والاقتصادية والدبلوماسية.

وقال اثنان إنّ خامنئي يكلّف هؤلاء المستشارين بالتعامل مع أي قضايا بمجرد ظهورها، مما يوسّع نطاق نفوذه مباشرة في مجموعة واسعة من المؤسسات التي تشمل المجالات العسكرية والأمنية والثقافية والسياسية والاقتصادية.

وأشار الأشخاص المطلعون إلى أنّ هذا النهج المتّبع، بما في ذلك في الهيئات الخاضعة اسمِيّاً لسلطة الرئيس المنتخب، يعني أنّ مكتب خامنئي غالباً ما ينخرط ليس فقط في أهمّ قضايا الدولة، بل في تنفيذ حتى أصغر المبادرات.

وذكر الأشخاص أنّ مجتبى، نجل خامنئي، صار على مدى السنوات العشرين الماضية شخصية أكثر أهمية من أي وقت مضى في هذه العملية، إذ صنع دوراً لنفسه يصل بين الشخصيات والفصائل والمنظمات المعنية للتنسيق في قضايا محدّدة.

وينظر بعض أفراد الدائرة المقرّبة إلى مجتبى، الذي ينتمي إلى الصفوف الوسطى من رجال الدين من حيث المكانة، على أنه خليفة محتمل لوالده المسن. وقال الأشخاص المطلعون إنه بنى علاقات وثيقة مع «الحرس الثوري»، مما منحه نفوذاً إضافياً داخل مختلف الأجهزة السياسية والأمنية الإيرانية.

المرشد الإيراني علي خامنئي (رويترز)

من تبقى من الأقوياء؟

وذكرت «رويترز» أن نائب شؤون الأمن السياسي في مكتب خامنئي، علي أصغر حجازي، شارك في قرارات أمنية بالغة الأهمية، وغالباً ما يُوصف بأنه أقوى مسؤول مخابرات في إيران.

وبحسب الوكالة، في الوقت نفسه، لا يزال رئيس مكتب خامنئي، محمد كلبايكاني، وأيضاً وزيرا الخارجية السابقان علي أكبر ولايتي وكمال خرازي، ورئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، من المقرّبين الموثوق بهم في الشؤون الدبلوماسية والسياسات الداخلية مثل النزاع النووي.

ومع ذلك، فإن خسارة قادة في «الحرس الثوري» قلّصت قيادة المؤسسة العسكرية التي وضعها خامنئي في مركز السلطة منذ أن أصبح المرشد في عام 1989؛ إذ اعتمد عليها في الأمن الداخلي والاستراتيجية الإقليمية لإيران.

وفي حين أن التسلسل القيادي للجيش النظامي يخضع لوزارة الدفاع تحت قيادة الرئيس المنتخب، فإنّ «الحرس الثوري» يأتمر مباشرة بأمر خامنئي، ويحصل على أفضل العتاد العسكري لوحداته البرية والجوية والبحرية، مع اضطلاع قادته بأدوار رئيسية في الدولة.

وفي الوقت الذي يواجه فيه خامنئي واحدة من أخطر الفترات في تاريخ إيران، يجد نفسه في عزلة أكبر بسبب فقد مستشارين رئيسيين آخرين في المنطقة مع الضربات التي وجّهتها إسرائيل «لمحور المقاومة» المتحالف مع إيران.

شاركها.
Exit mobile version