تُعدّ عروض الألعاب النارية جزءًا لا يتجزأ من احتفالات الأعياد في مختلف أنحاء العالم، في تقليد يعود لعصور مضت. فالألعاب النارية تُضفي أجواء من البهجة والإثارة على المناسبات السعيدة.
وكما في كل عام، أعلنت دول عدة عن إقامة عروض الألعاب النارية في الساحات العامة احتفاء بعيد الفطر لهذا العام.
أول أشكال الألعاب النارية في الصين
بدأت الألعاب النارية في الصين القديمة قبل انتشارها غربًا. يُعتقد أن شخصًا عاش في الصين قرابة القرن الأول قبل الميلاد ألقى قطعة من الخيزران على النار فانفجرت بقوة.
ويعود ذلك إلى كون سيقان الخيزران تحتوي على جيوب هوائية يمكن أن تتمدد وتنفجر في درجات الحرارة العالية.
ووفقًا لموقع “أن بي آر” نقلًا عن كتاب “تاريخ الألعاب النارية من أصولها إلى يومنا هذا “، كان المسافرون الصينيون يحملون الخيزران في رحلاتهم تحسبًا لحاجتهم إلى إحداث ضوضاء عالية لإخافة الحيوانات البرية.
اختراع البارود
وحدث التطور الرئيسي التالي قرابة القرن التاسع، مع اختراع البارود. وبحسب موقع “هستوري”، قام الكيميائيون الصينيون في مرحلة ما بين عامَي 600 و900 ميلادي، بخلط نترات البوتاسيوم والفحم والكبريت ومكونات أخرى، مما أسفر عن غير قصد عن شكل مبكر من البارود.
بدأ الصينيون بحشو هذه المادة المتطايرة في براعم الخيزران، التي كانت تُلقى في النار لتُحدث انفجارًا قويًا. وهكذا وُلدت الألعاب النارية الأولى.
عُرف خبراء الألعاب النارية في بريطانيا في العصور الوسطى باسم “سادة النار”- غيتي
وذكر موقع “هستوري” أن المصنعين الصينيين حمّلوا سيقان الخيزران بالبارود لصنع ما يُحتمل أنه أول لعبة نارية في العالم، ثم بدأوا لاحقًا في استخدام الأنابيب الورقية أيضًا. واستُخدمت هذه الأنابيب لطرد الأرواح الشريرة والاحتفال بالمواليد والأعراس.
السهام النارية
وبحلول القرن العاشر، طوّر الصينيون قنابل بدائية وبدأوا بربط المفرقعات النارية بالسهام التي كانت تُمطر خصومهم خلال الاشتباكات العسكرية.
وبعد مئتي عام، تعلموا كيفية إطلاق المتفجرات في الهواء وتوجيهها نحو أهداف العدو، مما ساهم في بناء أولى الصواريخ. وباستخدامها خارج ساحة المعركة، سمحت هذه التقنية نفسها لخبراء الألعاب النارية بتنظيم أولى العروض الجوية.
وبحلول القرن الثاني عشر، كانت الألعاب النارية تُشعل لأغراض ترفيهية في البلاط الإمبراطوري الصيني.
وفي القرن الثالث عشر، بدأت عينات البارود وتركيباته بالتسرب إلى أوروبا وشبه الجزيرة العربية، حيث نقلها الدبلوماسيون والمستكشفون.
وانغمس العلماء الغربيون وعلماء المعادن والقادة العسكريون في زيادة فعالية هذه المادة وصنع أسلحة قوية مثل المدافع والبنادق.
وفي تلك الأثناء، ازدادت شعبية الجانب الأكثر ليونة من البارود – الألعاب النارية – في البداية لإحياء ذكرى الانتصارات العسكرية، ثم لاحقًا لتعزيز الاحتفالات العامة والطقوس الدينية.
“سادة النار”
في إنكلترا، عُرف خبراء الألعاب النارية في العصور الوسطى باسم “سادة النار”. أما مساعدوهم، الذين أُطلق عليهم “الرجال الخضر” لأنهم كانوا يرتدون قبعات من أوراق الشجر لحماية رؤوسهم من الشرر، فقد عملوا أيضًا كمهرجين، يُسلون الجمهور بالنكات أثناء تحضيرهم للعروض.
وفي ذلك الوقت، كانت المهنة محفوفة بالمخاطر، حيث كان العديد من “الرجال الخضر” يموتون أو يُصابون بجروح جراء المفرقعات.
وبحلول عصر النهضة، كانت مدارس مخصصة تُدرّب فناني الألعاب النارية في جميع أنحاء أوروبا، وخاصةً في إيطاليا، التي اشتهرت بعروضها المُتقنة والمُلوّنة.
وبحسب موقع “هستوري”، كان الإيطاليون في ثلاثينيات القرن التاسع عشر أول من استخدم كميات ضئيلة من المعادن ومواد مُضافة أخرى، لإنتاج الشرارات الساطعة متعددة الألوان وتوهجات الشمس التي تُشاهد في عروض الألعاب النارية المعاصرة. أما العروض السابقة، فقد اقتصرت على الأصوات المُدوية والومضات البرتقالية وآثار الضوء الذهبية الخافتة.
عروض الألعاب النارية
واكتسبت الألعاب النارية شعبية واسعة بين الحكام الأوروبيين، الذين استخدموها لسحر رعاياهم وإضاءة قلاعهم في المناسبات المهمة. ففي إنكلترا، أُقيم أول عرض مُسجل في يوم زفاف هنري السابع عام 1486.
وفي عام 1685، قدّم كبير خبراء الإطفاء في عهد الملك جيمس الثاني عرضًا مبهرًا لتتويج الملك، لدرجة أنه مُنح لقب فارس.
كانت الألعاب النارية تُشعل لأغراض ترفيهية في البلاط الإمبراطوري الصيني في القرن الثاني عشر- غيتي
كذلك أقام ملوك فرنسا بانتظام عروضًا مذهلة في قصر فرساي وقصور أخرى، بينما نظّم القيصر الروسي بطرس الأكبر عرضًا ضخمًا للألعاب النارية استمر خمس ساعات احتفالًا بميلاد ابنه.
ونقل الأوروبيون معرفتهم وتقديرهم للألعاب النارية إلى العالم الجديد. ووفقًا للأسطورة، أطلق الكابتن جون سميث أول عرض في جيمستاون عام 1608.
وتشير السجلات إلى أن بعض المستعمرين الأميركيين ربما بالغوا في الأمر: فقد أصبحت سلسلة من المقالب المتعلقة بالألعاب النارية في رود آيلاند مصدر إزعاج عام، لدرجة أن المسؤولين حظروا “الاستخدام المشاغب للألعاب النارية” عام 1731.
الألعاب النارية احتفاء باستقلال أميركا
في 3 يوليو/ تموز من عام 1776، في اليوم التالي لتصويت الكونغرس القاري على استقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا العظمى، كتب الرئيس الأميركي جون آدامز رسالة إلى زوجته أبيجيل، يتخيل فيها احتفالات مستقبلية بهذه المناسبة. واقترح آدامز أن تشمل هذه الاحتفالات الألعاب النارية.
كتب آدامز: “كان ينبغي الاحتفال به ببذخٍ واستعراض، بالعروض والألعاب والرياضات والبنادق والأجراس والمشاعل والأضواء من أقاصي هذه القارة إلى أقاصيها، من هذا الوقت فصاعدًا وإلى الأبد”.
في العام التالي، أُقيمت إحدى أولى احتفالات الرابع من يوليو المنظمة في فيلادلفيا، وتضمنت عرضًا للألعاب النارية.
قيود تفرضها مقتضيات السلامة
لكن بالنسبة للنقاد، لم تكن الألعاب النارية مجرد صخبٍ مُبهرج، بل كانت قاتلة أيضًا. ففي يوم الاستقلال عام 1903، قُتل أكثر من 460 شخصًا في حوادث ألعاب نارية.
ولم يخفت الاهتمام بالألعاب النارية، ولا تزال متوفرة في جميع أنحاء الولايات المتحدة تقريبًا حتى اليوم.
وفي جميع أنحاء العالم، فرضت العديد من الدول قيودًا على بيع الألعاب النارية للمستهلكين. تتراوح هذه القيود بين قيود تتعلق بالعمر وحدود لعدد أيام بيع الألعاب النارية للعامة سنويًا.
وفي الوقت نفسه، تفرض دول مثل الولايات المتحدة والهند قيودًا تختلف باختلاف المنطقة التي تتواجد فيها.
وعلى سبيل المثال، بسبب تلوث الهواء في دلهي، اضطر المسؤولون في عام 2017 إلى فرض حظر تام على بيع الألعاب النارية.