فجرت «جريمة تحرش» بعدد من تلاميذ إحدى المدارس الدولية في مصر موجة انتقادات لأوضاع التعليم الأساسي في البلاد، لا سيما بعد تكرار وقوع مخالفات شبيهة خلال الآونة الأخيرة.

وقرر وزير التربية والتعليم والتعليم الفني في مصر، محمد عبد اللطيف، وضع مدرسة «سيدز» الدولية في القاهرة (التي شهدت هذه الوقائع)، تحت الإشراف المالي والإداري، وتسلمها لإدارتها من قبل الوزارة إدارياً ومالياً بشكل كامل.

كما قرر، في بيان صادر، السبت، «إحالة كافة المسؤولين الذين ثبت تورطهم في التستر أو الإهمال الجسيم في حماية الطلاب بالمدرسة للشؤون القانونية».

وبحسب الوزارة، فإن تحركاتها جاءت «بناءً على ما توصلت إليه تحقيقات اللجنة الوزارية في ملابسات وقائع الاعتداءات التي تعد حالياً قيد تحقيقات النيابة العامة».

وألقت الأجهزة الأمنية المصرية، الجمعة، القبض على أربعة موظفين بالمدرسة الدولية بعد اتهامهم بالتورط في وقائع «تعدٍّ» على عدد من الأطفال داخل المدرسة، وذلك عقب تلقي عدة بلاغات من أولياء الأمور، لتبدأ فرق البحث في جمع المعلومات، وفحص كاميرات المراقبة داخل المدرسة، وهو ما أسفر عن تحديد المشتبه بهم وضبطهم، وفق ما نشرته صحف محلية، نقلاً عن مصادر أمنية.

وزير التربية والتعليم المصري محمد عبد اللطيف (وزارة التربية والتعليم المصرية)

وقال عبد العزيز عز الدين، محامي أسر الضحايا، إن «البلاغ الأول أعقبه ظهور حالات أخرى مشابهة، حيث سجلت الجهات الأمنية حتى الآن 6 بلاغات رسمية من أولياء أمور أطفال من نفس المرحلة العمرية»، وفقاً لتصريحات أدلى بها لصحف محلية.

وأوضح أن «الأطفال كانوا يتعرضون للاستدراج إلى أماكن بعيدة عن كاميرات المراقبة، حيث يتم الاعتداء عليهم مع التهديد بعدم الكشف عن الواقعة، وأن الضحايا تعرضوا لصدمة نفسية شديدة، ما دفع الأسر إلى طلب تقارير طبية فورية ودعم نفسي».

وهدد وزير التعليم المصري بإغلاق المدارس التي تشهد مثل هذا النوع من الوقائع، مشيراً إلى أن «حماية الطلاب واجب لا يقبل التهاون، وأي مدرسة لا تلتزم بمعايير الأمان والسلامة ولا تصون حقوق أبنائنا لا تستحق أن تكون ضمن المنظومة التعليمية المصرية، وسنتخذ ضدها إجراءات رادعة»، وفق بيان صادر عن الوزارة، السبت.

ورغم تحرك الوزارة، فإن أوضاع المنظومة التعليمية واجهت انتقادات من جانب البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي، نتيجة عدم التدقيق في اختيار العاملين والموظفين بالمدارس، وكذلك عدم الاهتمام بوضع منظومة تأمين متكاملة لحماية الطلاب.

وقالت أدمن جروب «تعليم بلا حدود» على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، فاطمة فتحي، إن وقائع الاعتداءات على الطلاب تبرهن على أن عوامل الأمان المفترض وجودها في الهيئات والمؤسسات التعليمية المصرية تعاني عواراً، خصوصاً أن المدارس الخاصة والدولية تبحث عن استقطاب كوادر تحصل على رواتب زهيدة، وقد تقبل بموظفين للعمل من دون التعرف على خلفياتهم الاجتماعية والسلوكية.

وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «وزارة التربية والتعليم تتحمل جزءاً ليس بالقليل من المسؤولية؛ لأنها لم تتخذ أقصى عقوبة رادعة ضد المخالفين، وسبق أن قررت إحالة معلمين إلى وظائف إدارية مع تورطهم في جرائم اعتداء على الطلاب، كما أن وضع المدرسة تحت إشراف لجنة وزارية ليس كافياً، والمهم هو التأكد من تطبيق معايير الأمان لحماية الطلاب في المدارس بوجه عام، وتشديد الرقابة التربوية عليها».

التعليم الأساسي يواجه أزمات عدة (وزارة التربية والتعليم المصرية)

وتواجه وزارة التربية والتعليم انتقادات بسبب صعوبة المناهج وإدخال تعديلات عليها بشكل متكرر، إلى جانب استمرار عجز المعلمين في عدد من المواد الرئيسية، وانتشار الدروس الخصوصية على نطاق واسع، وإنهاك الطلاب في تقييمات واختبارات مستمرة، مع اتجاه وزارة التربية والتعليم لإدخال تعديلات مستمرة على منظومة الثانوية العامة، مع تراجع الاهتمام بالجوانب التربوية والسلوكية.

وقررت وزارة التعليم المصرية قبل أسبوع تقريباً وضع مدرسة «نيو كابيتال» الدولية تحت الإشراف المالي والإداري، مع إحالة المسؤولين للتحقيق إثر تورط إدارة المدرسة في «احتجاز عدد من التلاميذ لساعات بسبب عدم دفع المصروفات المدرسية».

وفي أبريل (نيسان) الماضي، هزت قضية الاعتداء الجنسي على الطفل «ياسين» داخل إحدى المدارس في محافظة البحيرة (دلتا مصر)، من قبل موظف بالمدرسة يبلغ من العمر 79 عاماً، الرأي العام المصري، وقبل أيام قضت محكمة مصرية، بتخفيف الحكم على المتهم بالسجن عشر سنوات مع الشغل، بعد أن كانت محكمة الجنايات قد قضت عليه بالسجن المؤبد.

وفي شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على مدرس تحرش بمجموعة من التلميذات في المرحلة الابتدائية، عن طريق ملامسة أجزاء من أجسادهن داخل مدرسة أحمد زويل بمنطقة العمرانية بمحافظة الجيزة، ما أثار حالة من الصدمة والغضب لدى الطالبات وأولياء أمورهن.

أستاذ علم النفس التربوي بجامعة عين شمس، تامر شوقي، أكد أن عدم الاهتمام بالسجل الجنائي للموظفين بالمدارس، وكذلك عدم عقد مقابلات نفسية مع المعلمين والإداريين للكشف عن سلوكياتهم، يقودان لمثل هذه الجرائم، مشيراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الجرائم ناتجة عن عدم توفر المشرفين بالقدر الكافي، خصوصاً داخل المدارس الدولية والخاصة ذات المساحات الشاسعة التي يسهل فيها استدراج الأطفال، مع ضعف منظومة الرقابة والتأمين».

وزير التعليم المصري وسط الطلاب في جولة ميدانية (وزارة التربية والتعليم)

ويقترح شوقي الاعتماد على الإناث للتعامل مع الأطفال في المراحل العمرية الصغيرة، مشدداً على أن «وزارة التعليم يجب أن يكون لديها إجراءات استباقية دون الاكتفاء بسياسة رد الفعل، عبر وضع استراتيجية لتأمين الطلاب داخل المدارس، وعلاج مسببات المشكلة الحالية، مع تشديد الرقابة على إدارات المدارس».

وفي مصر 62 ألف مدرسة، بواقع 672 ألفاً و852 فصلاً دراسياً، ويدرس بها 25 مليون طالب، بالإضافة إلى 876 ألفاً و432 معلماً، وفقاً لإحصائيات وزارة التربية والتعليم هذا العام.

ويرى شوقي أن هذه الأرقام تسبب صعوبة في إقرار صرامة رقابية، لكن ورغم ذلك يوجد تشديد واضح بشأن الالتزام بالتقييمات والاختبارات الشهرية، ويجب أن يكون الاهتمام بالسلوكيات التربوية مقدماً على التقييمات».

شاركها.
Exit mobile version