لأول مرة منذ انتهاء الحرب الباردة، تفرض الولايات المتحدة الأميركية عقوبات بسبب الإبادة الجماعية، فقد أعلنت وزارة الخارجية الأميركية فرض عقوبات على قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) لدوره في الفظائع الممنهجة المرتكبة ضد الشعب السوداني، وفق تعبير البيان الرسمي.
وأشار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إلى أن عناصر من قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية وتطهيرًا عرقيًا وإبادة جماعية في السودان.
وأكد بيان وزارة الخارجية الأميركية، أن واشنطن لا تدعم أيًا من طرفي الحرب في السودان. وقال إن الإجراءات ضد حميدتي وقوات الدعم السريع لا تحمل أي دعم للقوات المسلحة السودانية أو محاباة لها، فقد وجهت هذه الأخيرة ضربات جوية وهجمات مدفعية ضد المدنيين، وتواصل عرقلة عمليات تسليم إيصال المساعدات الإنسانية، على حد تعبير واشنطن.
ورحّبت وزارة الخارجية السودانية بالقرار الأميركي، وأكدت مسؤولية قوات الدعم السريع على الجرائم الممنهجة في البلاد.
ترحيب من جهة وتنديد من أخرى
كما دعت الوزارة دولًا أخرى لم تسمها إلى اتخاذ خطوات مماثلة ضد قوات حميدتي، وطالب البيان الرسمي بضرورة وجود موقف موحد وصارم من الأسرة الدولية لمواجهة قوات الدعم السريع لإجبارها على وقف حربها ضد الشعب السوداني ومؤسساته الوطنية، وفقًا لبيان الخارجية السودانية.
أما قوات الدعم السريع، فاعتبرت خطوة واشنطن من الإدارة المنتهية ولايتها، على حد وصفها، مجحفة وذات طابع سياسي، مجددة اتهامها لقيادة الجيش السوداني بتأجيج الحرب في البلاد.
منظمات حقوقية دولية وثقت استخدام العنف الجنسي أداةً ضد الخصوم في الحرب-غيتي
عقوبات سياسية
عن دلالات العقوبات الأميركية وتأثيرها في مسار الحرب السودانية، قال يعقوب نورين مستشار قائد قوات الدعم السريع إنها عقوبات سياسية ومجحفة، نافيًا أن تكون قائمة على أسانيد أو أدلة وبراهين.
وأوضح نورين في مقابلة مع التلفزيون العربي من كمبالا، أن الجرائم المنسوبة لقوات التدخل السريع، والتي ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية لا يتم إثباتها ببيانات سياسية، بل بوقائع مؤكدة عن الأماكن التي تمت فيها هذه الجرائم والمُستهدفين منها، وتواريخ ارتكابها والكيفية التي تمت بها، وهو ما لم يتضمنه بيان الخارجية الأميركية.
وأضاف نورين أن قائد قوات الدعم السريع تواصل مع الخارجية الأميركية فور بدء الحرب، وأبلغها بهجوم الجيش السوداني في منطقة المدينة الرياضية، ما يعني أن واشنطن كانت في صورة ما حدث.
وأكد أن حركته مع الجهود التي تهدف لحل سلمي للصراع، بدليل مشاركتها في المؤتمرات التي عقدت لهذا الغرض في جدة والمنامة وجنيف.
اتهامات موثقة
من جهته، أكد عثمان الميرغني، رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية، أن الاتهامات الموجهة لقوات الدعم السريع التي وردت في بيان الخارجية الأميركية ليست جديدة، فقد أكدتها ووثقتها ورصدتها منظمات دولية مستقلة، وأخرى تابعة للأمم المتحدة.
وأردف أن “أسوأ تلك الانتهاكات وقع في يونيو/ حزيران من العام الماضي في منطقة الجنينة، حيث قتلت قوات الدعم السريع نحو 15 ألف سوداني بدم بارد”.
الحليفان اللذان تحولا إلى عدوين-غيتي
وشدد الميرغني على صحة الاتهامات التي وجهت للدعم السريع باستخدام العنف الجنسي أداة في الحرب، وقال للتلفزيون العربي من القاهرة، إن العقوبات الأميركية ألغت فعليًا الوجود المعنوي للدعم السريع، وإنها لن تجد منبرًا يعترف بها بعد اليوم.
“اتخاذ تدابير تردع المتورطين”
وفيما يتعلق بعمليات توثيق الانتهاكات المرتكبة خلال الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أكدت نيكول ويدرشايم، نائبة مدير مكتب واشنطن في منظمة هيومن رايتس ووتش، أن المنظمة الحقوقية قامت مع شركائها داخل السودان بتوثيق هذه الانتهاكات منذ بداية الحرب، وأطلقت النداءات الواحد تلو الآخر لمساءلة المسؤولين عنها.
وأضافت المسؤولة الحقوقية أن هيومن رايتس ووتش دعت لاتخاذ التدابير الكافية لردع المتورطين، والضغط عليهم لوقف جرائم الحرب التي تُرتكب.
وقالت في حديث للتلفزيون العربي إن منظمتها دعت كذلك لوقف تزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة.
وأوضحت ويدرشايم أن منظمتها لم تتوصل إلى خلاصات بارتكاب إبادة جماعية في السودان، رغم تأكيدها على ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية هناك.