لطالما اعتبر تصنيف البدانة كمرض مثار جدل مزمن يتجاوز حدود المجتمع الطبي إلى الحيز الاجتماعي.
لكن خبراء عالميين اتفقوا أخيرًا على إجابة موحدة، لكن نتيجتهم غير الحاسمة بشأن الموضوع قد لا ترضي أيًا من الأطراف المعنية.
فقد أظهر بحث أعده عشرات المتخصصين في البدانة، ونشرت خلاصته مجلة “لانسيت ديابيتيس أند اندوكرينولوجي” المتخصصة بأمراض السكري والغدد الصماء، أن “فكرة تصنيف البدانة كمرض تشكل جوهر أحد أكثر النقاشات المثيرة للجدل والانقسام في الطب الحديث”.
إعادة تعريف البدانة
واتفق المتخصصون على إعادة تعريف كيفية تحديد هذه الحالة، فضلًا عن المشاكل الطبية التي تسببها.
وترتبط البدانة بمجموعة واسعة من الأمراض مثل السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية. ولكن بالنسبة لبعض المراقبين، يمكن للشخص البدين أن يعيش في بعض الأحيان بصحة جيدة، وبالتالي لا ينبغي اعتبار وزنه الزائد إلّا عامل خطر.
وبالنسبة لآخرين، تشكّل البدانة بالضرورة مشكلة صحية، ويجب اعتبارها مرضًا في حد ذاته. وهذا هو رأي منظمة الصحة العالمية.
مكافحة التمييز
كما يتناول هذا النقاش جزئيًا قضايا متعلقة بمكافحة التمييز، إذ يعتقد بعض الناشطين في مجال مكافحة “رهاب البدانة” أن المظهر البدني للبدناء لا ينبغي أن يشكّل بحد ذاته وصمة سلبية، تدفع لتصنيفهم على أنهم مرضى.
ولا يمكن اختصار الجدل في كونه مجرد مواجهة بين المرضى والأطباء. إذ يرى كثر من المرضى أنه من الضروري النظر إلى البدانة كمرض، حتى يمكن التعامل معها على محمل الجد وتنفيذ سياسات صحية عامة طموحة بما فيه الكفاية.
يؤكد الخبراء أن مؤشر كتلة الجسم الذي يقيس النسبة بين وزن الشخص وطول قامته، غير كاف لتصنيف البدناء- غيتي
وفي المقابل، يرى أطباء كثر مجازفة قد تحول دون تلبية احتياجات المرضى في حال التعامل مع البدانة كمرض مستقل، وليس كعامل خطر مرتبط بأمراض متغيرة للغاية يعاني منها المريض.
وتكتسب هذه الأسئلة أهمية خاصة مع ظهور علاجات فعالة لإنقاص الوزن. لكنّ آثارها الجانبية لا تزال تثير تساؤلات، منها ما يتعلق خصوصًا بمعرفة ما إذا كانت ثمة ضرورة لإعطائها على نطاق واسع، أم الاحتفاظ بها للمرضى الذين يعانون تبعات صحية كبيرة جراء البدانة.
مؤشر كتلة الجسم ليس كافيًا
وبحسب جراح البدانة الذي ترأس عمل لجنة الخبراء فرانشيسكو روبينو، لا أحد على حق تمامًا ولا أحد على خطأ تمامًا.
وقد حرص الباحثون في توصياتهم الجديدة على توخي الدقة. فباختصار، البدانة مرض، لكن ليس في كل الأوقات.
ويؤكد الخبراء في البداية على نقطة أصبح هناك إجماع عليها حاليًا، ومفادها أن مؤشر كتلة الجسم (BMI) الذي يقيس النسبة بين وزن الشخص وطول قامته، غير كافٍ على الإطلاق.
وسيكون من الضروري استكماله باختبارات أخرى لتحديد ما إذا كان المريض يعاني من البدانة، ومنها قياس محيط الخصر، أو استخدام تقنيات الأشعة لتقدير كمية الدهون في الجسم.
البدانة ما قبل السريرية
ولكن حتى لو صُنف الشخص على أنه مصاب بالبدانة، فإن الخبراء لا يعتبرون ذلك مرضًا بالضرورة. وبحسب رأيهم، فإن البدانة لا تصبح “سريرية” إلا عندما تظهر على الأعضاء علامات خلل في وظائفها.
وبدون ذلك، فإنهم يدعون إلى الحديث عن البدانة “ما قبل السريرية”. وبالتالي، لا يكون الأمر مرضًا، بل حالة تتطلب إجراءات وقائية بالأساس، وليس بالضرورة علاجات دوائية أو جراحية، من أجل تجنب “الإفراط في العلاج الطبي”.
ورغم أن هذه الاستنتاجات قد ترضي جميع المعنيين بالموضوع، فقد تثير استياء الجانبين. فبعض جمعيات المرضى ترفض فكرة عدم تصنيف البدانة تلقائيًا على أنها مرض.
وتنتقد صوفي جولي، مؤسسة التجمع الوطني لجمعيات الأشخاص المصابين بالبدانة، الخبراء المنفصلين عن “الواقع الملموس” الذي يعيشه مرضى البدانة الذين لا يجدون متابعة كافية لوضعهم. وتعتبر أن نتائج الدراسة “تتعارض مع رسائل الصحة العامة”.