مصر: حيازة الدولار ليست محظورة… لكنّ المشكلة في الحصول عليه
عاد إلى الواجهة في مصر الجدل حول الدولار وحيازته على خلفية إلقاء الشرطة القبض على «يوتيوبر» شهير وإحالته إلى النيابة لاتهامه بالتعامل غير المشروع بالعملة الأجنبية وتداولها خارج النظام المصرفي، فيما أكد محاميه أنّ المبلغ تم ضبطه في منزل موكله، ولم يٌقبض عليه متلبساً بتغيير العملة في «السوق السوداء»، مشيراً إلى أن مصدر الأموال مشروع.
وكانت النيابة العامة المصرية أصدرت يوم الثلاثاء توضيحاً تذكيرياً مستنداً إلى قانون يخص البنك المركزي صادر عام 2020، جاء فيه أن «حيازة الدولار مشروعة بقصد الثروة دون التداول خارج النظام المصرفي»، وأن القانون يشترط «مخاطبة محافظ البنك المركزي قبل إصدار إذن النيابة بضبط الجريمة في غير حالات التلبس».
رغم أن توضيح النيابة هذا أزال اللغط، لكنّ العملة الخضراء لا تزال تطرح إشكالاً اقتصادياً واجتماعياً كبيراً، بسبب عدم توافرها، والارتفاعات المطردة في سعرها.
وخفضت مصر قيمة عملتها أمام الدولار أكثر من مرة، استجابة لطلبات صندوق النقد الدولي، كان آخرها في مارس (آذار) الماضي. وهي المرة التي فقد فيها الجنيه المصري نحو 40 في المائة من قيمته، حيث كان السعر الرسمي داخل البنوك 30 جنيهاً لكل دولار، بينما بات اليوم أكثر من 50 جنيهاً للدولار الواحد، ويتحرك صعوداً وهبوطاً بمعدل قروش.
أحد مَن يملكون حساباً دولارياً في بنك حكومي في مصر، قال لـ«الشرق الأوسط»، مفضلاً عدم ذكر اسمه، إنه «شعر بالخوف من سحب بعض أمواله بالدولار والاحتفاظ بها في منزله بعدما علم بقصة القبض على (اليوتيوبر)، لكنه اطمأنّ عند نشر توضيح النيابة».
وأشار إلى أنه رغم امتلاكه حساباً دولارياً يتم تغذيته من تحويلات بالعملة الأجنبية من مصادر عمله، فإنه حين يسحب مبلغاً بالدولار لاستخدامه في دفع أي متطلبات تخصه، تنتابه هواجس منبعها الأقاويل المتداولة بشدة إن البنوك تخطر الشرطة عمن يسحبون مبالغ بالعملة الأجنبية من حساباتهم دون تغييرها في البنك.
«شائعات كثيرة»
لكن الخبير المصرفي، طارق إسماعيل، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «جزءاً من شعور الناس بأزمة بشأن الدولار سببه الكثير من الشائعات المغلوطة»، مشدداً على أنه «مَن لديه حساب دولاري أو بأي عملة أجنبية أخرى وترد له تحويلات من مصادر مشروعة، فمن حقه أن يسحب منه بالعملة الأجنبية في أي وقت ودون شرط أو قيد، وليس منطقياً ولا معقولاً أن تقوم البنوك بإبلاغ الشرطة عن الأشخاص الذين يسحبون مبالغ بالدولار، لأنه، فضلاً عن عدم وجود جريمة أو مخالفة في السحب، هناك ملايين الناس يسحبون عملات أجنبية من حساباتهم».
وينص الدستور المصري في مادتيه 57 و58 على عدم المساس بحرمة المنازل أو تفتيشها تحت أي ظرف، وكذلك حظر الاطلاع على الرسائل الإلكترونية والاتصالات الهاتفية حتى في حالات التلبس إلا بإذن قضائي مسبق ومسبب.
كما أن محكمة النقض أرست مبادئ في عدة أحكام متعلقة بقضايا الاتجار بالنقد الأجنبي منذ عام 1965 وحتى عام 2022 تؤكد حق كل شخص طبيعي في حيازة النقد الأجنبي طالما لا يتعامل فيه بشكل غير مشروع خارج القطاع المصرفي.
مصري آخر أبدى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» استغرابه من كون البنوك تقبل شراء الدولار منه بأي مبلغ، و«لكن حينما يطلب هو دولارات يجد قيوداً صارمة تفرضها عليه». كما أنه مستغرب من أمر آخر، وهو أنه يبيع الدولارات للبنك بسهولة من حسابه الدولاري، ولكن حين تأتيه أموال بالجنيه المصري ويرغب في تحويلها إلى دولارات لتعويض ما باعه من قبل للبنك، فلا يسمح له البنك بذلك».
تجدر الإشارة إلى أن خفض سعر الجنيه أمام الدولار عدة مرات خلال العامين الماضيين، خلق مخاوف لدى الكثيرين من الاحتفاظ بثرواتهم بالجنيه، ما أدى كذلك إلى خلق سوق سوداء دفعت الدولة إلى اتخاذ قرارات صارمة من أجل القضاء عليها إلى حد كبير.
تشدد البنوك حول المبالغ
وشرح إسماعيل، الذي يعمل في أحد أكبر البنوك الحكومية في مصر، أن «البنك يشتري الدولارات من أي شخص ولكنّ هناك أموراً يتم النظر فيها قد لا يُعلن عنها بشكل مباشر، منها مثلاً تقييم حجم مدى تناسب المبلغ مع دخل الشخص الذي يبيع، وحينما يكون هناك اشتباه في عدم تناسب المبلغ مع الدخل يبدأ البنك في التدقيق بمصدر الأموال».
وأوضح أن هناك أيضاً قيوداً على فتح الحسابات بالعملة الأجنبية واستقبال تحويلات عليها، فلابد أن يثبت الشخص أنه لديه مصدر مشروع لتلك التحويلات حتى يقبل البنك بفتح حساب له واستقبال التحويلات عليه.
وأكد أن «هناك سياسة وضعها البنك المركزي مفادها أنه لا يسمح لأي شخص بتحويل الجنيه إلى دولار بقصد الحفاظ على الثروة، لأن هذا الأمر يضر الاقتصاد بل ويدمره إذا تم السماح به، وأن يكون تحويل الجنيه إلى دولار له ضوابط وأسباب قانونية، واستخدام يسمح به القانون ولوائح القطاع المصرفي كأن يكون الدولار مثلاً لتغطية نفقات سفر للخارج مع تقديم الإثبات على ذلك».
ما هو مصدرك؟
عبد الفتاح مزروع، يعمل محاسباً مالياً في إحدى شركات الأسمدة، قال لـ«الشرق الأوسط»، إنه «حينما يذهب لوضع أموال بالدولار في حساب الشركة، فإن البنك يطلب تعبئة نموذج يوضح مصدر الأموال بالضبط، وكذلك حينما تطلب الشركة توفير دولارات لاستيراد أسمدة فإن ذلك يتم عبر عملية تسمى الاعتماد المستندي وموافقات مصرفية لضمان أن الدولار سيستخدم بالفعل في استيراد السلعة المطلوبة ويتم كل ذلك بتحويلات بنكية أي تحت رقابة الدولة بالكامل».
وأشار إسماعيل من جهته إلى أنه «من واقع عمله حالياً فإن أي شركة أو شخص يطلب تأمين دولار له من البنوك من أجل استيراد سلع تتم الموافقة له على التدبير مع وضع أولويات للسلع الأساسية في المقام الأول»، مشدداً على أنه «لا توجد حالياً أي قوائم انتظار لطلبات تدبير العملة».
تجدر الإشارة إلى أن مصر تعاني من شح الدولار منذ سنوات… إلا أن الأزمة بدأت في الحل منذ فبراير (شباط) الماضي بفعل تدفق مليارات الدولارات ضمن مشروعات استثمارية من أهمها مشروع تطوير منطقة «رأس الحكمة» على الساحل الشمالي للبلاد، وكذلك الإعلان عن إتمام اتفاق تمويل مع صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار فضلاً عن مبلغ تمويل مماثل من الاتحاد الأوروبي.