في حلقة جديدة من التصعيد الإسرائيلي المتواصل ضد لبنان، أغارات الطائرات الإسرائيلية فجر الثلاثاء على الضاحية الجنوبية مستهدفة مبنى في حي ماضي، في اعتداء أودى بأربعة شهداء، بينهم القيادي في حزب الله حسن علي بدير ونجله، وفق ما أعلنه الحزب لاحقًا.
وعلى الأثر، تراوحت الردود اللبنانية بين التحذير والتلميح، حيث رأى رئيس الجمهورية جوزيف عون في القصف “إنذارًا خطيرًا” يكشف نوايا مبيتة تجاه لبنان، فيما اعتبر رئيس البرلمان نبيه بري أن تل أبيب لا تهاجم لبنان فحسب، بل تسعى إلى اغتيال القرار 1701 ونسف آليته التنفيذية، في تحدٍّ مباشر لأسس التهدئة الدولية.
ولم تكن الضاحية الجنوبية وحدها هدفًا لهذا التصعيد، إذ باتت الضربات الإسرائيلية تمتد من الجنوب إلى البقاع، في محاولة لفرض إيقاع سياسي عبر النار. فمع استمرار الاستهدافات، يزداد في بيروت الاقتناع بأن ما يجري ليس مجرد ضربات عسكرية معزولة، بل ضغط ممنهج لفرض أجندة إسرائيلية أميركية على الدولة اللبنانية.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية نقلت عن مسؤول لبناني قوله إن التصعيد الإسرائيلي مدفوعٌ بضغط أميركي لتشكيل مجموعات عمل لمعالجة ملفات عالقة مع تل أبيب. وهو ما أكدته المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، التي دافعت عن فكرة تشكيل مجموعات مدنية لإطلاق مفاوضات، معتبرةً أن الوقت قد حان لمسار دبلوماسي بين لبنان وإسرائيل.
غير أن بيروت، رغم الضغوط، ترى في هذه الدبلوماسية المدفوعة بالقوة مدخلًا إلى التطبيع، وهو ما ترفضه بالإجماع رئاساتها الثلاث التي تقاطعت في وصف الأمر بمحاولة لاستدراج لبنان إلى مفاوضات تنتهي بتطبيع قسري مع التشديد على التمسك باتفاق الهدنة لعام 1949.
في المقابل، يبدو موقف واشنطن واضحًا على لسان المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الذي لمّح إلى أن التطبيع بين إسرائيل ولبنان بات احتمالًا حقيقيًا.
وإزاء هذا التباين، يرى كثيرون أن إسرائيل تسعى إلى تكثيف اعتداءاتها المستمرة على لبنان، مستندة إلى غطاء أميركي، لإجبار بيروت على خيارات لا تريدها.
موقف الحكومة من التطورات الأخيرة
وفي هذا الإطار، عبر وزير الإعلام اللبناني بول مرقص عن إدانة الحكومة اللبنانية للعدوان الإسرائيلي على العاصمة بيروت، مؤكدًا أنه يشكل خرقًا للقرار 1701 ووقف إطلاق النار.
ورأى في حديث إلى التلفزيون العربي أن ما حصل تصعيد خطير تريد من خلاله إسرائيل الإطاحة بالشرعية والقرارات الدولية بدل أن تلتزم باتفاق وقف إطلاق نار.
وأكد أن هذا الاعتداء يأتي بينما تستكمل الحكومة نشر الجيش اللبناني على الحدود في الجنوب، مذكرًا بأن لبنان قام بتطويع 4500 عنصر من الجيش للانتشار في الجنوب.
وبينما شدد على أن الحكومة اللبنانية تقوم بتنفيذ كل تعهداتها، لفت إلى أن إسرائيل تستمر باحتلال أراضٍ لبنانية وأسر عدد من اللبنانيين والقيام بضربات في بيروت.
مرقص أوضح أن الرئيس جوزيف عون يقوم باتصالات دولية مكثفة للضغط على إسرائيل في سبيل عدم تكرار ما حصل ووقف اعتداءاتها.
“تفاوض بالنار لجلب لبنان إلى طاولة المفاوضات”
من جهته، يرى الباحث السياسي توفيق شومان أن الموقف اللبناني الرسمي واضح لناحية إدانة الاعتداءات الإسرائيلية والخروقات التي ترقى إلى مرتبة العدوان وفق تعبيره.
ويعتبر في حديث إلى التلفزيون العربي من بيروت أن الغارات الإسرائيلية الأخيرة قطعت الطريق على الجهد الدبلوماسي اللبناني الذي حاولت الحكومة القيام به وكذلك الرئيس جوزيف عون خلال زيارته الأخيرة إلى باريس.
شومان يقول إن الهدف على ما يبدو من الاعتداءات الإسرائيلية جعل الضاحية الجنوبية مكانًا غير آمن، لافتًا إلى قناعة في بيروت بأن إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة لا تريد القرار 1701.
وأضاف أن الهدف مما يحدث في الضاحية الجنوبية لبيروت من خلال غارتين في أقل من أسبوع وتوقعات باستهدافات أخرى، هو استخدام الضغط الناري والتفاوض بالنار لجلب لبنان إلى طاولة المفاوضات المباشرة مع إسرائيل.
إسرائيل ومحاولة تجاوز القرار 1701
بدوره، يقول الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت إن ما حدث في بيروت خلال الأسبوع الأخير يؤكد أن هناك تغيرات في الرؤية الإسرائيلية لكل ما يوصف بأنه أزمة مع لبنان.
ويعتبر في حديث إلى التلفزيون العربي من عكا أن ما يلخص هذه التغيرات هو تكرار إسرائيل على لسان مسؤوليها بأن لا عودة إلى الوضع الذي كان سائدًا قبل أكتوبر/ تشرين الأول 2023 على الحدود مع لبنان.
ويضيف أن الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية هي تأكيد من وجهة النظر الإسرائيلية أن الدولة اللبنانية تتحمل المسؤولية عن كل خرق يمكن أن يرتكب على الحدود، بغض النظر عمن يرتكبه.
ويوضح أن ما يحصل يدل على أن إسرائيل تحاول تجاوز القرار 1701 حيث كانت تتحدث عنه بنبرة كئيبة لعدم موافقتها عليه، وهي الآن تعتبر أن الدولة اللبنانية مسؤولة عن تطبيقه، لكنها ترى أن الدولة اللبنانية لا تملك القدرة الكافية على هذا الأمر.
ضوء أخضر أميركي
رئيسة معهد نيولاينز للإستراتيجيات والسياسات كارولين روز تؤكد من جهتها أن الضربات على الضاحية الجنوبية تتم بضوء أخضر من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وتعتقد في حديث إلى التلفزيون العربي من نيويورك أن ترمب بدأ بفرض ضغوط وسيزيدها على الحكومة اللبنانية وحزب الله وبشكل غير مباشر على إيران لبدء اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وتغيير الظروف بين إسرائيل ولبنان، وكذلك بين واشنطن وطهران.
روز تضيف أنه ليس بالضرورة أن تكون هذه الأساليب فعالة خصوصًا أنها لم تكن كذلك في الماضي على حد تعبيرها.
وتشير إلى أن كل ما يحصل من غزة إلى لبنان والجولان يثبت أن إسرائيل لا تلتزم بوعودها في المفاوضات، معتبرة في الوقت ذاته أن هذا الأمر تكتيك تستخدمه أميركا لمحاولة تغيير الظروف على الأرض.