منذ اليوم الأول لبدء الحرب على غزة، أُثير جدل واسع بشأن توظيف جيش الاحتلال الإسرائيلي للذكاء الاصطناعي خلال عملياته العسكرية.
وفي هذا الإطار، كشفت صحيفة “واشنطن بوست” أنّ موظّفي شركة “غوغل” عملوا على تزويد إسرائيل بأحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي للشركة منذ الأسابيع الأولى للحرب.
واستندت الصحيفة الأميركية في تقريرها إلى وثائق داخلية، تُفيد بأنّ “غوغل” ساعدت وما تزال تساعد وزارة الأمن الإسرائيلية وأجهزة الأمن مباشرة، على الرغم من جهود الشركة لإبعاد نفسها علنًا عن مثل هذا التعاون، وذلك بعد احتجاج موظّفي الشركة على عقد الحوسبة السحابية مع الحكومة الإسرائيلية المعروف باسم “نيمبوس”، بسبب مخاوف من أن تُساعد تقنية “غوغل” البرامج العسكرية والاستخباراتية في الإضرار بالفلسطينيين.
متى بدأ التعاون؟
وأشارت بعض الوثائق إلى أنّ التعاون بين “غوغل” ووزارة الدفاع الإسرائيلية بدأ عام 2021، حين أرادت وزارة الأمن الإسرائيلية بشكل عاجل توسيع استخدامها لخدمة “غوغل” المُسمّاة “فيرتكس”، والتي يُمكن للعملاء استخدامها لتطبيق خوارزميات الذكاء الاصطناعي على بياناتهم الخاصة.
وعام 2021، تمّ اختيار شركتي “غوغل” و”أمازون” لإبرام عقد “نيمبوس” للحوسبة السحابية بمليارات الدولارات، والذي يهدف إلى إجراء ترقية شاملة لتكنولوجيا الحكومة الإسرائيلية.
وشهدت الصفقة قيام الشركتين المتنافستين ببناء مراكز بيانات في إسرائيل والموافقة على تقديم برامج وخدمات تخزين سحابية للأقسام الحكومية.
وفي ذلك الوقت، أخبر المسؤولون الإسرائيليون وسائل الإعلام المحلية بأنّ الصفقة ستشمل العمل مع جيش الاحتلال.
ورصدت إحدى الوثائق أنّ أحد موظفي “غوغل” حذّروا الشركة من أنّه إذا لم تُوفّر بسرعة ما يُريده جيش الاحتلال الإسرائيلي، فإنّ هذا الأخير سيلجأ بدلًا من ذلك إلى منافس “غوغل” السحابي “أمازون”.
وذكرت الوثائق أنّ موظفًا في “غوغل” طلب منح الوصول إلى تقنية الذكاء الاصطناعي المسمّاة “جيميناي” للجيش الإسرائيلي، الذي أراد تطوير مساعد ذكاء اصطناعي خاص به لمعالجة الوثائق والصوتيات.
وبيّنت الوثائق أنّه حتى نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عندما كانت الغارات الجوية الإسرائيلية قد حوّلت أجزاء كبيرة من غزة إلى أنقاض، فإن جيش الاحتلال كان لا يزال يستعين بآخر تقنيات الذكاء الاصطناعي من “غوغل”.
استغلال تقنيات الحوسبة السحابية
ونقلت الصحيفة عن موظفة بالشركة قولها إنّ أكثر من 100 من طواقم “غوغل” طالبوا الشركة بمراجعة عملها مع الجيش الإسرائيلي، إلا أنّ الشركة تجاهلتهم تمامًا.
وقالت “غوغل” إنّها تنأى بنفسها عن أجهزة الأمن القومي الإسرائيلية، وكانت قد فصلت أكثر من 50 موظفًا العام الماضي بعد احتجاجهم على العقد المعروف باسم “نيمبوس”، خشية من أن تُستخدم تقنيات “غوغل” في برامج عسكرية واستخباراتية تُضرّ بالفلسطينيين.
وذكرت أنّ عقد “نيمبوس” مع الحكومة الإسرائيلية “لا يستهدف الوظائف الحساسة للغاية أو السريّة أو العسكرية المتعلّقة بالأسلحة أو الخدمات الاستخباراتية”.
وأكدت الصحيفة أنّ الوثائق التي حصلت عليها لا تُشير إلى كيفية استخدام جيش الاحتلال لقدرات الذكاء الاصطناعي من “غوغل”، لكنّها نقلت تصريحات سابقة للمدير العام للمديرية الوطنية للأمن السيبراني الإسرائيلية جابي بورتنوي، أكد فيها أنّ عقد “نيمبوس” يدعم مباشرة التطبيقات القتالية، حيث قال: “تحدث أشياء مذهلة في أثناء القتال، وهذه الأشياء تلعب دورًا كبيرًا في الانتصار، ولن أفصح عن المزيد”.
وتُعزّز المعطيات التي كشفت عنها الصحيفة الأميركية، ولم يصدر بشأنها تعليق إسرائيلي، تصريحات سابقة لمسؤول رفيع في الجيش الإسرائيلي لصحيفة “ذا بوست”، وتُفيد بأنّ الجيش استثمر بقوة في تقنيات الحوسبة السحابية الجديدة وأنظمتها الخلفية الأخرى، بالتعاون مع شركات أميركية.
وقد تجلّى ذلك بتوظيف الجيش الإسرائيلي بعد هجومه على غزة، أداة ذكاء اصطناعي تُسمّى “هبسورا” المطوّرة داخليًا، لتزويد قادته بآلاف الأهداف البشرية والبنية التحتية لقصفها في قطاع غزة.
وبُنيت “هبسورا” على مئات الخوارزميات التي تُحلّل بيانات من مصادر متعدّدة، مثل رصد الاتصالات وصور الأقمار الصناعية، بهدف توليد إحداثيات لأهداف عسكرية محتملة.