بعد عقود من وسائل منع الحمل القسرية… الدنمارك تعتذر للمرأة من السكان الأصليين في غرينلاند

خضعت كاترين بيترسن، في سن الثالثة عشرة، لعملية زرع جهاز لمنع الحمل بواسطة أطباء دنماركيين دون موافقتها، حسب «أسوشييتد برس».

كانت كاترين قد حملت، وبعد أن أجهض الأطباء حملها في بلدة مانيتسوق في غرينلاند، قاموا بتركيب جهاز لمنع حمل داخل رحمها، يعرف باسم «اللولب».

وتذكرت بيترسن، التي تبلغ من العمر الآن 52 عاماً والمقيمة في الدنمارك، أنه تم إبلاغها حينذاك بأنها خضعت لعملية لزرع الجهاز قبل مغادرتها المستشفى.

وفي وقت لاحق من حياتها، وبعد زواجها، لم تتمكن من الإنجاب. وخلال حفل أقيم، اليوم الأربعاء، في نوك عاصمة غرينلاند، اعتذرت رئيسة وزراء الدنمارك ميته فريدريكسن، بصوت متقطع، للفتيات والنساء من السكان الأصليين في غرينلاند، مثل بيترسن، اللائي خضعن لعمليات زرع أجهزة منع الحمل من جانب السلطات الصحية الدنماركية ضد إرادتهن في حالات تعود إلى ستينيات القرن الماضي.

اعتذار رسمي من الدنمارك وغرينلاند

في مراسم رسمية أُقيمت، اليوم الأربعاء، في عاصمة غرينلاند «نواك»، قدمت رئيسة وزراء الدنمارك، ميته فريدريكسن، ونظيرها في غرينلاند، ينس – فريدريك نيلسن، اعتذاراً رسمياً عن دور حكومتيهما في الانتهاكات التي تعرضت لها نساء وفتيات من السكان الأصليين، حيث تم إخضاعهن لتدخلات طبية تضمنت تركيب وسائل منع حمل من دون علمهن أو موافقتهن، في سياسة تعود بداياتها إلى ستينيات القرن الماضي.

وقالت فريدريكسن في بيان صدر الاثنين: «لا يمكننا تغيير ما حدث، لكن يمكننا تحمل المسؤولية وتهيئة الظروف للمصالحة مع الماضي»، مضيفة أن الحكومة الدنماركية تعتزم إنشاء صندوق مصالحة لتعويض الضحايا مالياً.

يأتي هذا الاعتذار بعد أن نشرت الدنمارك وغرينلاند اعتذارات مبدئية الشهر الماضي قبيل صدور نتائج تحقيق مستقل بشأن الانتهاكات.

رئيسة وزراء الدنمارك تتحدث خلال اجتماع في دار الثقافة كاتواك في نوك، غرينلاند (أ.ب)

خلفية استعمارية

كانت غرينلاند مستعمرة دنماركية حتى عام 1953، عندما تحولت إلى مقاطعة دنماركية، ثم حصلت على حكم ذاتي في عام 1979، وفي 2009 أصبحت كياناً يتمتع بالحكم الذاتي الموسع.

وتمثل سياسة منع الحمل القسري جزءاً من تاريخ طويل من السياسات الدنماركية التي تعاملت مع سكان غرينلاند الأصليين بطريقة غير إنسانية.

ومن بين تلك السياسات، انتزاع أطفال السكان الأصليين من أسرهم لإعادة تربيتهم في كنف أسر دنماركية، بالإضافة إلى اختبارات مثيرة للجدل لـ«كفاءة الوالدين»، أدت إلى تفكك عائلات بأكملها.

ضحايا من فتيات بعمر 12 عاماً

وكشف التحقيق المستقل، الذي نُشر هذا الشهر، أن بعض الضحايا من الفتيات كن في سن 12 عاماً أو أقل، وتعرضن لسياسات منع الحمل من دون علمهن أو موافقتهن.

وأفاد عدد منهن بأن هذه التجارب كانت مؤلمة جسدياً ونفسياً، وتسببت لهن بمضاعفات صحية مثل النزيف والعدوى، بالإضافة إلى الشعور بالعار والوصمة.

ورغم أن التقرير شمل شهادات 354 امرأة، فإن السلطات الدنماركية تقول إن أكثر من 4 آلاف فتاة وامرأة، أي نحو نصف النساء القادرات على الإنجاب في غرينلاند آنذاك، تلقين وسائل منع الحمل بين ستينيات ومنتصف سبعينيات القرن الماضي. ولا يُعرف عدد الحالات التي نُفذت من دون موافقة.

وقالت بيترسن: «أفكر في كل النساء اللواتي عوملن بالطريقة نفسها… أشعر بتضامن عميق معهن».

رئيسة وزراء الدنمارك ورئيس وزراء غرينلاند يُحيّيان النساء المتضررات ويعتذرن لهن بعد اجتماع في المركز الثقافي في نوك (أ.ب)

الهدف المعلن: تقليل عدد السكان

حسب ما جاء في التحقيق، فإن الغرض من هذه السياسة كان تقليل عدد سكان غرينلاند، التي كانت تشهد نمواً سريعاً آنذاك نتيجة تحسن الظروف المعيشية والخدمات الصحية.

ومنذ عام 1992، أصبحت السلطات الصحية في الجزيرة تحت إدارة غرينلاند المحلية.

كريستين بيرتيلسن، 66 عاماً، التي تعيش حالياً في كوبنهاغن، كانت واحدةً من اللواتي خضعن لهذه السياسة، إذ تعتقد أنها كانت في الرابعة عشرة حينها.

وقالت: «تذكرت أنني كنت أعاني من ألم لا ينتهي».

وفي سن الرابعة والثلاثين، أنجبت طفلاً، لكنها فقدت اثنين من الأحمال لاحقاً، وتعتقد أن السبب يعود إلى مضاعفات سياسات منع الحمل.

الغضب لا يزال قائماً… ولكن الاعتذار خطوة مهمة

وقالت بيرتيلسن: «بالطبع، ما زلت غاضبة من الدولة الدنماركية بسبب ما فعلته»، لكنها في الوقت نفسه ترى أن الاعتذار جاء «في الوقت المناسب».

وتابعت: «أنا مستعدة للمصالحة، لأن ذلك سيساعدني على تجاوز ما حدث… ستكون مناسبة مؤثرة جداً بالنسبة لي، وأنا واثقة أنها ستخفف من وطأة الألم».

شاركها.
Exit mobile version