تباينت وجهات نظر بائعي الكتب القديمة، واختلفت آراؤهم حول مدى ملاءمة موقع سور الأزبكية الجديد، الملاصق لسور حديقة الأزبكية التاريخية، بالقرب من ميدان العتبة، وسط القاهرة، الذي انتقلوا إليه حديثاً خلف المسرح القومي، لا سيما فيما يتعلق بطبيعة تجارتهم ونوعية زبائنهم. المكان تم تجهيزه بوحدات خشبية مزودة بحوامل للكتب تشبه أرفف المكتبات، وقد رآها البعض من تجار الكتب جذابةً ورفيعةَ المستوى، وغير مسبوقة تتناسب مع عملية التطوير التي تجري في محيط ميدان العتبة، وتحفظ آخرون ممن عاشوا انتقالات عديدة، في الحكم عليها، من بينهم أحمد شيحة صاحب «مكتبة عالم الكتب»، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إنها تحتاج لبعض الوقت لتقييمها، مشيراً إلى أن المكان مزودٌ بخريطة توضح ممراته ومواقع المكتبات فيها.
ويشبه تجمع سور الأزبكية الذي بدأ عمله منذ أيام قليلة حياً صغيراً، وقد تم تصميم أكشاكه في وحدات متشابهة من الأخشاب المضلعة لتستوحي الطراز العربي التقليدي، وتدمج الطابع التراثي للمنطقة مع متطلبات الحداثة، حيث تم بناؤها كأكشاك حضارية تتماشى مع الشكل التاريخي المحيط بها، وهي مجهزة بوسائل الحماية المدنية وتكون دليلاً على نوعية معروضاته من نوادر الموسوعات والمجلدات وعيون التراث.
وجاءت الفواصل بين الوحدات المكتبية في 7 شوارع منتظمة يتحرك بينها الرواد من طلبة الجامعات وباحثي الماجستير والدكتوراه ومحبي القراءة، وهم على ثقة أنهم سوف يجدون ضالتهم من المؤلفات التي نفدت طباعتها ولم يعد هناك منها سوى نسخ قليلة، وقد جاء موقع السور الجديد ليستوعب كل تجار الكتب بهدف القضاء على عشوائية انتشارهم في أماكن متناثرة.
وتحتاج تجارة الكتب القديمة، حسب قول محيي الإسكندراني «تاجر كتب»، لنوع من الاستقرار، فهم يرون أن للانتقال من مكان لآخر تأثيراً سلبياً، حيث يحتاجون بعض الوقت للتعود على المكان الجديد، الأمر نفسه ينطبق على زبائنهم أيضاً، ويضيف: «الأماكن تعتبر جزءاً من ذاكرة الباعة، وتاريخهم، ورغم أن الانتقالة الجديدة جاءت في ثوب مثير للإعجاب، فإن أصحابها فقدوا علاقتهم القديمة مع الأماكن التي تركوها، وزبائنهم الذين تعودوا عليهم، وهي أشياء في نظره مهمة ولا يجب التغافل عنها».
ويعد موقع سور الأزبكية من أكثر المناطق ازدحاماً في القاهرة، فهو يعلو محطة مترو أنفاق العتبة التي تربط بين الخط الثاني والثالث لمترو الانفاق، ويتوسط ميادين تجارية مكتظة. ويراهن المسؤولون على نجاح المشروع الجديد في ظل تطوير حديقة الأزبكية وسوق العتبة.
ويشير الإسكندراني إلى أنه «مرَّ بتجربة الانتقال عدة مرات، وهي أمور مجهدة على مستوى التآلف مع المكان، وتحتاج مزيداً من الوقت لإعادة التواصل مع العملاء من محبي القراءة والمثقفين، واستعادة حالة الانتعاش لتجارته من الموسوعات، وكتب اللغة الإنجليزية والأدب والتاريخ، والفلسفة والتصوف، والجغرافيا، التي ورثها عن والده ويعتبرها رسالة سامية»، وفق قوله.
يذكر خالد هشام محفوظ، صاحب «مكتبة محفوظ»، أن والده تاجر كتب قديم، وكان مكانه بجوار المسرح القومي، أما عن التجمع الجديد لسور الأزبكية «فيتميز بشكل حضاري متميز، يليق بتجارة الكتب»، لكن تصميم الشوارع ومنافذها المتعددة ربما يؤدي، وفق وجهة نظره، إلى نوع من الارتباك لدى من يرتادون المكان لأول مرة، وقد يقلل من إمكانية عثورهم على مبتغاهم من الكتب بسهولة.
ولن يؤثر انتقال باعة الكتب القديمة لمكانهم الجديد على أسعار الكتب ذات الثمن الزهيد، حسب محفوظ، لكن «ربما تزيد من أسعار كتب القانون والموسوعات والمجلدات الكبيرة التي تتكون من العديد من الأجزاء، بعضها يبدأ بمائة جنيه وقد يتجاوز سعرها 900 جنيه (الدولار يعادل نحو 48 جنيهاً)»، أما الكتب ذات الحجم الصغير، فيقول إنها «لا يجب المساس بأسعارها لأنها تمثل عتبة الدخول لميدان القراءة لدى كثير من المبتدئين خصوصاً الأطفال».
ولا تقتصر مكتبات سور الأزبكية التي يبلغ عددها أكثر من 70 مكتبة على بيع الكتب القديمة فقط، لكن هناك دور نشر تقوم بترويج مطبوعاتها الجديدة فيه مثل «دار الخلود» و«دار الحرم» اللتين تملكان فرعين لهما ضمن وحدات السور، وفق محفوظ.
وتقع مكتبات سور الأزبكية بجوار حديقة الأزبكية، وهي إحدى أعرق الحدائق بمحافظة القاهرة، وتعد المسطح الأخضر الوحيد بمخطط القاهرة الخديوية، ويجري العمل على مشروع إعادة إحيائها متنفساً ومتنزهاً لسكان القاهرة، وتتضمن أعمال التطوير استعادة القيمة المعمارية والتراثية للمباني والأماكن ذات القيمة التاريخية بالحديقة، على غرار النافورة الأثرية، والمسرح الروماني والبرجولة والكافتيريا والمطعم والأسوار.