شهد قطاع الرعاية الصحية، المدرج في السوق المالية السعودية (تداول)، نمواً استثنائياً في الأرباح خلال الأشهر الـ9 الأولى من العام الحالي. وبلغت نسبة النمو 26.48 في المائة، لترتفع الأرباح الإجمالية للقطاع إلى ما يعادل 4.68 مليار ريال (1.25 مليار دولار)، مقارنة بـ3.7 مليار ريال (987 مليون دولار) في الفترة المماثلة من العام السابق.
وقد جاءت هذه الأرباح القياسية مدفوعة بكثير من العوامل المتضافرة، حيث أسهم ازدياد الإنفاق الحكومي، وإصلاحات الخصخصة والتحول الصحي ضمن برامج «رؤية المملكة 2030»، في دعم أداء القطاع. كما أسهم نمو الإيرادات وارتفاع الأرباح في تحسُّن الأداء التشغيلي لغالبية الشركات، وزيادة الطلب على خدمات الرعاية الصحية، وتوسُّع الخدمات الرقمية والطبية الخاصة، إلى جانب تحسُّن الكفاءة الشرائية والتشغيلية للشركات.
ويضم القطاع 13 شركة، هي: «سليمان الحبيب»، و«المواساة»، و«دلة الصحية»، و«الكيميائية»، و«أيان»، و«رعاية»، و«فقيه الطبية»، و«إس إم سي للرعاية الصحية»، و«الحمادي»، و«الموسى الصحية»، و«السعودي الألماني»، و«دار المعدات»، و«المركز الكندي الطبي».
وفيما يخص أداء الشركات، استحوذت شركة «سليمان الحبيب» على نحو 37.4 في المائة من إجمالي أرباح القطاع، محققةً 1.75 مليار ريال خلال الأشهر الـ9 الأولى من العام الحالي، بنسبة نمو بلغت 2.88 في المائة مقارنة بالعام الماضي.
وجاءت شركة «المواساة» في المرتبة الثانية بأرباح بلغت 583 مليون ريال، مسجلةً نسبة نمو لافتة وصلت إلى 23.15 في المائة.
بينما حلّت «دلة الصحية» ثالثةً بصافي أرباح بلغ 421.70 مليون ريال، وبنمو 18.02 في المائة عن الفترة المماثلة من العام السابق.
وقد عزت هذه الشركات نمو أرباحها بشكل أساسي إلى ارتفاع الإيرادات، المتزامن مع التوسعات الاستراتيجية الجديدة، وتحسُّن كفاءة التشغيل، وخفض المصاريف الإدارية، إضافة إلى النجاح في إدارة وتحصيل الذمم المدينة.
أسباب النمو القوي
وفي تحليله لأسباب هذا الأداء القوي، أشار الرئيس التنفيذي لشركة «جي وورلد»، محمد حمدي عمر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن التوسُّع في افتتاح المرافق والعيادات الجديدة، وتوفير تخصصات علاجية ذات هامش ربح مرتفع، أسهما في زيادة أعداد المراجعين ورفع الطاقة الاستيعابية للمستشفيات.
وأكد أن التحسُّن التشغيلي للشركات ورفع الكفاءة، ومخصصات انخفاض الذمم المدينة لدى بعض الشركات، وتحسُّن عمليات التحصيل، وارتفاع عدد عملاء التأمين والدفع النقدي، أمور أسهمت بشكل كبير في ارتفاع الأرباح. بالإضافة إلى التركيز الاستراتيجي لكبرى شركات القطاع مثل «سليمان الحبيب»، و«المواساة»، و«دلة الصحية»، على التوسُّع الذكي، وإعادة هيكلة الخدمات، وتنوع التخصصات الطبية، والذي انعكس بشكل واضح على تنامي إيرادات وأرباح القطاع.

مستقبل مشرق
وينظر عمر لمستقبل أرباح شركات القطاع إيجاباً، معللاً ذلك باستمرار الطلب المرتفع على الخدمات الصحية؛ نتيجة النمو السكاني، وارتفاع الوعي الصحي، وتوسيع التأمين الطبي في المملكة، وبرامج التغطية المختلفة التي تقدمها شركات التأمين الصحي، مع دخول استثمارات حكومية وخاصة ضخمة في المرافق الصحية والتقنيات الطبية بفضل مبادرات «رؤية 2030»، متوقعاً نمو الاستثمارات في مجال التطبيب عن بُعد والتقنيات الطبية التي سوف تزيد من كفاءة القطاع، مضيفاً أنه على الجانب الآخر سوف يؤدي ارتفاع النمو – وإن كان بوتيرة معتدلة بعد موجة التوسعات الحالية – إلى تبعات مثل المصاريف التشغيلية التي سوف تمثل ضغوطاً على الهوامش الربحية، ولكن رفع الكفاءة وتحسين إدارة العمليات سيُبقيان القطاع في مسار صاعد.
وأشار إلى أن قطاع الرعاية الصحية أمامه فرص قوية للنمو مع وجود تحديات مرتبطة بضبط المصاريف وتفعيل التحول الرقمي في الخدمات الصحية في المستقبل، متوقعاً دخولاً قريباً للمستشفيات العالمية إلى السوق السعودية؛ مما سوف يرفع مستويات المنافسة بين الشركات المحلية والعالمية، التي سوف تنصب في النهاية لصالح متلقي الخدمة.
فترة استثنائية
من جهته قال المحلل المالي طارق العتيق، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن شركات القطاع تعيش فترةً استثنائيةً منذ انطلاق برامج «رؤية المملكة 2030»، وما تتضمَّنه من تحول كبير في القطاع الصحي وتطوير برامجه وجودة خدماته، مضيفاً أن شركات القطاع استفادت من ازدياد الإنفاق الحكومي وإصلاحات التحوّل الصحي والخصخصة واشتراطات التأمين، وكذلك زيادة الطلب على الخدمات الصحية وارتفاع أعداد الزيارات، وتوسُّع الخدمات الرقمية والطبية الخاصة، وتحسُّن الكفاءة الشرائية والتشغيلية.
وأشار إلى أن برنامج التحول الصحي، وتسارع مشروعات الخصخصة في القطاع دفعا نحو نقل عدد كبير من المستشفيات والمرافق الصحية إلى القطاع الخاص، وفتحا مجالات نمو وربحية للمشغّلين الخاصين، بالإضافة إلى زيادة الإنفاق والميزانية الصحية الحكومية؛ مما دعم سيولة سوق القطاع الصحي، عبر ارتفاع التخصيصات المالية للقطاع بشكل أكبر، وشراء خدمات صحية من القطاع الخاص من عقود، وبرامج صحية وطنية، وهو ما زاد الطلب على خدمات القطاع الخاص، وانعكس على هوامش وربحية الشركات.
ولفت إلى أن توسُّع الرقمنة، والتطبيب عن بُعد، والخدمات الرقمية، واستحداث شركات القطاع لمصادر إيراد جديدة من استثمارات، وإطلاق منصّات واستشارات طبية عن بُعد، وأنشطة صحة رقمية، كلها أمور أوجدت خطوط إيراد أقل تكلفة وهامش ربح أعلى لبعض الشركات، بالإضافة إلى أن عمليات الاستحواذ والتوسُّع الشبكي وتحسين الاستفادة من الأصول، أدّت إلى توسيع الحصة السوقية وخفض التكاليف عبر اقتصادات الحجم؛ ما رفع ربحية عدد من شركات القطاع، وانعكس على النتائج المالية للقطاع خلال عام 2025.


