نجحت محادثات جرت على مدى أسابيع وظلت تحفها الشكوك حتى اللحظات الأخيرة، في الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، مما ترتب عليه وقف الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة وسلام هش في لبنان.
وسار المبعوث الأميركي آموس هوكستين في رحلات مكوكية إلى بيروت والقدس المحتلة كي يتوصل إلى صفقة تطلبت مساعدة من فرنسا وكادت تنهار بسبب مذكرتي الاعتقال اللتين أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن السابق يوآف غالانت.
وقال مسؤولون ودبلوماسيون، إن مباراة لكرة القدم وجهودًا دبلوماسية مكثفة وضغوطًا من الولايات المتحدة ساعدت في التوصل إلى اتفاق مساء الثلاثاء، بحسب وكالة “رويترز”.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية: إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أشار في أكتوبر/ تشرين الأول إلى وجود “نافذة” للتوصل إلى اتفاق، بعد أن تحولت مساحات واسعة من جنوب لبنان إلى أرض خراب ونزوح أكثر من مليون لبناني من منازلهم، وفي ظل الضغوط التي يتعرض لها حزب الله.
“كانت فرنسا في الصورة”
وكان البعض في إسرائيل يريدون نصرًا أكثر شمولًا وإقامة منطقة عازلة غير مأهولة في لبنان، لكن إسرائيل كانت تعاني من التوتر بسبب حرب على جبهتين، وهو أمر أجبر كثيرين على ترك وظائفهم كي يقاتلوا كجنود احتياط.
وفي لبنان، كان حزب الله ما زال يقاتل لكن تحت ضغط شديد، وأصبح يتقبل وقفًا لإطلاق النار ليس مشروطًا بهدنة في غزة، ليتخلى عن مطلب اشترطه في وقت مبكر من الحرب.
وأيد حزب الله في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول ترشيح رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، حليفها منذ فترة طويلة، لقيادة المفاوضات.
ومع رحلات هوكستين المكوكية بين الدول، ولقاءاته مع المفاوضين الإسرائيليين تحت قيادة وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، مع رفع تقارير يومية إلى مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، كانت فرنسا هناك أيضًا في الصورة.
وزار وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو المنطقة في أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني بناء على طلب إسرائيل على الرغم من التوترات بين البلدين.
وقال مصدران إنه أجرى محادثات مطولة مع ديرمر حول آليات وقف إطلاق النار مع اتباع نهج تدريجي لإعادة الانتشار مع تفحص الوفدين للخرائط.
ومع تدهور الأوضاع في لبنان، ساد شعور بالإحباط من وتيرة المحادثات. وقال مسؤول لبناني: “هو قال لنا (هوكستين) إنه يحتاج 10 أيام ليجلب اتفاق وقف إطلاق نار لكن الإسرائيلي مددها لشهر حتى ينتهوا من عملياتهم العسكرية”.
وكان من المفترض أن يستند الاتفاق إلى تنفيذ أفضل لقرار مجلس الأمن الدولي 1701 الذي أنهى حرب عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله. واشتكى الجانبان من تكرار انتهاك هذا الاتفاق وأرادا تأكيدات.
شروط إسرائيلية غير مقبولة
وكانت نقطة الخلاف الرئيسية هي إصرار إسرائيل على أن يكون لها الحرية في توجيه الضربات إذا انتهك حزب الله القرار 1701. وهذا لم يكن مقبولًا من لبنان.
ووافقت إسرائيل والولايات المتحدة أخيرًا على صفقة جانبية، عبارة عن “تطمينات شفوية” وفقًا لدبلوماسي غربي، تجعل بوسع إسرائيل الرد على التهديدات.
وقال دبلوماسي أوروبي: “يحتفظ الجانبان بحقهما في الدفاع عن نفسيهما، لكننا نريد أن نفعل كل شيء لتجنب ممارستهما لهذا الحق”.
وشعرت إسرائيل بالقلق أيضًا من إمداد حزب الله بالأسلحة عبر سوريا. وقالت ثلاثة مصادر دبلوماسية إنها نقلت رسائل إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد عبر وسطاء لمنع ذلك.
وقالت المصادر الثلاثة إنها عززت الرسالة بتكثيف الضربات الجوية في سوريا التي تضمنت ضربات بالقرب من القوات الروسية في محافظة اللاذقية حيث يوجد ميناء رئيسي.
وتكثفت المحادثات مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخامس من نوفمبر ووصلت إلى نقطة تحول بعد فوز دونالد ترمب.
وقال المسؤول البارز في الإدارة الأميركية إن الوسطاء الأميركيين قدموا إفادة لفريق ترمب، وأخبروهم أن الصفقة جيدة لإسرائيل وللبنان وللأمن القومي الأميركي.
نقاش خلال مباراة كرة قدم مملة
وظهرت نقطة حساسة جديدة كان من المحتمل أن تعرض الدور الحاسم لباريس في المفاوضات للخطر حين سافر فريق كرة قدم إسرائيلي إلى فرنسا بعد أعمال عنف لمشجعين إسرائيليين في أمستردام.
لكن مع رغبة السلطات الفرنسية في تفادي المتاعب، جلس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بجانب السفير الإسرائيلي في الاستاد. وقال المصدر المطلع على الأمر: “كانت المباراة مملة جدًا لدرجة أن الاثنين أمضيا ساعة في الحديث عن كيفية تهدئة التوترات بين الحليفين والمضي قدمًا”.
وفي هذه اللحظة الحاسمة، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو ووزير الأمن الإسرائيلي السابق يوآف غالانت.
وقال ثلاثة مصادر إن نتنياهو هدد باستبعاد فرنسا من أي صفقة إذا تمسكت باريس بالتزامها بنظام روما الأساسي باعتقاله إذا ذهب إلى هناك. وكان هذا بدوره سينسف موافقة لبنان على الهدنة.
وقال المسؤول الأميركي إن الرئيس جو بايدن اتصل بماكرون الذي اتصل بدوره بنتنياهو قبل أن يتحدث بايدن وماكرون مرة أخرى. واستقر رأي الإليزيه في نهاية المطاف على بيان يقبل فيه سلطة المحكمة الجنائية الدولية لكن يتجنب التهديدات بالاعتقال.
وقال مسؤولان إسرائيليان إن المسؤولين الأميركيين كثفوا الضغوط على إسرائيل مطلع الأسبوع وحذر هوكستين من أنه إذا لم يتم الاتفاق على صفقة في غضون أيام، فسينهي الوساطة. وبحلول يوم الثلاثاء، تجمعت كل الأجزاء وفي يوم الأربعاء توقفت القنابل عن السقوط.