حرّكت ضغوط إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مسار المفاوضات غير المباشرة بين حركة «حماس» وإسرائيل، التي تستضيفها الدوحة، بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة لمدة شهرين وبدء اجتماعات حول إنهاء الحرب.
وقالت مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط» إن «تقدماً» حدث في المفاوضات بعد لقاء ترمب ونتنياهو في البيت الأبيض، فيما رأى، نتنياهو، في مقطع دعائي، بُث الأربعاء، لمقابلة أجراها مع قناة «فوكس نيوز»، أن «هناك احتمالاً كبيراً للتوصل إلى صفقة جزئية لوقف النار».
وتعوِّل «حماس» على ضغوط واشنطن على نتنياهو لإحراز الاتفاق الذي تشترط أن يكون مشمولاً بضمانة لوقف الحرب كلياً.
والتقى ترمب نتنياهو مرتين في يومين متتاليين (الاثنين، والثلاثاء) وكان اللقاء الثاني الذي استمر 90 دقيقة في البيت الأبيض، مخصصاً لملف غزة.
وقبيل اجتماع، الثلاثاء، الذي حضره أيضاً نائب الرئيس جيه دي فانس، قال ترمب إنه ونتنياهو يرغبان في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وأضاف أنه يعتقد أن حركة «حماس» ترغب في ذلك أيضاً.
وفي وقت سابق، وصل وفد قطري إلى البيت الأبيض وأجرى محادثات استمرت عدة ساعات مع كبار المسؤولين، وفق موقع «أكسيوس» الإخباري الأميركي. وتتولى قطر ومصر والولايات المتحدة الوساطة بين إسرائيل و«حماس».
تقدُّم لكن من دون حسم
ومع تأكيد المصادر من «حماس» على «إحراز تقدم في كثير من النقاط العالقة»؛ فإنها حذرت من أنها «لم تُحسم بشكل نهائي، وأن المفاوضات ما زالت مستمرة، ويبذل الوسطاء جهوداً كبيرة لمحاولة تقريب وجهات النظر».
ورفضت المصادر الكشف عن تفاصيل النقاط التي أُحرز فيها «التقدم»، مكتفيةً بتأكيد أن «الأمر مرهون بإسرائيل التي ما زالت تماطل في حسم بقية القضايا المختلَف عليها بشكل نهائي».
وشرحت المصادر أنها «تريد إبقاء التفاصيل قيد الكتمان مؤقتاً، منعاً لإفشال المفاوضات من الطرف الإسرائيلي كما فعل سابقاً في عدة مرات». وفق قولها.
وقال المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إن الإدارة الأميركية تأمل في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً بحلول نهاية الأسبوع.
أين نقاط الخلاف؟
وتتركز القضايا الإشكالية في آلية إدخال المساعدات الإنسانية، وتطبيق البروتوكول الإنساني المعتمد في اتفاق يناير (كانون الثاني) الماضي، حيث ترفض إسرائيل إدخال مساعدات من جهات بخلاف مؤسسة غزة التي تدعمها مع أميركا.
كما تتملص إسرائيل من تحديد أماكن انسحاب الجيش الإسرائيلي ومواعيد عملية الانسحاب، إلى جانب ضمانة وقف الحرب بشكل نهائي.
لكن صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، نقلت مساء الأربعاء، عن دبلوماسي عربي ومصدر مطلع، أن إسرائيل «قدمت مجموعة خرائط جديدة للوسطاء في الدوحة تُظهر انسحاباً جزئياً للجيش من قطاع غزة خلال الهدنة المقترحة الممتدة لفترة 60 يوماً». وذكر المصدران، اللذان لم تسمهما الصحيفة، أن هذه الخطوة جاءت عقب ضغوط من الولايات المتحدة للحد من الوجود الإسرائيلي في قطاع غزة.
وتقول المصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط» إن قضايا «المساعدات والانسحاب ووقف الحرب، طالب بها الوفد الفلسطيني المفاوض بالنيابة عن كل فصائل المقاومة، بإجراء تعديلات عليها، وحصل (تقدم كبير) في بعضها، لكنها تحتاج إلى وضع لمسات نهائية تُفضي إلى الانتهاء منها بشكل كامل».
وقدرت المصادر أن «الضغط الأميركي زاد للدفع إلى اتفاق، خصوصاً بعد اللقاء الأول الذي جمع ترمب ونتنياهو»، مشيرةً إلى أن «هذه الضغوط قد تُفضي إلى نتيجة أكبر».
وحسب هيئة البث الإسرائيلية العامة، فإنه «تم حل قضيتي المساعدات الإنسانية وضمانة إنهاء الحرب، فيما ما زال الخلاف قائماً بشأن إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي إلى مواقع محددة». ووفقاً للهيئة، فإن مؤسسات دولية ستتولى توزيع المساعدات في المناطق التي ينسحب منها الجيش الإسرائيلي، في حين أن ضمانة إنهاء الحرب تتعلق باستمرار وقف إطلاق النار، ما دامت المفاوضات مستمرة.
وبيَّنت أن إسرائيل تصر على بقاء قواتها في محور «موراغ» الفاصل بين خان يونس ورفح جنوبي قطاع غزة، في محاولة منها لتنفيذ مخطط حشر السكان في رفح دون الخروج منها.
ويدفع بهذا المخطط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير جيشه يسرائيل كاتس، في محاولة منهما لإقناع وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، بالاستمرار في الحكومة مقابل تنفيذ هذه الخطة التي تهدف إلى الاستمرار في مخطط تهجير سكان قطاع غزة.
لكنَّ «حماس» تصر على انسحاب القوات الإسرائيلية بشكل تدريجي من محاور قلب القطاع (نتساريم وموراغ) خلال الهدنة المؤقتة، والبقاء في المحاور الحدودية مثل فيلادلفيا (بين غزة ومصر)، على أن تنسحب منه إسرائيل أيضاً في نهاية الحرب.
إحباط وقلق في إسرائيل
وفي إسرائيل، وعلى الرغم من تصريحات نتنياهو بوجود «احتمال كبير» لإبرام صفقة جزئية؛ فإن الإسرائيليين والفلسطينيون يشعرون بأنهم يقعون ضحية لحرب أعصاب تبدد الفرحة بوقف النار، وسط تساؤلات عن سبب امتناع ترمب عن إعلان وقف النار ما دامت المفاوضات إيجابية.
وتبرز في تفاصيل المفاوضات، على نحو واضح الصراعات الحزبية الإسرائيلية المرتبطة بمحاكمة نتنياهو والخلافات في الائتلاف الحكومي حول خدمة الشبان الحريديم (المتشددين) في الجيش، وتهديدات الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، بالانسحاب من الحكومة وفشل الجهود، حتى الآن، في ضم حزب بيني غانتس إلى الحكومة بديلاً عنهما.
ونُشرت في تل أبيب، الأربعاء، تصريحات لمقربين من نتنياهو وغيره من قوى اليمين تنتقد الرئيس ترمب لأنه يتباطأ في تنفيذ خطته لترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة، منذ عودته من جولته الخليجية.
هل تراجع ترمب عن التهجير؟
وتحدثت مصادر إسرائيلية، قالت صحيفة «معاريف» إنها رسمية، بشأن «الخشية من أن يكون ترمب قد تراجع عن خطته بسبب ضغوط (عربية)». مؤكدةً أن «نتنياهو كان يؤكد هذه الخطة في واشنطن، أيضاً خلال اللقاءين مع ترمب، وأنه كان قد وضع خططاً لتنفيذها فصادق عليها رسمياً الحكومة والكابينت».
وحسبما أفادت به صحيفة «معاريف»، فإن «إسرائيل لا ترى في هذه المرحلة التزاماً عملياً من جانب واشنطن لدفع الخطة قدماً». وقالت الصحيفة إن مسؤولين في إسرائيل «يشعرون بخيبة أمل إزاء ما يعدونه تراجعاً أميركياً عن الاندفاع المتوقع لتنفيذ الخطة»، رغم أن ترمب لم يتخلّ عنها رسمياً، بل عاد وتحدث عنها بلهجة جديدة «من يريد أن يغادر سيغادر، ومن يريد أن يبقى سيبقى».
وحسب التقرير؛ «رغم التصريحات العلنية الداعمة لفكرة الهجرة، فإن الولايات المتحدة تتباطأ في الخطوات العملية المطلوبة، ولم تُظهر الالتزام الذي كانت إسرائيل تأمل أن تبديه، وتحديداً في إقناع دول باستقبال أعداد كبيرة من الفلسطينيين (الراغبين) في مغادرة قطاع غزة».
المعارضة تريد حسماً من واشنطن
وفي المعارضة الإسرائيلية انتقدوا ترمب لأنه لم يضرب بما يكفي على الطاولة أمام نتنياهو. وكتبت خبيرة الشؤون الأميركية، لورلي أزولاي، في «يديعوت أحرونوت»: «90 دقيقة في البيت الأبيض… لا تصريحات بعد اللقاء، ولا صور مشتركة، ولا حتى جدول مُعلن مسبقاً، لكن خلف الأبواب المغلقة كانت الملفات مشتعلة… الاجتماع تناول سيناريوهات (اليوم التالي) في غزة بعد الحرب، وكيف سيتم إنهاء المعركة دون السماح لـ(حماس) بالعودة؟».
وقالت أزولاي إن «ما نشهده في البيت الأبيض هو مسرح للعبث، حيث طغت البلادة السياسية واحتفالات لا مبرر لها، فيما الدماء ما زالت تُراق في غزة. القمة التي تم تسويقها على أنها (سياسية مهمة) في واشنطن وأورشليم (القدس)، لم تكن في حقيقتها سوى (حفل نصر وهمي)، فلا نصر تحقق ولا سبب يدعو للاحتفال، بينما دائرة الدم في غزة تتسع بلا نهاية».
واختتمت: «ترمب تحدث عن رغبته في إنهاء الحرب، إلا أنه لم يطرق الطاولة بقوة كافية أمام نتنياهو -على الأقل ليس بعد».