خلصت دراسة نُشرت أمس الأربعاء في مجلة “نيتشر”، إلى أنّ أشباه البشر، وهم الممثلون الأوائل للسلالة البشرية، كانوا يصنّعون أدوات عظمية قبل 1,5 مليون سنة، أي في مرحلة أبكر بكثير مما كان يُعتقد.
ومن المعروف أنّ بعض هؤلاء الأسلاف البعيدين، على سبيل المثال شبيه الإنسان الأسترالي (القرد الجنوبي)، استخدموا بقايا العظام لحفر تلال النمل الأبيض أو حفر الدرنات.
واليوم مثلًا، لا تزال قردة الشمبانزي، وهي من سلالة قريبة من البشر، تستخدم عيدان تناول الطعام للوصول إلى النمل الأبيض في موائلها.
وأنتج أشباه البشر من شرق إفريقيا قبل أكثر من مليونَي سنة في مضيق أولدوفاي في تنزانيا، وهو أحد أهم مواقع ما قبل التاريخ في العالم، أدوات حجرية.
لكن حتى اليوم، ما كان يُعرَف أي مثال على الإنتاج المنهجي لأدوات عظمية يعود تاريخها إلى ما قبل 500 ألف سنة قبل الميلاد، باستثناء بضعة أمثلة متفرقة في إفريقيا.
وكان لاكتشاف أجرته مجموعة تضم علماء من مختلف أنحاء العالم دور في تغيير هذا السيناريو، من خلال إعادة عقارب الساعة مليون سنة إلى الوراء.
“قدرات معرفية مميزة”
وحددت الدراسة، التي وقعها إغناسيو دي لا توري من المعهد الإسباني للتاريخ في مدريد، 27 أداة مصنوعة من عظام الفخذ والساق وعظم العضد لحيوانات كبيرة خصوصًا لفيلة وأفراس نهر.
وفي حديث لوكالة “فرانس برس”، يقول عالم الآثار فرانشيسكو ديريكو من جامعة بوردو، والذي أشرف على الدراسة مع أنجيليكي تيودوروبولو من المعهد الإسباني للتاريخ: “هذه المرة الأولى التي نكتشف فيها مجموعة من هذه الأدوات تعود إلى الأرض نفسها في أولدوفاي”.
ولن ترى عيون غير الخبراء سوى قطع كبيرة من العظام. لكن بالنسبة إلى عالم الأنتروبولوجيا، تشكل هذه العظام شاهدًا على قدرات معرفية مميزة، وتؤشر إلى إتقان “أنماط ذهنية” للغرض الذي رغبوا في الحصول عليه، واختيار المادة المناسبة، والإستراتيجية المستخدمة لإنجازه.
ويُظهر تحليل الأدوات أن مبتكريها فضّلوا استخدام عظام الفخذ، المأخوذة مباشرة من الجيفة في حالة فرس النهر مثلًا. ولكن أيضًا من الأفيال، رغم ندرتها في هذا المكان، مما يؤشر إلى أنه تم الحصول عليها في مكان آخر.
تغيير شكل العظم
وكانت هذه العظام تُشذّب بالحجارة، التي كانت تُستَخدم كمطارق، للحصول على أداة يتراوح طولها بين 20 و40 سنتيمترًا، ويصل وزنها إلى أكثر من كيلوغرام.
ويقول ديريكو: “لاحظنا وجود رغبة في تغيير شكل العظم، وإنتاج أدوات ثقيلة جدًا وطويلة، وحتى في بعض الحالات، إنشاء نوع من الشق في وسط العظم، ربما للتمكّن من حمله بشكل أفضل في اليد”.
ويُفترض أن هذه العظام الضخمة وذات الرؤوس المدببة، قد استُخدمت لذبح ثدييات كبيرة، في وقت كانت لا تزال فيه الأدوات الحجرية، في الثقافة المسماة أولدوفاية تيمنًا بموقع أولدوفاي، مشذبة بطريقة بدائية.
وبحسب عالم الآثار، ثمة عدد قليل جدًا من الأدوات الكبيرة المصنوعة من الحجر في موقع أولدوفاي، وهو نوع من الكوارتز لا يناسب العمليات الوحشية لذبح الفرائس الكبيرة.
وكانت الثقافة الأشولية، التي ظهرت في المرحلة نفسها، هي التي اخترعت قطع الحجارة ثنائية السطح التي أتاحت قطع لحم الطرائد وكشط جلودها.
ويقول فرانشيسكو ديريكو: “إن فرضية الدراسة هي أن هذا الحجم من العظام في أولدوفاي هو اختراع أصلي، في لحظة تحوّل نحو السطوح الثنائية”.
ويتابع أنّ “الاحتمال الآخر هو أنّ هذا التقليد استمر، لكن لم يتم تحديد هذه العظام فعليًا في مواقع أثرية أخرى”.
وبالتالي، فإن التقنية التي بدأ اعتمادها في أولدوفاي “اختفت” لمليون عام، قبل أن تعاود الظهور لاحقًا، كما الحال في منطقة روما الحالية، التي كانت تفتقر إلى الصوان ذي الحجم المناسب، فقام السكان بقطع عظام الفيل على شكل قطع ثنائية.
ويتبع استخدام العظام تطوّر السلالة البشرية. انتقل ممثلوها من نحت عظام الفخذ قبل 1,5 مليون سنة إلى نحت قطع أكثر تعقيدًا، مثل إبر الخياطة، التي “تم اختراعها في الصين وسيبيريا ولم تصل إلى أوروبا إلا اعتبارًا من 26 ألف سنة قبل الميلاد”، بحسب عالم الآثار.