قدّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التعازي لعائلة قائد مجموعة فاغنر الروسية يفغيني بريغوجين، في أول تأكيد رسمي لمقتل الأخير جراء تحطم طائرته أمس الأربعاء، في وقت قال مسؤول أميركي للجزيرة إن واشنطن تبحث فرضيات عدة وراء تحطم الطائرة.
وقال بوتين في تصريحاته المتلفزة -اليوم- إنه عرف بريغوجين منذ حقبة التسعينيات، وكان شخصا “موهوبا” وليس في روسيا فقط، وفق تعبيره.
وقال الرئيس الروسي إن قدَر بريغوجين “كان معقدا، وله أخطاء كثيرة في حياته” لكنه أضاف أنه حقق نتائج مهمة.
وأشاد بوتين بما وصفها بالمساهمة الكبيرة التي قدمتها مجموعة فاغنر في “الحرب ضد النازية في أوكرانيا” وقال إن موسكو لن تنسى ذلك أبدا.
وفي ما يتعلق بسبب تحطم الطائرة، قال الرئيس الروسي “سننتظر ما تؤول إليه التحقيقات”.
وصرح بوتين بأن بريغوجين عاد إلى البلاد من أفريقيا -أمس- وعقد اجتماعات مهمة مع المسؤولين قبل تحطم طائرته.
وكان الرئيس الروسي قد واجه، في يونيو/حزيران الماضي، أكبر تحد لحكمه المتواصل منذ أكثر من عقدين عندما قاد بريغوجين تمردا مسلحا.
وفتحت السلطات الروسية اليوم تحقيقا جنائيا في الحادثة بشأن انتهاكات مفترضة لقواعد الملاحة الجوية.
وقال مراسل الجزيرة إنه لم يتم رفع حطام طائرة بريغوجين حتى الآن، وأشار إلى أن بعض أجزائها تناثرت على بعد كيلومترين من موقع سقوطها.
وقد تحطمت الطائرة الخاصة من طراز “إمبراير ليغاسي” -أمس- قرب قرية كوجينكينو في مقاطعة تفير (شمال موسكو) أثناء تحليقها باتجاه سان بطرسبورغ، حيث يقع مقر فاغنر.
وقالت مصادر رسمية روسية -بينها هيئة الطيران المدني- إن بريغوجين مسجل في قائمة الركاب العشرة الذين كانوا على متن الطائرة، والذين لم ينج منهم أحد.
وأوضحت هيئة الطيران المدني أنه كان على متن الطائرة 7 ركاب و3 من أفراد الطاقم، مشيرة إلى أن من الركاب أيضا الرجل الثاني بمجموعة فاغنر ديمتري أوتكين.
واشنطن تبحث الفرضيات
وصرح المتحدث باسم البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) بأن واشنطن تؤكد مقتل بريغوجين جراء تحطم طائرته، لكنها لا ترجح أي فرضية بشأن الأسباب.
وذكر المتحدث الأميركي أن التقارير “غير دقيقة” بشأن تعرض طائرة بريغوجين لصاروخ أرض جو.
وقال إن فاغنر لم يعد لها دور كبير في ساحة المعركة بأوكرانيا، لكن واشنطن سترصد تداعيات مقتل بريغوجين على عمل هذه المجموعة بأفريقيا، وستراقب قواتها عن كثب، مؤكدا أن قدرات فاغنر القتالية “لا يستهان بها”.
من جهته، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارك ميلي إنه لم يتفاجأ بتحطم طائرة قائد فاغنر، ورأى أن تمرده هو ما “عرضه للخطر”.
وشدد ميلي على أن الولايات المتحدة ليس لها مطلقا أي علاقة بتحطم طائرة بريغوجين، وأشار إلى أن مقتله ستكون له تداعيات في مناطق وجود فاغنر في أنحاء العالم.
في تلك الأثناء، قال مسؤول أميركي للجزيرة إن بلاده تنظر في أكثر من فرضية بشأن تحطم طائرة بريغوجين، ولكنها لم تتوصل بعد إلى استنتاج نهائي.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين أميركيين أن الفرضية الرئيسية لتحطم طائرة بريغوجين هي وقوع انفجار داخلها.
ووفقا لهؤلاء المسؤولين فإن الانفجار قد يكون ناجما عن “تفجير قنبلة أو تزويدها بوقود مغشوش”.
ونقلت الصحيفة نفسها -عن مصدر استخباري أميركي- أنه لم يُرصد إطلاق صاروخ على الطائرة، ولا دليل على استهدافها بمضادات أرض جو.
وكذلك نقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الاستخبارات تدرس احتمال أن تكون الطائرة تحطمت بعد وقوع انفجار داخلها.
وأضافت المصادر نفسها أنه تم رصد انفجار على امتداد مسار الطائرة، لكن لا دلائل على إطلاق صاروخ.
وقال المسؤولون الأميركيون إنه ما من سبب يدعو للشك في التقارير الروسية بشأن مقتل بريغوجين.
وفي وقت سابق، نقلت وكالة رويترز عن مسؤولَين أميركيَّين أن واشنطن تعتقد أن صاروخ أرض جو، أُطلق من داخل روسيا، أسقط طائرة بريغوجين، لكنهما شددا على أن هذه المعلومات لا تزال أولية وقيد المراجعة.
عائد من أفريقيا
في غضون ذلك، قال مصدر سياسي في فاغنر للجزيرة إن المجموعة وقياداتها تعتمد حاليا على المعلومات الصادرة من الجهات الرسمية بشأن تحطم الطائرة فوق مقاطعة تفير.
وذكر المصدر أنه من المفترض أن يكون بريغوجين على متن الطائرة أثناء عودته من أفريقيا إلى سان بطرسبورغ عبر موسكو.
وحسب مصادر روسية، فإن بريغوجين عاد للتو من رحلة لأفريقيا، وكان قد ظهر قبل يوم في مقطع مصور حاملا بندقية في الصحراء.
وقال المصدر السياسي بفاغنر للجزيرة -في وقت سابق- إنه لم يتم التعرف على جثة بريغوجين، لكن عُثر على هاتفه بين الحطام.
وذكر المصدر ذاته أن بريغوجين كان يغير رحلته في بعض الأحيان، لكن الاحتمال الأكبر أنه كان على متن الطائرة التي تحطمت.
وفي رده على سؤال عن أسباب الحادث، قال هذا المصدر إن مجموعة فاغنر على تواصل مع سلطات التحقيق، وليست لديها تخمينات بشأن الأسباب.
من جهة أخرى، كتبت قناة “غراي زون” (الموالية لفاغنر) على تليغرام “رئيس مجموعة فاغنر، بطل من روسيا، وطني حقيقي لوطنه الأم، يفغيني فيكتوروفيتش بريغوجين قُتل نتيجة أفعال خونة روسيا”.
كما نقل موقع “ريدوفكا” الروسي عن مصادر أنه تأكد مقتل بريغوجين مع قادة آخرين، بينهم فيتالي تشيكالوف المسؤول الوحيد عن تنظيم تحركات رئيس فاغنر.
في السياق نفسه، قال مسؤول بالإدارة الموالية لروسيا في مقاطعة زاباروجيا الأوكرانية إن أحد قادة فاغنر تعرف على جثتي بريغوجين ونائبه أوتكين.
وفي سان بطرسبورغ (غرب) ونوفوسيبيرسك (جنوب) وضع مواطنون روس الورود إلى جانب صور بريغوجين وأوتكين أمام مقرين لمجموعة فاغنر بالمدينتين.
ردود فعل غربية
وفي ردود الفعل الغربية، قال المتحدث باسم الحكومة الفرنسية أوليفييه فيران -اليوم- إن بلاده تبدي “شكوكا منطقية” حول ظروف تحطم طائرة رئيس مجموعة فاغنز.
وسخرت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا من اختفاء بريغوجين، قائلة “معدل الوفيات في أوساط المقربين من بوتين مرتفع بشكل لافت.. إنه أمر محفوف بالمخاطر”.
وفي العاصمة برلين، توقعت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك أن تواصل روسيا سلوكها في أوكرانيا وأفريقيا مع وجود فاغنر أو من دونها.
وفي العاصمة الأوكرانية، نفى الرئيس فولوديمير زيلينسكي أي علاقة لبلاده بمصرع بريغوجين “المزعوم”. وقال “أعتقد أن الجميع يعرف من المسؤول عن ذلك”.
وفي تصريحات أخرى، ذكر الرئيس الأوكراني أن مقتل قائد فاغنر “قد يكون قضاء وقدرا، لكن يجب ألا ننسى أن بوتين موجود في روسيا”.
وأضاف زيلينسكي “أخطر شيء بعد مقتل بريغوجين هو وجود 20 ألفا من مقاتلي فاغنر خارج السيطرة، وقد يشكلون خطرا على أوكرانيا أو بيلاروسيا أو بولندا أو حتى على روسيا”.
وكانت الرئاسة الأوكرانية قالت -مساء أمس- إن تحطم الطائرة في روسيا رسالة من بوتين للنخب الروسية. ورأى المستشار بالرئاسة ميخايلو بودولياك أن رئيس فاغنر “وقّع قرار إعدامه حين صدّق وعد بوتين وضمانات لوكاشينكو”.
وكان بودولياك يشير إلى الاتفاق -الذي توسط فيه رئيس بيلاروسيا- وتضمن وعدا من الكرملين بعدم ملاحقة رئيس فاغنر مقابل وقف زحف قواته باتجاه موسكو.
خليفة بريغوجين المحتمل
وفي تلك الأثناء، أثيرت تكهنات بشأن الشخصية التي قد تخلف بريغوجين في قيادة فاغنر، إذ نقلت وسائل إعلام غربية عن مصادر روسية أحاديث عمن سمته رجل بوتين الجديد.
وحسب صحيفة كوميرسانت الروسية، فإن بوتين كان قد اقترح أندريه تروشيف قائدا جديدا لفاغنر، خلال اجتماع مع قادة المجموعة بعد أيام من انتهاء تمرد بريغوجين في يونيو/حزيران الماضي.
وتروشيف عقيد روسي متقاعد، وهو عضو مؤسس ومدير تنفيذي في مجموعة فاغنر.
وحسب وثائق العقوبات التي نشرها الاتحاد الأوروبي بشأن الوضع في سوريا، فإن تروشيف يشغل منصب رئيس أركان عمليات مجموعة فاغنر في سوريا.
ويعد تروشيف من قدامى المحاربين في حربي الشيشان وأفغانستان، وقد حصل على أوسمة لقاء مشاركته في هاتين الحربين.