لماذا يُعد نجاح سندرلاند مهماً للدوري الإنجليزي الممتاز؟
خلال الموسمين الماضيين، هبطت جميع الفرق الثلاثة الصاعدة إلى الدوري الإنجليزي الممتاز، وهو ما أثبت الفجوة الكبيرة بين الدوري الممتاز ودوري الدرجة الأولى مالياً وانعكس ذلك على النتائج فنياً.
الفرق التي نجحت في الاستمرار بالدوري الممتاز استفادت من العائدات المتراكمة لحقوق البث التلفزيوني الضخمة، وهو الأمر الذي جعلها تتحرك لضم لاعبين أكفاء بأسعار كبيرة في سوق الانتقالات، على عكس الفرق الصاعدة التي كانت تجاهد لترك بصمة واضحة في المسابقة.
في الموسم الماضي، حصدت أندية ليستر سيتي وإيبسويتش تاون وساوثهامبتون معاً 59 نقطة فقط لذا كان الهبوط هو مصيرها الحتمي. وخلال الموسم الحالي وبعد مرور 9 جولات فقط، أي أقل من 25 في المائة من المباريات، حصدت الفرق الثلاثة الصاعدة سندرلاند وليدز وبيرنلي مجتمعة 38 نقطة، ولا يوجد أي منها في منطقة الهبوط، وهو مؤشر جيد لتغيير واقع شهدته المسابقة في السنوات الأخيرة. واللافت ليس فقط في نتائج الثلاثي الصاعد، بل الطفرة الواضحة التي يقدمها سندرلاند، الذي حصد 17 نقطة ويحتل المركز الرابع في جدول الترتيب.
ربما يكون سندرلاند قد استفاد من جدول المباريات السهل في بداية الموسم؛ حيث لم يواجه سوى فريق واحد فقط حتى الآن من النصف الأول من جدول الترتيب. بدأ سندرلاند الموسم باللعب على أرضه أمام وست هام، ثم واجه نوتنغهام فورست عندما كان يعاني الأخير من تراجع غريب في المستوى تحت قيادة المدير الفني الأسترالي أنجي بوستيكوغلو، ثم أستون فيلا عندما كان لا يزال يعاني من حالة من الركود في بداية الموسم. كما فاز سندرلاند على كل من برنتفورد وولفرهامبتون على ملعبه.
وخلقت الهزيمة أمام مانشستر يونايتد قبل فترة التوقف الدولي شعوراً بأن سندرلاند قد يواجه صعوبات أمام منافسين أقوى، ولهذا السبب كانت مباراة السبت أمام تشيلسي مهمة للغاية لاختبار قدراته في تحدي أندية النخبة. ومع تأخر سندرلاند في النتيجة بهدف دون رد بعد مرور 4 دقائق فقط، لم تكن المؤشرات مبشرة، لكنه قاتل بكل قوة وعادل النتيجة في منتصف الشوط الأول، قبل أن يحرز هدف الفوز في الوقت المحتسب بدلاً من الضائع من هجمة مرتدة سريعة، مؤكداً أنه سيكون رقماً صعباً هذا الموسم.
وأمام أستون فيلا عندما طُرد الظهير الأيسر رينيلدو، وأمام مانشستر يونايتد عندما تأخر بهدفين دون رد، لجأ سندرلاند إلى الاعتماد على ثلاثة لاعبين في خط الدفاع. وأمام تشيلسي على ملعب «ستامفورد بريدج»، بدأ المدير الفني الفرنسي ريجيس لو بري المباراة بخطة 5 – 4 – 1، على الرغم من إصابة قلب الدفاع عمر ألديريتي، الذي ربما كان أهم صفقة أبرمها النادي، فهو قلب دفاع قوي وبارع في التعامل مع الكرة. كان هذا يعني الاعتماد على دان بالارد في خط الوسط، في ظل وجود نوردي موكيلي على يمينه (انتقل إلى سندرلاند من باريس سان جيرمان مقابل 9.5 مليون جنيه إسترليني فقط)، بالإضافة إلى 2.5 مليون جنيه إسترليني كإضافات محتملة، واللاعب المعار لوشاريل غيرترويدا على يساره. كان غيرترويدا يلعب كظهير مع فريق فينورد عندما فاز بلقب الدوري الهولندي الممتاز تحت قيادة المدير الفني أرني سلوت، لكنه يلعب مع سندرلاند في خط الوسط.
وعلاوة على ذلك، فإن وجود اثنين من اللاعبين القادرين على التعامل مع الكرة بأريحية كبيرة ضمن خط الدفاع الثلاثي يسمح لهما بالتقدم للأمام وتشكيل زيادة عددية في خط الوسط عند الضرورة. كان سندرلاند يلعب بطريقة 5 – 4 – 1، مع تضييق المساحات، لذا وجد تشيلسي صعوبة كبيرة في اختراق خطوط الفريق. لم يكن سندرلاند يلعب بطريقة دفاعية سلبية، لكنه كان يضغط بكل قوة وشراسة بقيادة نوح صادقي، الذي يشبهه البعض بالنجم الفرنسي نغولو كانتي. وبرز لاعب خط الوسط المخضرم غرانيت تشاكا كقائد حقيقي يمتلك قدراً كبيراً من الجودة والحسم، كما يضفي قدراً كبيراً من الخبرة إلى هذا الفريق الشاب.

لقد استفاد سندرلاند، بوضوح، من إنفاق 160 مليون جنيه إسترليني (213 مليون دولار) لإبرام 13 صفقة دائمة خلال فترة الانتقالات الصيفية الأخيرة، على الرغم من أنه جمع أيضاً 45 مليون جنيه إسترليني (60 مليون دولار) من بيع بعض اللاعبين، وأبرزهم جوبي بيلينغهام إلى بوروسيا دورتموند. من الواضح للجميع أن سندرلاند كان ينفق الأموال بحكمة شديدة، مستفيداً من درس ساوثهامبتون الهابط من الممتاز للدرجة الأولى متأثراً بتراجع مستوى لاعبيه بدنياً وفنياً. عمل سندرلاند على دراسة هذه المشكلة المحتملة، وتعاقد مع لاعبين أقوياء للغاية من الناحية البدنية تحسباً للنصف الثاني من الموسم الذي سيتطلب منافسة أشرس.
لكن هذا لا يعني أن سندرلاند فريق يعتمد على القوة البدنية فقط، فهو يركز على الدفاع الصلب وامتصاص الضغط ثم اللعب على الهجمات المرتدة السريعة. هناك خطة واضحة، وهذا يدل على نجاح عملية التعاقدات مع اللاعبين الجدد والفلسفة التدريبية التي يعتمد عليها المدرب لو بري.
من المستبعد جداً أن يبقى سندرلاند في المركز الرابع، خاصة أن جدول مبارياته في النصف الثاني من الموسم سيكون أصعب بكثير من النصف الأول، وربما يخسر جهود 7 لاعبين نتيجة مشاركتهم مع منتخبات بلادهم في كأس الأمم الأفريقية، لكن من الناحية الواقعية، لا يحتاج الفريق إلا للفوز في 6 مباريات فقط لضمان البقاء في منطقة الأمان، وهذا هو الهدف الأول والرئيسي للنادي بعد الصعود عبر ملحق على حساب شيفيلد يونايتد في مايو (أيار) الماضي. وقد أكد المدرب لو بري أن هدف سندرلاند الأول هذا الموسم هو تجنب العودة إلى الدرجة الأولى، وقال الفرنسي: «هدفنا لا يزال كما هو، نريد تحقيق هدفنا المتمثل في حصد 40 نقطة في أقرب وقت ممكن. من المهم أن نبدأ بداية جيدة، فهذا يمنحنا الثقة».
ما يقدمه سندرلاند يعد نجاحاً كبيراً للنادي وكرة القدم الإنجليزية، بعد موسمين لم تُحقق فيهما الفرق الصاعدة سوى القليل من النجاح بالدوري الممتاز.

