تشكل الزلازل تهديداً مستمراً لحياة الملايين حول العالم. ورغم معرفة العلماء المسبقة بالمناطق المعرضة لهذا الخطر، فإن هذه الكوارث الطبيعية تواصل تهديد المجتمعات، متسببة في خسائر بشرية ومادية واسعة النطاق، خصوصاً في الدول التي تفتقر إلى بنية تحتية متطورة لرصد الهزات الأرضية أو إصدار إنذارات مبكرة.
إنذار هاتفي مبكر
ورغم توفر تقنيات متقدمة في بعض الدول، فإن غالبية المناطق المعرضة للخطر تظل دون حماية فعّالة من آثار الزلازل المفاجئة. وبما أن إنشاء شبكات رصد دائمة يُعد مكلفاً ومعقداً، خصوصاً في الدول منخفضة الموارد، باتت هناك حاجة ملحّة إلى حلول بديلة توفر إنذارات مبكرة لحماية السكان.
في سياق ذلك، طور فريق بحثي أميركي، بالتعاون مع شركة «غوغل»، نظاماً عالمياً يعتمد على الهواتف الذكية التي تعمل بنظام «أندرويد» لرصد الزلازل وإصدار إنذارات مبكرة، يمكنه اكتشاف النشاط الزلزالي في الوقت الفعلي، وتوجيه تنبيهات منقذة للأرواح بكفاءة تضاهي الأنظمة التقليدية المعتمدة على الشبكات الزلزالية الثابتة.
وحسب الباحثين، يستفيد نظام «AEA» من المستشعرات المدمجة في هواتف «أندرويد» لرصد الاهتزازات الأرضية وتحليلها وإصدار تحذيرات فورية قبل بدء الاهتزازات الخطرة. ويعمل النظام تلقائياً ضمن إعدادات هواتف «أندرويد»، التي تمثل نحو 70 في المائة من الهواتف الذكية على مستوى العالم، وفق ما نُشر في عدد 17 يوليو (تموز) 2025 من دورية «الجمعية الأميركية لتقدم العلوم». وخلال الفترة بين عامي 2021 و2024، رصد النظام نحو 312 زلزالاً شهرياً حول العالم، تطابق 85 في المائة منها مع كتالوجات الزلازل التقليدية، ما يؤكد موثوقية النظام.
وتراوحت شدة الزلازل التي تم رصدها بين 1.9 و7.8 درجة على مقياس ريختر، بما في ذلك زلازل كبيرة في تركيا واليابان. أما بالنسبة للزلازل التي بلغت قوتها 4.5 درجة فأكثر، فقد أطلق النظام نحو 60 تنبيهاً شهرياً في 98 دولة، استفاد منها نحو 18 مليون مستخدم شهرياً. وأظهرت استبيانات شملت أكثر من مليون مستخدم أن 85 في المائة ممن تلقوا التنبيه شعروا بالاهتزاز فعلياً، حيث تلقى 36 في المائة منهم التنبيه قبل بدء الاهتزاز، و28 في المائة في أثناء الاهتزاز، و23 في المائة بعد بدئه.
نظام داعم
ويقول الباحث الرئيسي للدراسة، الدكتور ريتشارد ألين، مدير مختبر بيركلي لعلوم الزلازل في جامعة كاليفورنيا، والباحث الزائر في «غوغل»، إن نظام تنبيهات الزلازل عبر «أندرويد» هو نظام داعم يهدف لتعزيز السلامة العامة، وليس بديلاً عن أنظمة الكشف أو التنبيه الرسمية المعتمدة للزلازل.
وأوضح في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن هذا النظام يسهم في دعم بنية رصد الزلازل من خلال الاستفادة من الهواتف الذكية العاملة بنظام «أندرويد» كشبكة رصد زلازل موزعة. ففي كثير من المناطق المعرضة للزلازل، لا تتوفر شبكات الرصد الإقليمية اللازمة لتشغيل أنظمة الإنذار المبكر التقليدية، وهنا تلعب هواتف «أندرويد» دوراً في توفير شبكة واسعة لرصد النشاط الزلزالي، وتنبيه الناس المعرضين للخطر. وأشار إلى أن النظام يعتمد على المستشعرات الموجودة في مليارات الهواتف التي تعمل بـ«أندرويد»، حيث تستطيع هذه المستشعرات استشعار الاهتزازات والإشارة إلى احتمال حدوث زلزال.
وتعمل هذه الأجهزة معاً كأنها أجهزة قياس زلازل صغيرة، لتشكّل أكبر شبكة رصد زلازل في العالم. وعند اكتشاف حدوث زلزال، يقوم النظام بإرسال تنبيهات للأشخاص المعرضين للخطر، بهدف حمايتهم باستخدام أحدث التقنيات.
ونوّه بأن انتشار هواتف «أندرويد» أسهم في رفع عدد الأشخاص الذين يمكنهم تلقي تنبيهات مبكرة من نحو 250 مليون شخص في 2019 لنحو 2.5 مليار شخص حالياً.
وأضاف: «نسعى إلى إيصال هذه التنبيهات المفيدة إلى المزيد من الناس حول العالم. ومن خلال قدراتنا العالمية على الرصد، نتعلم باستمرار من كل زلزال لتحسين خوارزمياتنا، وتقديم تنبيهات أدق وأفضل».
تعزيز السلامة
من جهته، قال مارك ستوغيتيس، مهندس البرمجيات الرئيسي في «أندرويد»: «رغم أن النظام ليس بديلاً عن الأنظمة الوطنية الرسمية للإنذار المبكر، فإن فاعليته تقترب من فاعلية أنظمة الإنذار المبكر الوطنية المعتمدة، إذ أصدر النظام بين عامي 2020 و2024 تنبيهات لـ 1279 زلزالاً تم رصدها بالفعل عبر شبكات الزلازل الوطنية».
وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن ما يميز هذا النظام عن الأنظمة التقليدية هو مدى انتشاره الواسع بفضل توفر هواتف «أندرويد»؛ ما يجعله وسيلة فريدة للوصول لعدد أكبر من المستخدمين حول العالم.
ونوّه ستوغيتيس بأن تطوير نظام عالمي للإنذار المبكر بالزلازل يعتمد على الهواتف الذكية، يُعد أمراً بالغ الأهمية لتعزيز السلامة العامة وجهود الحد من المخاطر في مختلف أنحاء العالم؛ فهو يعزز بشكل كبير كفاءة البنية التحتية القائمة لرصد الزلازل، ويوسّع نطاق الوصول لتنبيهات منقذة للحياة، خصوصاً في المناطق التي لا تتوفر فيها قدرات إنذار مبكر تقليدية للزلازل.