أصبح الجلوس من دون حركة لفترات طويلة أمرًا شائعًا بشكل متزايد، خصوصًا مع زيادة عدد الأشخاص الذين يعملون من المنزل.
ويقضي موظف المكتب العادي حوالي 10 ساعات يوميًا جالسًا، سواءً أمام جهاز كمبيوتر لمتابعة رسائل البريد الإلكتروني، أو إجراء المكالمات، أو كتابة التقارير، وحتى أثناء الغداء. ثمّ بعد العمل، يقضي وقتًا أطول أمام التلفزيون أو تصفّح الإنترنت.
وهذه العادات تؤثر سلبًا على الصحة العقلية والجسدية للشخص.
وكشفت دراسات عدة أنّ الأشخاص الذين يقضون أغلب وقت عملهم وهم جالسون، مُعرّضون لخطر متزايد للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وحتى الوفاة.
ووفقًا للباحثين، فإنّ الجلوس لفترات طويلة يُمكن أن يُساهم في آلام أسفل الظهر والرقبة، مع تغيّرات في محاذاة العمود الفقري، وأمراض مثل ارتفاع ضغط الدم والكوليسترول.
ولمُكافحة هذه الآثار السلبية، ينصح الخبراء بأخذ فترات راحة منتظمة، وممارسة النشاط البدني، وتحسين مساحة العمل لتقليل الضغط على الجسم.
ووجدت دراسة كبيرة نُشرت في مجلة “جاما” (JAMA Network Open)، أنّ الذين يعملون وهم جالسون يرتفع لديهم خطر الوفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 34%، وخطر الوفاة لأسباب أخرى بنسبة 16%.
ولحسن الحظ، تُظهر الأبحاث أنّ إضافة المزيد من الحركة إلى يومك يُمكن أن يُساعد في التخفيف من هذه المشاكل، وتخفيف خطر قصر العمر.
وتؤكد هذه النتائج “الحاجة إلى تقليل الجلوس لفترات طويلة في مكان العمل وزيادة النشاط البدني اليومي”، وفقًا لما قاله الدكتور واين جاو، المؤلف الأول للدراسة وأستاذ في كلية الصحة العامة بجامعة تايبيه الطبية في تايوان، لصحيفة “هيلث”.
ماذا يحدث للجسم عند الجلوس لفترة طويلة؟
إن قضاء ساعات طويلة من يومك جالسًا، يمكن أن يكون له مجموعة من التأثيرات على جسمك.
من ناحية أخرى، أوضحت المدربة الشخصية أنيل بلا أنّ “السمنة ارتبطت بمتلازمة التمثيل الغذائي، وهي مجموعة من الحالات بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع نسبة السكر في الدم، وزيادة الدهون في الجسم، ومستويات الكوليسترول غير الطبيعية، وكلها تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية ومرض السكري من النوع الثاني”.
كما ارتبط الجلوس لفترات طويلة بأمراض مزمنة أخرى، بما في ذلك السمنة وخطر الإصابة بالخرف. وأوضح الطبيب تشنغ هان تشين لمجلة “هيلث”، أنّه عند الجلوس “لا تتحرّك أكبر عضلات الجسم، وبالتالي يكون حرق السعرات الحرارية أقلّ كفاءة”.
وأضاف تشين أنّه “إذا لم تكن عضلاتك نشطة، فلن تتمكن من استقلاب الغلوكوز في الجسم، وبالتالي يُصاب جسمك بخلل في تنظيم سكر الدم. وعندها يُصبح جسمك غير قادر على أداء وظائفه بشكل طبيعي”.
بدوره، اعتبر بلا أنّ الأشخاص الذين يجلسون لفترات أطول لا يُحرّكون عضلاتهم بالقدر نفسه، ما يزيد من خطر فقدان العضلات وضعف تدفّق الدم. وفقدان للعضلات يُعرّض الشخص لخطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم.
وقال جيريمي سميث جراح العمود الفقري في معهد هوغ لتقويم العظام لصحيفة “هيلث”، إنّ الألم ومشاكل العمود الفقري تُشكّل أيضًا مصدر قلق.
وأوضح سميث: “الجلوس لساعات طويلة خلال اليوم من دون راحة يُسهم في آلام الظهر والرقبة المزمنة، واختلال محاذاة العمود الفقري، والتغيرات التنكّسية، أو مشاكل في أقراص العمود الفقري”، بينما قال بلا: “أجسادنا ليست مُصمّمة للجلوس طوال اليوم. نحن مُصمّمون للوقوف باستقامة والحركة”.
كيف يُمكن تقليل مخاطر الجلوس لفترات طويلة؟
نظراً للآثار الصحية السلبية لنمط الحياة الخامل، ينصح الخبراء بتجنّب الجلوس لفترات طويلة يوميًا. إلا أنّ جداول العمل غالبًا ما تجعل ذلك مهمة صعبة.
لكنّ الخبراء يقولون إنّ هناك أشياء لا يزال بإمكان الناس القيام بها للتخفيف من المخاطر الصحية المرتبطة بالجلوس لفترات طويلة.
وفي هذا الإطار، يوصي الخبراء أصحاب العمل بدمج فترات راحة أكثر تكرارًا في روتين موظفيهم، وإتاحة الوصول إلى مكاتب للوقوف، وإنشاء مساحات عمل محدّدة للنشاط البدني، وتوفير مزايا عضوية للصالات الرياضية.
وبينما قد يستغرق تطبيق هذه التغييرات المنهجية في ثقافة مكان العمل وقتًا، ينصح الخبراء في الوقت الحالي، كل فرد بتجربة التغييرات الآتية إذا كان يقضي وقتًا طويلًا من الجلوس في العمل:
- أخذ فترات راحة منتظمة: وجد الباحثون أنّ المشي لمدة 5 دقائق كل 30 دقيقة، يُعوّض الآثار الصحية السلبية للجلوس؛
- استخدام معدات مكتبية معينة: قد تكون المعدات المكتبية التي تتيح دمج المزيد من الحركة في حياتك اليومية مفيدة، على غرار مكتب الوقوف، أو كرسي مريح، أو جهاز مشي مكتبي؛
- تعديل مساحة العمل: ضبط الكراسي والمكاتب وأي شاشات أو شاشات أخرى بحيث تكون على الارتفاع المناسب لتعزيز وضعية الجسم ومنع الانحناء؛
- ممارسة نشاط بدني منتظم. احرص على تضمين النشاط البدني المنتظم في روتينك اليومي، مثل المشي والجري ورفع الأثقال والرقص وركوب الدراجات وغيرها من الأنشطة. مارس 150 دقيقة على الأقل من النشاط البدني متوسط الشدة أسبوعيًا؛
- التمدّد وممارسة بعض التمارين على المكتب: هناك العديد من التمارين وحركات التمدّد التي يُمكنك القيام بها أثناء الجلوس أو بالقرب من مكتبك، مثل تمدّد الرقبة، ولفّ الكتفين، وتمرين التمدّد على شكل رقم 4.
ويُمكن ممارسة تمارين القرفصاء، أو الاندفاعات أثناء الوقوف، أو الضغط على الحائط لتقوية العضلات. - دمج النشاط البدني في روتينك اليومي: استخدم الدرج بدلًا من المصعد، أو إمشِ أو اركب الدراجة للذهاب إلى العمل إن أمكن، أو تمشَّ خلال استراحة الغداء. فتغييرات صغيرة كهذه تُحدث فرقًا كبيرًا.