تدفقات الهجرة تعيد التنسيق الأمني بين الجزائر ومدريد بعد جمود في العلاقات

يبحث وزير الداخلية الإسباني، فرناندو غراندي مارلاسكا، في الجزائر، منذ الأحد، مشكلة التدفقات الكبيرة للمهاجرين غير النظاميين، المنطلقين من المدن الساحلية الجزائرية نحو السواحل الإسبانية، التي شهدت تصاعداً كبيراً خلال العامين الأخيرين.

وقال وزير الداخلية الجزائري، سعيد سعيود، في بداية اجتماعه بنظيره الإسباني، إن بلاده نفسها تواجه موجات هجرة سرّية، مؤكداً أنها «تعتمد في هذا الشأن مقاربة شاملة تراعي الأبعاد الأمنية والإنسانية». وكان يشير إلى هجرة آلاف الأشخاص من دول جنوب الصحراء إلى الجزائر، وتنظيم حملات رحلات لهم في الاتجاه المعاكس.

مهاجرون في عرض البحر الأبيض المتوسط بعد إنقاذهم من طرف خفر السواحل الإسباني (أ.ف.ب)

ولفت سعيود إلى أن قوات الأمن الجزائرية «أحبطت بين عامي 2024 و2025 أكثر من 100 ألف محاولة هجرة إلى إسبانيا، وأعادت من يزيدون على 82 ألف مهاجر سري إلى بلدانهم في ظروف تحفظ كرامتهم». مشيراً إلى «تفكيك شبكات إجرامية عابرة للحدود وتعزيز التعاون مع المنظمة الدولية للهجرة لتسهيل العودة الطوعية».

وأشاد سعيود بـ«التعاون الثنائي» بين البلدين في المجالات الأمنية، ووصف تبادل المعلومات بشأن أزمة الهجرة غير النظامية، وتفعيل آليات مكافحة الجريمة المنظمة في حوض المتوسط، بأنهما «ركيزة أساسية» لهذا التعاون.

وزير الداخلية الجزائري (الوزارة)

وأكد أن «العلاقات الأمنية بين البلدين شهدت تطوراً ملحوظاً بفضل انتظام الزيارات، وتكثيف تبادل الخبرات»، مشيراً إلى مشاركة الجزائر في مؤتمر دولي نظمته الشرطة الوطنية الإسبانية بمدريد في نهاية 2024، تناول التصدي لشبكات الإجرام والمخدرات، وارتباطاتها بالهجرة غير الشرعية، وفق ما نشرته وزارة الداخلية في حسابها بالإعلام الاجتماعي.

مركز استخباري مشترك

كما أشار سعيود إلى اجتماع أمني مشترك رفيع في أغسطس (آب) 2025، خصص لمكافحة الهجرة غير النظامية والجريمة المنظمة. وقد أفضى إلى إعداد برنامج للتدريب يغطي فترة 2025 – 2026، و«يهدف إلى تطوير قدرات الوحدات الخاصة بمكافحة الهجرة، وتعزيز آليات التصدي لها».

وتناول الوزير الجزائري في كلمته أيضاً اجتماع «اللجنة المشتركة للتعاون الأمني» خلال الشهير الحالي، الذي أسفر عن «اعتماد تدابير فنية وعملياتية تشمل تبادل الخبرات في ميدان الكشف عن الوثائق المزورة، وإنشاء مركز استخباراتي مختص، وتبادل البيانات البيومترية والجينية، وتسريع معالجة طلبات الإنابة القضائية لاسترجاع الأموال غير المشروعة»، في إشارة إلى مسعى الجزائر استعادة ودائع محل شبهة فساد، يعتقد أن وجهاء من النظام وضعوها في بنوك إسبانية، وعقارات تعود إليهم توجد في البلد المتوسطي الجار.

وزير داخلية إسبانيا خلال متابعته كلمة نظيره الجزائري (الداخلية الجزائرية)

وبمناسبة الاجتماع الوزاري، فقد أثار سعيود مع الصحافة المحلية «قضية هروب القاصرين السبعة إلى جزر البليار الإسبانية» مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي، التي أثارت جدلاً سياسياً ومجتمعياً كبيراً في الجزائر، حيث أكد أن «الجهود متواصلة لإعادتهم»، موضحاً أن «كل ما طلبته السلطات القضائية الإسبانية من معلومات أو ملفات (بخصوص هذه القضية) جرى تقديمه، وفي المستقبل القريب ستكون هناك استجابة إيجابية لطلب الجزائر بشأن إعادة الأطفال».

وبشأن تصاعد موجات الهجرة إلى إسبانيا، أورد تقرير حديث نشره موقع «الهجرة إنفو» المختص أن المهاجرين الجزائريين شكّلوا أكثر من 90 في المائة من مجموع المهاجرين الذين توجهوا إلى إسبانيا عبر القوارب، وذلك في النصف الأول من سنة 2025. كما أشار إلى أن عدد الجزائريين الذين وصلوا إلى إسبانيا حتى يوليو (تموز) من السنة نفسها بلغ 4099، أغلبهم عبر جزر البليار.

من جهته، صرّح وزير الداخلية الإسباني، وفق ما نشرته وزارة الداخلية الجزائرية بأن البلدين «يواجهان اليوم تحدياً مشتركاً يتمثل في ضغط الهجرة عبر طرق البحر الأبيض المتوسط. وإسبانيا تواجه ضغطاً كبيراً من تدفقات الهجرة غير النظامية عبر دول العبور، وهو ما تشهده الجزائر أيضاً، حيث تبذل الدولة جهوداً كبيرة لمواجهة هذه الظاهرة بكل الوسائل الممكنة».

مهاجرون مرحّلون من الجزائر في قرية حدودية بالنيجر (موقع مهاجرون)

ومعروف أن كل أشكال التعاون الأمني بين الجارتين المتوسطيتين توقفت بتجميد العلاقات الدبلوماسية في مارس (آذار) 2022، إثر إعلان مدريد انحيازها إلى المغرب في نزاع الصحراء. وسحبت الجزائر سفيرها وعلقت «معاهدة الصداقة والتعاون» وجمّدت التجارة، واشترطت لتطبيع العلاقات من جديد، عودة مدريد إلى حيادها في ملف الصحراء. لكن هذا الشرط لم يتحقق، ورغم ذلك؛ فإن العلاقات عادت تدريجياً إلى ما كانت عليه بتعيين الجزائر سفيراً جديداً لها في مدريد خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.

وقالت مصادر جزائرية تابعت زيارة غراندي مارلاسكا، إنه لم يَجرِ تناول ملف الصحراء في المحادثات.

سفير الجزائر لدى تسليم أوراق اعتماده لملك إسبانيا في نوفمبر 2024 (الحكومة الإسبانية)

ووفقاً لوسائل الإعلام الحكومية الجزائرية، فإن «زيارة مارلاسكا تمهد لترسيخ إطار جديد من الثقة والتنسيق الفني بعد إعادة تفعيل آليات اللجنة الأمنية المشتركة، التي كانت معلقة منذ عام 2022»، مؤكدة أن الجزائر وإسبانيا «اتفقتا مبدئياً منذ أشهر على تعزيز تدريب أجهزة الأمن، وتكثيف مكافحة الاتجار بالبشر، والجريمة المنظمة، ودفع مشروعات مشتركة لتحديث أنظمة مراقبة الحدود».

كما لفتت إلى أن الزيارة «تحمل دلالة جيوسياسية بعيداً من الطابع البروتوكولي، فإسبانيا بحاجة (وفق الجزائر) إلى إعادة فتح قنوات مستقرة معها، سواء في ما يخص إدارة الهجرة، واعتمادها على الطاقة».

شاركها.
Exit mobile version