هل يخاطر بيلينغهام بمسيرته الدولية برفضه طريقة توخيل الجماعية؟

وقف توماس توخيل ذات مرة على خط التماس في ملعب آنفيلد، يشاهد بدهشة لاعبي باريس سان جيرمان المُفرطين في الأنانية وهم يرفضون بذل الجهد المطلوب ضد ليفربول بقيادة يورغن كلوب.

وتساءل توخيل: «يا رفاق، ما هذا؟»، لكن لم يكن هناك أي رد فعل من اللاعبين الذين كانوا يتمتعون بسلطة مفرطة ولا يحترمون المبادئ الأساسية للعمل الجماعي. وكان هؤلاء اللاعبون يلعبون وكأن الضغط العالي والتراجع للخلف للقيام بواجباتهم الدفاعية لا يعنيهم على الإطلاق!

أراد الكثير من هؤلاء اللاعبين القيام بأشياء فردية، وهو الأمر الذي أدى إلى إقالة توخيل في نهاية المطاف. ومن الواضح أن المدير الفني الألماني يُريد فريقاً يلعب بهوية واضحة وبقدر كبير من التضحية والجهد والطاقة.

ومع ذلك، رأى توخيل في باريس سان جيرمان كيف يُمكن للفردية أن تُدمر غرفة خلع الملابس. فكيف كان يُمكن لتوخيل أن يترك بصمته مع الفريق بينما كان لديه لاعبون يتذمرون إذا نظر أحدهم إلى الآخر بطريقة لا تروق له؟

يأخذنا هذا للحديث عن المنتخب الإنجليزي، والشهرة وقوة اللعب الجماعي. ومن المفارقة أن ستيفن جيرارد كان قد حلل خلال هذا الأسبوع وبكل براعة كيف فشل «الخاسرون الأنانيون» من الجيل الذهبي للمنتخب الإنجليزي في تحقيق نتائج تتناسب مع قدرات وإمكانات اللاعبين آنذاك.

وكان الصراع بين الأندية يمثل مشكلة، وكان هوس الإنجليز بالأسماء اللامعة من اللاعبين يمثل عائقاً كبيراً. وبالتالي، لم يكن من الغريب أن توخيل، الذي لا يخشى المُخاطرة باستبعاد أي لاعب مغرور أو أناني، يُريد خلق شيء مُختلف وهو يُخطط لقيادة المنتخب الإنجليزي للحصول على بطولة بعد غياب طويل عن منصات التتويج.

«نحن نبني أفضل فريق»، كانت هذه هي الجملة التي كررها توخيل كثيراً مؤخراً. ولم يتراجع المدير الفني الألماني عن قراره بشأن استبعاد جود بيلينغهام وجاك غريليش وفيل فودين.

وقال توخيل قبل فوز إنجلترا الودي على ويلز ثم تخطي لاتفيا في تصفيات كأس العالم: «إننا لا نجمع اللاعبين الأكثر موهبة، بل نجمع اللاعبين الذين يتمتعون بالترابط والتماسك اللازمين لتكوين أفضل فريق».

إن مسيرة توخيل التدريبية تُقدم مؤشرات على ما قد يحدث منه تجاه بيلينغهام. لقد كان توخيل يملك تحت تصرفه في باريس سان جيرمان كلاً من نيمار وكيليان مبابي وإدينسون كافاني، لكن ذلك لم يمكنه من الفوز بلقب دوري أبطال أوروبا، وكانت هناك مشاكل في بايرن ميونيخ مع بعض اللاعبين الأساسيين.

وفي تشيلسي، حقق توخيل أعظم انتصار – الفوز بدوري أبطال أوروبا في عام 2021 – بفريق رائع يعتمد على الدفاع القوي والهجمات المرتدة السريعة، وكان أبرز لاعب في تلك المسيرة هو نغولو كانتي.

كما لعب تياغو سيلفا، المحترف النموذجي، وماسون ماونت الذي يتميز بالإيثار وممارسة الضغط العالي على الخصم، دوراً حيوياً أيضاً.

ومع المنتخب الإنجليزي، تتمثل مهمة توخيل في تكوين فريق جماعي. لقد تجاهل توخيل الأسئلة حول ما إذا كان استبعاد أفضل لاعبيه المبدعين قبل مباراتي ويلز يُعد مخاطرة كبيرة.

لقد دعم توخيل موقفه عندما سحق منتخب ويلز، ثم الفوز العريض على لاتفيا بخماسية نظيفة ليضمن حسم صدارة مجموعته في التصفيات.

لا يمكن إنكار الموهبة التي يتمتع بها بيلينغهام… لكن ربما يتطلع توخيل لأكثر من ذلك (غيتي)

لقد بدأنا نرى شكل المنتخب الإنجليزي الذي يريده توخيل يتشكل بشكل جيد. وبدأنا نرى الظهيرين وهما يتحركان بنشاط وحيوية ويتبادلان الأدوار مع الجناحين، اللذين يتميزان بالسرعة (سيكون هذا عنصراً حاسماً لتألق هاري كين في كأس العالم)، وأصبح هناك قدر من التوازن في نصف الملعب من خلال الشراكة بين إليوت أندرسون وديكلان رايس.

وقال توخيل بعد الفوز على ويلز بثلاثية نظيفة: «بدأنا نصل إلى ما نريد. أمام صربيا، بدا الأمر وكأننا نلعب كرة جماعية مثل تلك التي تلعبها الأندية، وتكرر نفس الأمر اليوم».

وبغض النظر عما إذا كان المنتخب الإنجليزي سيتمكن من اللعب بنفس الطريقة القوية التي تلعب بها أندية الدوري الإنجليزي الممتاز في كأس العالم في الحرارة العالية المتوقعة في العديد من الملاعب في الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، فإن الأمر يستحق النظر في دور مورغان روجرز في المركز الذي يشغله بيلينغهام عادة.

وقال توخيل عن اللاعب البالغ من العمر 23 عاماً: «إنه لاعب متواضع ويمتلك قوة بدنية كبيرة، كما أنه لاعب موهوب للغاية».

لكن هل روجرز أكثر موهبة من بيلينغهام؟ بالطبع لا، فلا يمكن لأحد أن يشكك في قدرات وإمكانات بيلينغهام، البالغ من العمر 22 عاماً، ويعد واحداً من أفضل اللاعبين في العالم. فكيف يمكن استبعاد نجم ريال مدريد الذي أثبت قدرته على حسم الأمور في أصعب اللحظات والمناسبات؟

يكمن الجواب في النظر إلى الصورة الأوسع؛ وفي تذكر أن بيلينغهام كان غالباً ما يلعب بطريقته الخاصة في كأس الأمم الأوروبية 2024. لقد وصفه توخيل بأنه موهبة استثنائية، لكنه قال إنه بحاجة إلى توجيه تفوقه نحو خصومه وليس إلى ترهيب زملائه أو الحكام.

ويجب الإشارة في السياق نفسه إلى أن بيلينغهام عائد للتو من جراحة في الكتف، كما أن توخيل تحدث عن ضرورة أن يتقبل اللاعبون «التسلسل الهرمي داخل الفريق».

وبعد مباراة ويلز، قال المدير الفني الألماني إن الباب مفتوح لعودة «لاعبين من الطراز الرفيع وشخصيات مميزة».

ومع ذلك، فمن الواضح أن عودة أي لاعب ستكون بشروط توخيل. يُمكن لبيلينغهام أن يعود، في كأس العالم، لكن توخيل أثبت للجميع أنه يمكنه الذهاب إلى المونديال من دون نجم ريال مدريد.

والآن، يتمثل التحدي في الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات. لا شك أن بيلينغهام سيكون إضافة قوية إذا قبل مطالب توخيل التكتيكية ولم يُحاول الفوز بالبطولة بمفرده!

فاز توخيل مع تشيلسي بدوري أبطال أوروبا بفريق رائع يعتمد على الدفاع القوي والهجمات المرتدة السريعة (غيتي)

لكن هذا لن يكون «فريق بيلينغهام». ولو كان بإمكاننا أن نصف هذا الفريق بأنه فريق لاعب بعينه، فيمكننا أن نقول إنه «فريق هاري كين»، نظراً لأن قائد المنتخب الإنجليزي يقوم بواجباته على النحو الأمثل في كل مرة، ويؤدي واجباته الإعلامية دون شكوى ويمثل قدوة ومثلاً أعلى للجميع.

ودائماً ما يشيد فينسنت كومباني، المدير الفني لهاري كين في بايرن ميونيخ، بأخلاقيات وتضحية المهاجم الإنجليزي، وبالدور الكبير الذي يقوم به خارج الملعب أيضاً. إنه يسجل أهدافاً حاسمة، ويبذل مجهوداً استثنائياً عندما لا يكون الفريق مستحوذاً على الكرة، وبالتالي يجب أن يكون قدوة للجميع. وهذا هو بالضبط ما يريده توخيل.

لن ينجذب المدير الفني الألماني إلى تخيل ما إذا كان بإمكانه ترك بيلينغهام وفودين وكول بالمر على مقاعد البدلاء في مباراة في كأس العالم، لكنه يركز الآن على اللاعبين الذين ينفذون تعليماته ويقومون بواجباتهم كما ينبغي. لقد لعبت إنجلترا بشكل جيد من دون بيلينغهام في عدد من المباريات المتتالية.

ومن الواضح للجميع أن توخيل يبني فريقاً وفق فلسفته الخاصة، ويعتمد على روجرز كنسخة محدثة من ماسون ماونت. لقد أظهرت له الفترة التي قضاها في كل من بايرن ميونيخ وباريس سان جيرمان ما يحدث عندما ينظر كل لاعب إلى نفسه ولا يهتم بالعمل الجماعي، وهو الأمر الذي يسعى لتجنبه الآن مع إنجلترا.

بعد مباراتي ويلز ولاتفيا، أكد توخيل، أنه سيتواصل مع جميع اللاعبين، وذلك بعدما فاجأ الكثيرين باستبعاد جود بيلينغهام.

وقال توخيل عبر قناة «سكاي سبورتس» إنه سيتواصل مع بيلينغهام قبل اختيار قائمة منتخب إنجلترا لمعسكر شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، مشيراً إلى أنه لم يقرر بعد أسماء اللاعبين الذين سيتم استدعاؤهم.

وشدد مدرب منتخب إنجلترا على عدم وجود أي خلاف شخصي بينه وبين بيلينغهام، موضحاً أن قرار استبعاد نجم ريال مدريد من القائمة، كان أساسه الحفاظ على قوام الفريق الذي أدى بشكل جيد في معسكر سبتمبر (أيلول).

لعب بيلينغها دوراً في إنجازات ريال مدريد الأخيرة (أ.ف.ب)

ولم يلتقِ توخيل وبيلينغهام وجهاً لوجه منذ يونيو (حزيران)، عندما اضطر المدرب الألماني للاعتذار عن تصريحاته بأن والدته تشعر بالاشمئزاز من تصرفات نجم ريال مدريد في الملعب.

ولدى سؤاله عما إذا كان سيتواصل مع بيلينغهام بعد معسكر الشهر الحالي، أجاب توخيل بلا تردد: «نعم… ولِمَ لا؟، لأنه بالتأكيد لاعب بارز ومهم». وأضاف: «لا اشك لحظة في أن أي لاعب غاب عن معسكر الشهر الحالي، سيوافق بحماس كبير على الانضمام للمنتخب إذا تم استدعاؤه».

وأوضح توخيل: «لم أستبعد لاعباً لعقابه، لم يرتكب أحد أي خطأ، وأشعر بأن جميع اللاعبين لديهم رغبة قوية في العودة مجدداً لصفوف المنتخب، يجب أن يكون الوضع كذلك، وأثق بمجموعة أكبر من اللاعبين الذين كانوا موجودين في معسكر هذا الشهر».

وكان توخيل قد أوضح أنه سيواصل اللعب بكل قوة في آخر مباراتين من تصفيات كأس العالم في نوفمبر، رغم أنه ضمن بالفعل التأهل إلى البطولة.

هذا يعني أن مباراتي الشهر المقبل أمام صربيا وألبانيا لا تحملان أهمية من ناحية التأهل، وقد يستغل توخيل الفرصة لتجربة بعض الأمور الجديدة.

ولكن المدرب الألماني قال إن فريقه «يبني شيئاً ما» ولن يتراخى، حتى وإن لم يكن متأكداً من شكل التشكيلة التي سيخوض بها المباراتين.

وبسؤاله عن تأثير التأهل المبكر على تفكيره، قال: «لأكون صريحاً جداً، لا أعلم. لست متأكداً تماماً مما إذا كان هذا سيغير أي شيء في عملية اختيار اللاعبين».

وتابع: «ألقى هاري كين كلمة قال فيها إن الجميع سيكونون مستعدين لمواصلة هذا المشوار في نوفمبر. لن يتراجع أحد أو يتكاسل أو يأخذ الأمور كأمر مسلم به. لذلك، يشعرون بأنهم يبنون شيئاً ما. وربما يمنحنا هذا فرصة لتجربة بعض الأمور».

* خدمة «الغارديان»

شاركها.
Exit mobile version