على عكس ظاهرة “ديجا فو” (Déjà vu) حين يشعر الإنسان بأنّه سبق أن رأى أو فعل شيئًا يحصل في الوقت الحالي، يمرّ الإنسان بحالة نفسية تُدعى “جامي فو” (jamais vu) أو “المألوف المنسي” باللغة العربية.
وتدفع هذه الحالة إلى الشعور بعدم الاستقرار لدرجة الإصابة بالقشعريرة.
وبما أنّ “جامي فو” أكثر ندرة من الـ”ديجا فو”، فإنّها تُثير المزيد من القلق عند اختبارها.
ما هي حالة “جامي فو”؟
“جامي فو” هي حالة نفسية يكون فيها الإنسان غير قادر على تذكّر شيء مألوف له، إذ يشعر بأنّه لم يصادف هذا الموقف من قبل على الرغم من أنّ عقله الباطن يُخبره عكس ذلك.
وأوضح العلماء أنّ “جامي فو” هو شعور ينتابك عندما يكون هناك شيء تعرف أنّه مألوف، لكنّه مع ذلك يبدو غير واقعي أو جديد بطريقة ما، كالنظر إلى وجه مألوف والشعور فجأة بأنه غير عادي أو غير معروف.
ووجد العلماء أنّ هذه الحالة النفسية تنشأ عندما لا يتزامن الجزء الذي يكتشف الألفة في الدماغ مع الواقع.
من جهتها، ذكرت مجلة “ساينس أليرت” أنّ التكرار في الحياة اليومية، يمكن أن يحفّز شعور “جامي فو”؛ فإذا طلبت من شخص ما تكرار شيء ما، فإنّه غالبًا ما يجد أنّه يصبح بلا معنى ومُربكًا.
وأضافت أنّ التكرار يدفع الإنسان إلى إعادة توجيه انتباهه، بدلًا من الضياع في المهام المتكرّرة لفترة طويلة جدًا.
ما الذي يحدث في الدماغ عندما نمر بحالة “جامي فو”؟
وفي هذا السياق، كشفت الدكتورة كارين سوليفان عالمة النفس العصبي، أنّ حالة “جامي فو” هي حالة من الاستدعاء دون التذكّر، أي استدعاء المواقف أو الأشخاص دون تذكّرهم، وهذا يعني أنّه أثناء حدوث هذه الحالة، فإن إدراكنا ينقطع عن ذاكرتنا بشكل مؤقت.
وشرحت أنّ ما يحدث يكون أشبه “بالانقطاع المؤقت بين مسارات الدماغ التي عادةً ما تكون متصلةً ببعضها”.
وأوضحت أنّ المُتعارف عليه هو أنّنا نُفرّق بين المواقف الجديدة والمألوفة عن طريق سلسلة من الأحداث المتّصلة ببعضها والتي تجري في منطقة “الدماغ المتوسط” (Midbrain) بمجرد انقطاع هذه الاتصالات؛ لكن في حالة “جامي فو” فإن الشيء الذي نألفه جيدًا يُصبح وكأنّه شي جديد علينا.
إلى ذلك، تُشير فرضية أخرى إلى أنّ “جامي فو” تحدث نتيجة خلل بالفصّ الصدغي في الدماغ بسبب التعب أو الإجهاد العصبي، بالإضافة إلى اختلال التوازن في الناقلات العصبية مثل الدوبامين والسيروتونين.
أما الدكتور دونج ترينه، مؤسس موقع “هيلث براين كلينك” (HealthyBrainClinic)، فإن “جامي فو” قد تحدث أيضًا عندما لا تُولي تركيزك الكامل للشيء الذي تألفه، ما يجعل دماغك يُصوّره مؤقتًا وكأنه غير مألوف.
هل هي حالة من فقدان الذاكرة؟
وانطلاقًا من معناها “لم أره مُسبقًا”، قد يعتقد البعض أنّها حالة من فقدان الذاكرة “Memory loss”، لكنّ المتخصّصين يؤكدون أنّهما مختلفان.
وقال البروفيسور كريس مولين الباحث في علوم الذاكرة في مختبر علم النفس والإدراك العصبي في جامعة غرونوبل الفرنسية الذي كشف عن هذه الظاهرة، إنّ فقدان الذاكرة هو الذي يجعل المواقف أو الأشخاص غير مألوفة بالنسبة للشخص، نظرًا لغياب المعلومات المُهمة التي تُشكّل هذه المواقف أو الأشياء؛ ما يعني أنّك إذا رأيت شخصًا حتى لو كان مُقربًا جدًا إليك، فإنك ستنسى هويته أو صلته بك.
أما على الجانب الآخر، فشرح مولين أنّ الشخص الذي يمرّ بحالة “جامي فو”، “يفقد شعور الأُلفَة للحظات أو ثوانٍ معدودة فقط؛ أي أنّه يَعرف هوية الشخص الذي يراه جيدًا، ولكن تعوّده على شكله يغيب عن ذهنه قبل أن يعود سريعًا”.
هل من علاج لـ”جامي فو”؟
بما أنّ هذه حالة “جامي فو” تُعتبر نفسية بالدرجة الأولى، ينصح الأطباء وعلماء النفس لتفاديها بالتحلّي دائمًا بالهدوء واللجوء إلى التفكير بتأنٍ وروّية، وممارسة التمارين الرياضية والنشاطات الذهنية التي تُقلّل من الضغط النفسي وتُساعد على استعادة النشاط.