«مجلس الطفولة السوداني»: الأجسام المتفجرة تشوه أجساد 15 ألف طفل
يرقد مؤزر منذر، ابن الـ15 عاماً على سريره دون حراك، لا يستطيع فعل شيء دون مساعدة والدته، أو أحد أفراد الأسرة، منذ 4 أشهر، بعد أن فقد أجزاء من أطرافه بانفجار «جسم متفجر» بينما كان جالساً على كرسي يستخدمه للإسهام في إعادة بناء جدار منزلة الذي تضرر بسبب الحرب.
في لحظة واحدة، تغيرت حياة مؤزر إلى الأبد. فقد بالانفجار معظم أصابع يده اليسرى، وبُتر جزء من كفه، وقطعت أجزاء من أصبعي السبابة والوسطى من يده اليمنى، وأصيبت قدمه اليمني بكسور مركبة وجروح عميقة، وتكسرت عظام اليسرى وقطع شريانها.
أُجريت لمؤزر عمليتان جراحيتان، ولا يزال ينتظر 3 عمليات إضافية، وهو يحتمل آلامه المبرحة المستمرة، وارتفاع درجة حرارة جسده بصبر وثبات، وتواجه أسرته، التي أفقرتها الحرب، مصاريف علاج تبلغ 86 ألف جنيه أسبوعياً، فقط لتنظيف الجراح تجنباً للالتهابات.
يقيم الطفل الجريح في منزل بمدينة أم درمان يفتقر إلى الكهرباء للاستقرار، والمرافق الصحية للدعم… ويغطي الشاش الأبيض قدميه المكسورتين، وعلى سطحه بقع دم متجددة، فيما وُضعت «مسطرة» على رجليه لتثبيت الكسور، فيرقد دون حراك.
مؤزر، رغم الألم، لا يزال يحمل أمنية صغيرة في قلبه، قالها لـ«الشرق الأوسط» بصوت خافت، وهو يكبت دموعه وآلامه: «أتمنى أن أشفى سريعاً. أريد فقط أن أعود إلى المدرسة، وأن ألعب كرة القدم مع أصدقائي مجدداً».

تتابع الوالدة: «بعد عودتنا من النزوح من الجزيرة إلى منزلنا في توتي، وجدنا أن (قوات الدعم السريع) هدمت جدار المنزل لإخراج (ركشات)، فقررنا ترميمه، وخرج مؤزر ليساعد في إعادة البناء… جلس على كرسي في ساحة المنزل، فانفجر الجسم المتفجر تحته».
وتستطرد: «حين حدث الانفجار، غطى الغبار المكان… خرجت مذعورة، ظننت أن طائرة مسيرة استهدفت الحي، ففوجئت بزوجي يحمل مؤزر وهو يصرخ (يا الله… يا الله)، كان منظراً مروعاً، كان جزء من كفه مقطوعاً، سريعاً نقلناه إلى (مستشفى السلاح الطبي)، ثم (مستشفى أم درمان)، وبقينا هناك لشهرين، كانت أياماً قاسية».
رغم الألم، كانت الأم تحاول إبقاء شعلة الأمل مشتعلة في قلب طفلها، تقول: «كل يوم أقول له غداً ستعود كما كنت يا مؤزر، فقط اصبر»، وتضيف: «اضطرت للبقاء في أم درمان بدلاً من العودة إلى توتي، بسبب توفر الكهرباء النسبي، وقرب المستشفى، للعناية بالجروح أو طلب الممرض إلى المنزل».
تواصل السيدة ليلى: «في أحد الأيام، زاره عدد من أصدقائه، لكنه رغم ألمه ودرجة حرارة جسده المرتفعة، سألني بصوت ضعيف: هل أعددت لهم وجبة الإفطار؟».

سؤال بسيط، لكنه يكشف حجم الروح الطيبة التي لا تزال تسكن هذا الجسد المتألم، تقول الأم المؤمنة بالقدر: «هذه إرادة الله، الحمد لله. كان جده هو من يجلس على ذلك المقعد، وبعد أن نهض عنه بثوانٍ جلس مؤزر، فانفجر الجسم».
في مارس (آذار) الماضي، قالت «منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)»، إن الأطفال في السودان «يقتلون ويشوهون ويهجّرون، مع تسجيل انتهاكات جسيمة يومياً»، وأشارت إلى أن 16 مليون طفل يحتاجون إلى المساعدة، وأن «الأثر النفسي على الأطفال مدمر، حيث يعيشون القلق والاكتئاب والصدمة بفعل النزاع والفقد والنزوح».
أما الأمين العام لـ«المجلس القومي لرعاية الطفولة في السودان»، عبد القادر عبد الله، فقد أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن العمل جارٍ لحصر أعداد الأطفال الذين أُصيبوا بسبب الأجسام المتفجرة في مناطق النزاع، مشيراً إلى أن التقديرات الأولية «تفيد بأن عددهم تجاوز 15 ألف طفل».
في قلب هذا الجحيم، تحاول أُمُّ مؤزر أن تزرع الأمل في ابنها. لكن الأمل وحده لا يكفي. أطفال الحرب لا يحتاجون فقط إلى الدعاء، بل إلى رعاية طبية عاجلة، ودعم نفسي، وعدالة تحفظ لهم حق الحياة بكرامة.
في بلد مزّقته الصراعات، يرقد مؤزر اليوم حبيس الألم، لكن قلبه لا يزال ينبض بحلم صغير: «العودة إلى المدرسة، ولعب كرة القدم».