ما إن مرّت ساعات على سقوط بشار الأسد ونظامه، حتى بدأت تتكشف الحقائق بشأن اعتماد هذا النظام على صناعة وتجارة حبوب الكبتاغون، التي كانت جزءًا من اقتصاد سري أسهم في تدفق مليارات الدولارات، خصوصًا في السنوات الأربع الأخيرة.
وفي الأيام التي تلت سقوط الأسد، عثر مقاتلو المعارضة على عدة مواقع في مختلف أنحاء البلاد، حيث يتم إنتاج المخدر وإعداده للتصدير.
وأشارت مقاطع فيديو جرى تداولها عبر الإنترنت من قبل حسابات تابعة لهم، إلى أنهم أشعلوا النار في الحبوب أو تخلصوا منها في بالوعات الصرف.
كما تم ضبط وإتلاف كميات هائلة من حبوب الكبتاغون في مراكز عدة كانت تابعة للنظام السوري، بدءًا من مطار المزة العسكري بدمشق وصولًا إلى منازل قريبة من النظام، مثل منزل ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة الذي لطالما ربطت حكومات غربية التجارة غير المشروعة به.
مصنع للكبتاغون غربي دمشق
وقد اكتُشف مختبر لتصنيع المخدرات أعلى تل على طريق رئيسي في الطرف الغربي لدمشق.
وقال مقاتلون شاركوا في الإطاحة بالأسد إنهم عثروا على آلاف من حبوب المخدر مخبأة في قطع الأثاث والفواكه والحصى الملون وأجهزة تثبيت الجهد الكهربائي في مستودعات مظلمة شاسعة في مكان مهجور بمدينة دوما، فيما تنتظر شاحنة بالخارج.
وحملت العديد من الحبوب شعار الهلال المزدوج أو كلمة “لكزس”، التي تميز حبوب الكبتاغون. كما عثر على آلة لكبس الحبوب.
وفي المستودع الذي يقع أعلى المبنى، كانت هناك عشرات البراميل والصناديق والزجاجات التي تحتوي على مواد كيميائية مختلفة.
وشملت هذه المواد الكلوروفورم ويوديد البوتاسيوم ومحلول الفورمالديهايد ومحلول الأمونيا وحمض الخليك وحمض الهيدروكلوريك وسيكلوهيكسانون وإيثر البترول 40-60 درجة مئوية.
اكتُشف مختبر لتصنيع الكبتاغون أعلى تل على طريق رئيسي في الطرف الغربي لدمشق – رويترز
ونقلت وكالة رويترز عن رجل الأعمال السوري فارس التوت، أن عائلته كانت تمتلك المصنع قبل الحرب الأهلية في سوريا، وأنّه بني لإنتاج رقائق البطاطس التي تحمل علامة “كابتن كورن”.
وأشار إلى أن عامر خيتي، وهو رجل أعمال مقرب من ماهر الأسد، استولى على المصنع في عام 2018، مضيفًا: “حولوه من إنتاج الغذاء إلى إنتاج الكبتاغون الذي قتل أطفال سوريا دعمًا للفرقة الرابعة”.
والكبتاغون هو الاسم التجاري لمنشط تم إنتاجه لأول مرة في ألمانيا في ستينيات القرن العشرين للمساعدة في علاج مشاكل الانتباه، بما في ذلك اضطرابات نقص الانتباه والنوم القهري (الخدار).
وفيما توقف إنتاجه، استمر إنتاج نسخة غير مشروعة من المخدر تعرف باسم “كوكايين الفقراء” في أوروبا الشرقية، وفي وقت لاحق في العالم العربي. وذاع صيته في الصراع الذي اندلع في سوريا بعد الاحتجاجات المناهضة للحكومة في عام 2011.
تجارة مربحة للنظام السوري
وفي السنوات الأخيرة، ومع ازدياد عمليات ضبط حبوب الكبتاغون في دول مجاورة، أشارت تقارير دولية إلى أن تجارة هذا المخدر، حققت أرباحًا طائلة للنظام السوري.
وبحسب بيانات حكومية بريطانية، كان النظام السوري ينتج بمفرده نحو 80% من الإنتاج العالمي
وتشير بعض الدراسات إلى أن عائلة الأسد جمعت ثروة تُقدر ما بين مليار وملياري دولار من هذه التجارة.
ووفقًا للبنك الدولي، صُنّفت سوريا خلال فترة حكم الأسد كمركز إقليمي لهذه الصناعة، التي تصل قيمتها السوقية داخل البلاد إلى نحو 5.6 مليار دولار سنويًا.
وبحسب البنك الدولي أيضًا، استفادت الجهات الفاعلة في النظام السابق من هذه التجارة بنحو 1.8 مليار دولار سنويًا. كما شكّلت صادرات المخدرات نحو 50% من إيرادات سوريا السنوية.
وكانت وكالة “أسوشييتد برس” قد ذكرت في يونيو/ حزيران الماضي، أنّ مخدر الكبتاغون منح بشار الأسد أداة قوية بوجه جيرانه العرب، الذين كانوا على استعداد لإخراجه من عزلته، على أمل وقف تدفّق هذا المخدّر إلى خارج سوريا.
كذلك تتّهم الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، رئيس النظام وعائلته وحلفاءه، بمن فيهم “حزب الله” اللبناني، بتسهيل التجارة والاستفادة منها.
ويقولون: إن ذلك منح حكم الأسد شريان حياة ماليًا هائلًا في وقت ينهار فيه الاقتصاد السوري. لكن حكومة النظام السوري و”حزب الله” لطالما نفيا هذه الاتهامات.
فبين عامَي 2020 و2023، شهد إنتاج الكبتاغون ارتفاعًا ملحوظًا بنسبة 54%، مما رفع قيمة التجارة الإجمالية إلى نحو عشرة مليارات دولار، مما يعكس الازدهار الكبير لهذا الاقتصاد السري في ظل تدهور الاقتصاد الرسمي.