أثار إعلان مصرف ليبيا المركزي، الثلاثاء، عن اكتشاف عملات نقدية بقيمة 6.5 مليار دينار ليبي «غير معلومة المصدر»، جدلاً واسعاً في البلاد، وسط تحذيرات من تفاقم مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
واعتبر محللون وخبراء اقتصاديون أن الكشف عن هذه الكمية الضخمة من النقد «غير المعلوم المصدر» يفتح الباب أمام تساؤلات واسعة حول مصادرها ومسارات تداولها، ويعكس في الوقت نفسه عمق الاختلالات التي يعانيها النظام المالي في البلاد.
وجاء الكشف عن هذه العملات النقدية، التي لم تصدر رسمياً عن «المركزي الليبي»، عقب قرار سابق للسلطة النقدية في طرابلس، خلال يونيو (حزيران) الماضي، بسحب العملات الورقية من فئات (1 و5 و20 ديناراً)، التي بلغت قيمتها نحو 47 مليار دينار ليبي (الدولار يعادل 5.44 دينار في السوق الرسمية و7.20 دينار في السوق الموازية)، بهدف الحفاظ على الاستقرار النقدي، وتعزيز قيمة الدينار الليبي.
وأوضح «المركزي الليبي»، في بيان، أن «6.5 مليار دينار ليبي جرى طبعها في روسيا دون تسجيلها في سجلات إدارة الإصدار بفرع المصرف في بنغازي»، وأنه عدّ ذلك «تجاوزاً خطيراً للمبالغ المصرّح بها».
وذهب «المركزي» إلى القول إن هذه الخطوة «أسهمت في زيادة الطلب على العملات الأجنبية، ورفعت منسوب مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب»، مؤكداً أنه اتخذ «الإجراءات القانونية اللازمة»، ودعا مؤسسات الدولة إلى تحمّل مسؤولياتها في معالجة هذا الوضع الخطير.
وتعيد القضية إلى الأذهان مرحلة الانقسام المالي التي بدأت عام 2016، عندما لجأ فرع المصرف المركزي في شرق ليبيا إلى طباعة عملة في روسيا لمواجهة نقص السيولة، قبل أن يتم التوصل لاحقاً إلى تفاهمات جزئية بين الجانبين بشأن تداولها.
وجدد إعلان المصرف الجدل حول قانونية الإصدارات النقدية المطبوعة في روسيا، ومدى اعتبارها عملة رسمية.
لا تزوير
ورغم حديث محللين عن عملية تزوير في العملات، فإن أستاذ الاقتصاد في جامعة مصراتة، عبد الحميد الفضيل، قال إن الحديث عن «تزوير» العملة «غير دقيق»، موضحاً أن «الجهة واحدة، والحبر واحد، والورق لم يتبدّل»، مضيفاً: «من قبل بالأمس بالأوراق المطبوعة في روسيا لا يمكنه اليوم رفض ما طُبع بعدها».
ومن منظور الفضيل، فإن «الانتقائية في التعامل مع النقد فاقمت الأزمة»، وقال بهذا الخصوص: «الاقتصاد لا يعرف نصف شرعية؛ فإما أن تُعتبر جميع الأوراق المطبوعة في روسيا غير قانونية، أو يُعترف بها كلها كأمر واقع».
أما رئيس مؤسسة «السلفيوم للأبحاث والدراسات»، جمال شلوف، فقد ألقى باللائمة على المصرف المركزي في محاولة «التنصل من مسؤوليته في أزمة السيولة»، متهماً تجّار العملة في السوق الموازية بـ«الاستفادة من هذه الفوضى».
وتمتلك ليبيا ثروة نفطية كبيرة، لكنها تعاني من نقص في السيولة النقدية، ويضطر مواطنوها للاصطفاف أمام المصارف لسحب النقود وتسلم الرواتب.
في السياق نفسه، حذّر المستشار القانوني، هشام الحاراتي، من أن ما يجري يمثل «كارثة اقتصادية تهدد ليبيا بصمت»، قائلاً إن المسؤولية «لا تقع على عاتق المصرف المركزي وحده، بل هي أزمة تمس كل مؤسسات الدولة، وعلى الجميع أن يتحمل مسؤوليته أمام الشعب والتاريخ».
وأضاف الحاراتي موضحاً أن «الجهة المسؤولة عن ضخ هذه الأموال لم تُكشف حتى الآن، ولا توجد إجراءات واضحة لمحاسبة المتورطين، أو خطة لوقف هذا النزيف القاتل للاقتصاد».
ارتباك إداري
في المقابل، عبّر مدوّنون ومحللون اقتصاديون عن استيائهم مما وصفوه بـ«الارتباك الإداري» في إدارة السياسة النقدية. وكتب أحدهم أن المصرف «سحب عشرات المليارات بحجة محاربة العملة المجهولة، ثم أعلن لاحقاً عن ضخ 60 مليار دينار في السوق»، مشيراً إلى أن «النتيجة هي أن المواطن يبيت أمام المصارف ليصرف صكه بخصم 20 في المائة».
ومع تصاعد الجدل، دعا الإعلامي الليبي، خليل الحاسي، إلى التفكير في «حلول غير تقليدية»، من بينها «نقل إدارة المصرف المركزي مؤقتاً إلى الخارج»، مستشهداً بتجارب بعض الدول، التي واجهت حروباً وانقسامات، مثل النرويج وبلجيكا واليونان».