يصوَّر النزاع بين القوات المدعومة من رواندا وجمهورية الكونغو الديموقراطية عادة، على أنه معركة للسيطرة على المعادن الثمينة التي تشغّل الإلكترونيات في العالم.
لكن التركيز على “النزاع من أجل المعادن” قد يطغى على محركات أخرى للعنف في إحدى مناطق العالم الأكثر اضطرابًا.
الكونغو والكولتان
وتوفر الكونغو الديمقراطية ورواندا معًا نحو نصف حاجات العالم من الكولتان، وهو الخام المعدني الضروري في صناعة الهواتف والحواسيب المحمولة.
ويفيد خبراء الأمم المتحدة ومجموعات حقوقية ومحللون، بأن رواندا تهرّب كميات هائلة من الكولتان، إلى جانب الذهب ومعادن أخرى، إلى خارج شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية وتبيعها على أنها هي المنتجة لها.
ويتّهم هؤلاء رواندا بدعم جماعة “إم23” المسلحة، التي ظهرت مجددًا في شرق الكونغو الديمقراطية عام 2021، وتسيطر على العديد من مناجم المنطقة.
وفي أبريل/ نيسان الماضي، سيطرت الجماعة على روبايا التي تنتج مناجمها نحو 15% من موارد الكولتان العالمية، بحسب خبراء الأمم المتحدة الذين تفيد تقديراتهم بأن “إم23” تجني نحو 800 ألف دولار شهريًا من هذه التجارة.
سقوط مئات القتلى
وانتزعت حركة “إم23” الأسبوع الماضي مركز نقل رئيسي من غوما عند الحدود الرواندية، ما أسفر عن سقوط مئات القتلى، فيما تتقدّم جنوبًا باتّجاه مقاطعة جنوب كيفو المجاورة.
وقال المحامي روبرت أمستردام، الذي رفع قضية جنائية ضد “أبل” في ديسمبر/ كانون الأول باسم الحكومة الكونغولية، إن الحكومات والشركات الغربية تتحمّل المسؤولية في نهاية المطاف.
وأكد لـ”فرانس برس” أن “قطاع التكنولوجيا موّل جرائم الحرب الرواندية”.
وأفادت “أبل” في البداية بعدم وجود “أساس منطقي للاستنتاج” بأن منتجاتها تحتوي على معادن تم تصديرها بشكل غير قانوني من جمهورية الكونغو الديموقراطية ورواندا.
وقال أمستردام إن “أبل” “أقرت الآن بأنها لا يمكنها تمييز مصدر المعادن.. يعني ذلك أن كل سلاسل الإمداد التابعة لكل شركات التكنولوجيا ملطخة بالقدر نفسه” بدماء السكان المحليين.
من جماعة إم23- رويترز
واعترضت “أبل” “بشدة” على هذه الادعاءات، قائلة إنها “منخرطة بعمق” في التوريد المسؤول للمعادن.
وتنفي رواندا تهريب المعادن بشكل غير قانوني إلى خارج جمهورية الكونغو الديمقراطية، لكن الأمر لا يعد مقنعًا بالنسبة للمحللين.
وقال غيوم دو برييه من “خدمة معلومات السلام الدولية” المتخصصة بالمنطقة: إن “رواندا على الدوام على رأس أكبر 10 مصدّرين للكولتان. يعرف الجميع أن ذلك مستحيل مع الاحتياطات التي يملكونها. من الواضح أن هذا الكولتان يأتي من جمهورية الكونغو الديموقراطية”.
مع ذلك، أشار إلى أن المعادن ليست المحرك الأساسي لنزاع “إم23”.
إقناع عمال المناجم
وأشار إلى أن التهريب يتم سواء كانت رواندا تنشط عسكريًا في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية أم لا.
وأفادت شركة “أجانس إيكوفان” للبيانات، بأن صادرات رواندا من الكولتان ارتفعت في الفترة بين 2014 و2018 عندما كانت حركة “إم23” خامدة، رغم زيادة “غير مسبوقة” في صادراتها عام 2023، بحسب الأمم المتحدة.
ولا يتطلب إقناع عمال المناجم الكونغوليين بالبيع لرواندا جهدًا كبيرًا، نظرًا لأن الأمر يوفر عليهم الأعمال الورقية المنهكة والضرائب.
وقال دو برييه: “نتحدث عن أشخاص لا يأكلون إذا لم يجنوا المال في أحد الأيام. يرون أنه من الأفضل بكثير البيع للروانديين الذين يدفعون جيدًا ونقدًا”.
وهناك محركات أخرى للتصعيد الحالي في النزاع، من بينها العداوة الشخصية بين الرئيس الرواندي بول كاغامي ونظيره الكونغولي فيليكس تشيسكيدي.
لكن المخاوف المحلية هي الأهم، بحسب دو برييه.
وقال إنه “بالنسبة للإعلام، فإن ذلك يعد أقل جذبًا من التحدث عن النزاعات من أجل المعادن.. لكن هؤلاء الأشخاص هم مزارعون، القضية الحقيقية هي ملكية الأراضي”.
وظهرت “إم23” في الأساس عبر الادعاء بالدفاع عن أقلية التوتسي المهمّشة تاريخيًا في الكونغو الديمقراطية.
وقال دو برييه: “يحاولون تفكيك الأنظمة التقليدية في إدارة الأراضي من قبل زعماء قبائل محليين”.
وتشير “خدمة معلومات السلام الدولية”، إلى أن المعادن لا تساهم إلا في جزء من تمويل “إم23″، الذي يشمل أيضًا مبلغًا شهريًا مقداره 69500 دولار كرسوم على الحواجز وضرائب على العائلات والعمالة القسرية في مجال الزراعة فضلًا عن تهريب الخشب والفحم.
لكن ذلك كله لا يعفي الغرب من مسؤولية المساهمة في تغذية الاضطرابات، بحسب أمستردام.
وقال: “كانت هذه كارثة أنتجتها التكنولوجيا”.
ويأمل في أن يؤدي قرار “أبل” وقف التوريد من المنطقة إلى “موجة تغيير في قطاع التكنولوجيا بأكمله”.