في خضم الكارثة الإنسانية واسعة النطاق التي يُعانيها سكان غزة منذ بدء الحرب الإسرائيلية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، غالبًا ما تضيع القصص الفردية وسط الإحصائيات المدمّرة. وفي كل يوم، تبذل العائلات قصارى جهدها للتغلّب على حسرة فقدان أحبائهم والتمسّك بما تبقّى من الحياة الطبيعية التي سلبها “التعطّش الإسرائيلي للدماء”.
ومن بين هؤلاء قصّة الطفل الغزّي عمر الذي سرد موقع “موندويس” الأميركي معاناته وعائلته المؤلفة من ثلاثة أفراد.
وقالت الصحيفة إنّ جلّ ما يُريده عمر في عيد ميلاده هو أن يعود والده إلى المنزل حاملًا معه الدجاج لوجبة احتفالية بسيطة. ولكن مرّ عام تقريبّا على اختفاء والده من حياته بعد أن اختطفته قوات الاحتلال الإسرائيلي، ولم تتحقّق أمنية الطفل الغزي بعد.
ومنذ الأشهر الـ10 الماضية، تُكافح الوالدة هبة (26 عامًا) لإعالة أولادها الثلاثة يوسف (8 سنوات)، وعمر (5 سنوات)، وياسمين (عامان)، بعد اختطاف زوجها محمود (30 عامًا) في مارس/ آذار 2024.
وتعيش العائلة في خيمة صغيرة في المواصي غرب مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، والتي يتقاسمونها مع عائلة زوجها.
أمنية
في أوائل مارس 2024، وبينما كانت هبة مشغولة بإعداد وجبة بسيطة من البازلاء المعلبة للعائلة، وصلها الخبر الذي غيّر حياتها، إذ أختفطت قوات الاحتلال زوجها محمود الذي كان يُحاول شراء الدجاج لإطعام عائلته وسط جحيم القصف وشحّ الغذاء.
وحينها، أدركت هبة أنّ زوجها أصبح مجرد رقم في أيدي من لا يهتمون بحياة الإنسان، ويبدو أنّه لا يوجد أمل في عودته، ولا توجد طريقة لمعرفة مصيره.
وبعد أسابيع قليلة من اختطاف محمود، جلست هبة بجانب أطفالها وقالت بحزن: “قد لا يعود والدكم، وإذا لم يفعل، علينا أن نعيش ونصبر”. ابتسم عمر ابتسامة بريئة تُخفي في قلبه الكثير من الحزن، وقال: “أمي، عندما يأتي عيد ميلادي، أريدك أن تحضري لي لحمًا كهدية”.
وظل الصبي الصغير مقتنعًا أنّ والده سيعود مع بعض الدجاج بمناسبة عيد ميلاده، الذي سيحلّ بعد بضعة أسابيع فقط.
وبعد أسابيع من تناول الطعام المُعلّب الذي شارفت صلاحيته على الانتهاء، تسلّلت رائحة الدجاج المطهي إلى خيمة العائلة من خيمة مجاورة. ومنذ ذلك الحين، اختلطت أمنية عمر بتناول الدجاج بعودة والده سالمًا.
“في تلك اللحظة لم تفكر هبة إلا في شيء واحد، أن تظل قوية من أجل عمر، هذا الطفل الذي لا يزال يحمل الأمل في قلبه رغم كل ما مر به”، وفقًا للتقرير.
مصير مجهول
ومرّت الأيام، ولم يتغيّر شيء. وبعد مرور عام تقريبًا، لا يزال مصير محمود غامضًا، ولا تعرف هبة ما إذا كان قد مات أم سُجن في مكان بعيد.
ومرّت سنة على أمنية عمر وسيبلغ السادسة من عمره بعد 3 أشهر، وما زال يتحدّث عن والده كثيرًا، ويعتقد هو وإخوته أنّ والده سيعود إلى المنزل قريبًا مع بعض الدجاج.
ورغم حزنها العميق، تُحاول هبة أن تظهر قوية أمام أطفالها، وقلبها مثقل بألف خوف مكتوم، أبرزه مصير محمود، بينما تتمسّك بالأمل في انتهاء الحرب وعودة زوجها حيًا.
ومع توالي الليالي، تُحاول هبة الصبر على واقعها وواقع أطفالها القاتم، ولكنّها أكدت أنّها ستُواصل الكفاح، مهما كانت الصعوبات.
وقالت للموقع: “سأنجو لأنّه الخيار الوحيد، لدي أطفال وعليّ حمايتهم، وحتى لو كنت أجهل ما سيأتي به الغد، أعلم أنني سأواجهه بكل ما أوتيت من قوة”.