ترمب يطمئن الأوروبيين ويؤكد مطالبته بوتين بوقف إطلاق النار
يبدو واضحاً من خلال تصريحات المسؤولين الأوروبيين والتسريبات التي تم تداولها في الساعات القليلة الماضية أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب سعى، خلال اجتماع موسع وعن بعد، بعد ظهر الأربعاء، مع قادة ست دول أوروبية رئيسية، ورئيس المجلس الأوروبي، وأمين عام الحلف الأطلسي، وبمشاركة الرئيس الأوكراني، إلى «طمأنة» الأوروبيين حول مطلب رئيسي لهم؛ وهو إصرارهم على أن يكونوا جزءاً من المسار الذي اختطه ترمب للقائه نظيره الروسي يوم الجمعة المقبل.
ومن جهة ثانية، التأكيد على أن أول ما يريد المطالبة به من فلاديمير بوتين هو وقف إطلاق النار الذي جعلته كييف والعواصم الأوروبية المعنية شرطاً لا بد منه من أجل انطلاق مفاوضات «جدية».
وما يجعل هذا الطلب حيوياً، أن القوات الروسية آخذة في السيطرة على مناطق إضافية في منطقة الدونباس، حيث استطاعت السيطرة على قرى ومساحات جديدة، كما أنها نجحت في اختراق خط الدفاع الثاني للقوات الأوكرانية. وقال ترمب: «إذا سار الاجتماع الأول مع بوتين بشكل جيد فسنعقد اجتماعاً آخر ثلاثياً مع زيلينسكي»، مضيفاً أن روسيا ستواجه عواقب إن لم تنه الحرب.
وبذلك يكون دونالد ترمب قد استجاب لما يشدد عليه الجانب الأوروبي في بياناته وبمناسبة الاتصالات العالية المستوى التي حصلت في الأيام الأخيرة. وقالت مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط» إن الاجتماع «عن بعد» مع ترمب دام نحو الساعة، فيما تبدو أنها فترة زمنية قصيرة؛ نظراً لتعدد المشاركين ولأهمية المواضيع المطروحة، ومن بينها مصير أوكرانيا وأمن أوروبا.
وكان الاجتماع الذي شارك فيه ترمب الأهم من بين ثلاثة اجتماعات؛ أولها انحصر في الأوروبيين، وثالثها جاء في إطار «تحالف الراغبين» الذي يضم الدول المستعدة للمشاركة بقوة عسكرية تنتشر على الأراضي الأوكرانية بعد التوصل إلى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا.
رئيس المجلس الأوربي: ترمب يريد وقفاً لإطلاق النار
وفي مؤتمر صحافي مرتجل مع الرئيس إيمانويل ماكرون عقب الاجتماع مع ترمب، قال رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، وهو إلى جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن الرئيس الأميركي «أطلعنا على ثلاثة أهداف مهمة للغاية: أولاً، وقف إطلاق النار؛ وثانياً، لا أحد سوى أوكرانيا يمكنه التفاوض بشأن شؤون أوكرانيا؛ وثالثاً، استعداد الولايات المتحدة للتعاون مع أوروبا في تعزيز الأمن عند التوصل إلى سلام دائم وعادل لأوكرانيا».
وكان قد أشاد الرئيس ترمب، الأربعاء، بقادة الدول الأوروبية، واصفاً إياهم بأنهم «أشخاص رائعون» قبيل محادثات برلين. وكتب ترمب على منصته «تروث سوشيال»: «سأتحدث إلى قادة أوروبيين بعد فترة وجيزة. إنهم أشخاص رائعون ويرغبون في التوصل إلى اتفاق».
وبعكس الانتقادات التي انتشرت في الأيام الأخيرة ضد ترمب و«انفراده» بالملف الأوكراني وإبعاد زيلينسكي والقادة الغربيين عنه، فقد أكد كوستا أن الاجتماع المرتقب بين ترمب وبوتين يوم الجمعة في ألاسكا، لتحقيق وقف إطلاق النار وفتح الطريق للسلام في أوكرانيا، يعد نجاحاً كبيراً. وأكد ذلك المستشار الألماني فريدريتش ميرتس.
ومن جانبه، أثنى الرئيس الفرنسي على كلام كوستا عادًّا أنه «من المهم جداً أن يسمع صوت أوروبا قبل هذه القمة ومن الطبيعي تماماً أن تلتقي الولايات المتحدة مع روسيا، فهذا أمر جيد لتهدئة الأجواء». ويفهم من هذا الإطراء أيضاً أن ترمب وعد الأوروبيين وبينهم فولوديمير زيلينسكي بإطلاعهم سريعاً على النتائج التي يمكن أن تفضي إليها قمة ألاسكا.
واستعاد ماكرون ما سبق أن أشار إليه كوستا، لجهة إشادته بأهمية الاجتماع مع ترمب، مشدداً على أمرين: الأول، «إعادة التأكيد على أنه حتى يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار ثم إلى سلام دائم، علينا أن نواصل دعم أوكرانيا، وأعني بذلك جميع الأوروبيين والأميركيين».
أما الأمر الثاني فيتناول وعد ترمب بأن «يكون هدفه خلال لقائه مع الرئيس بوتين في ألاسكا المطالبة بوقف إطلاق النار، وبنظري، فإن هذه هي الطريقة الصحيحة للتعامل مع الأمر». أما أمين عام الحلف الأطلسي، مارك روته، الذي شارك في الاجتماع مع ترمب، والذي دأب على الإشادة بكل ما يقوله الأخير أو يفعله، فقد وصف التواصل مع ترمب بأنه جاء «رائعاً». وكتب في تغريدة على منصة «إكس»: «نحن متحدون في السعي لإنهاء هذه الحرب المروعة على أوكرانيا، وتحقيق سلام عادل ودائم»، عادّاً أن «الكرة الآن في ملعب بوتين» لإنهاء الحرب.
ولم تشذ أورسولا فون دير لاين عن ردود الفعل الإيجابية؛ إذ رأت أن المحادثات مع الرئيس الأميركي كانت «جيدة للغاية». وقالت، ما حرفيته: «اليوم، عززت أوروبا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي الموقف المشترك بشأن أوكرانيا»، مؤكدة تواصل التنسيق بين الغربيين جميعاً (الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والحلف الأطلسي). ونوهت إلى أن «لا أحد يريد السلام أكثر منا، سلاماً عادلاً ودائماً».
ماكرون: الضمانات الأمنية هي الوسيلة الوحيدة للمحافظة على السلام
برزت في الأسابيع الماضية مخاوف أوروبية من أن يتجاوب ترمب مع المطالب الروسية لجهة الرغبة في ضم ما لا يقل عن 20 في المائة من الأراضي الأوكرانية التي تسيطر عليها راهناً القوات الروسية. وما فاقم المخاوف الأوروبية أن الرئيس الأميركي تحدث شخصياً عن «تبادل أراضٍ»، وأنه أبدى «انزعاجه» مما رآه رفضاً أوكرانياً لما يعدّه العنصر الأساسي في أي تسوية بين كييف وموسكو. من هنا، كان هذا الملف رئيسياً في قمة الأربعاء.
وبهذا الخصوص، سعى الأوروبيون إلى جعل التنازل عن بعض الأراضي الأوكرانية جزءاً من صفقة واسعة ترتبط بتوفير ضمانات أمنية لأوكرانيا. من هنا عدّ ماكرون أن «قضايا الأراضي المحتلة ستكون عناصر حاسمة في مفاوضات السلام، فهي لا تنفصل عن الضمانات الأمنية التي ستقدم إلى بقية الأراضي الأوكرانية وأوروبا، ولا يمكن مناقشتها دون حضور الرئيس الأوكراني إلى طاولة المفاوضات، ولا توجد اليوم مخططات جادة لتبادل الأراضي على طاولة المفاوضات».
يرى ماكرون، أن الضمانات الأمنية تشكل «الوسيلة الوحيدة للمحافظة على السلام» بعد انتهاء الحرب. وليس سراً أن الأوروبيين، يسعون في إطار ما يسمى «تحالف الراغبين» الذي تقوده فرنسا وبريطانيا، إلى تشكيل قوة ذات وزن، عصبها العناصر الفرنسية والبريطانية، يتم نشرها على الأراضي الأوكرانية بعيداً عن خط وقف إطلاق النار، بحيث لا تكون على تماس مع القوات الروسية ولكنها، بالمقابل، تشكل «رادعاً» لموسكو عن إعادة إشعال الحرب مع أوكرانيا، حيث إن الأوروبيين يرون في حرب أوكرانيا تعبيراً صريحاً عن «الطموحات الإمبريالية الروسية بقضم أراضي دول أخرى».
وقال ماكرون إن أوكرانيا «تشكل خط الدفاع الأول» في وجه توسع هذه الإمبريالية. أما إذا أخفقت الجهود التي يقودها ترمب، فإن الأوروبيين يدعون لتشديد العقوبات على موسكو، الأوروبية منها والأميركية، بعدّها الوسيلة المتبقية لإضعاف روسيا وإعادتها إلى طاولة المفاوضات.
ترمب: البحث عن رؤية أوضح
ما جاء على لسان ماكرون وكوستا، أكدته المصادر الأميركية التي نقل عنها موقع «أكسيوس» أن ترمب أبلغ زيلينسكي والقادة الأوروبيين أنه يسعى من خلال قمة ألاسكا مع بوتين إلى «التوصل إلى وقف لإطلاق النار في أوكرانيا، والحصول على فهم أفضل بشأن إمكانية التوصل لاتفاق سلام كامل»، وفق «أكسيوس». كذلك، طمأن ترمب محادثيه بأنه لا يمكنه اتخاذ قرارات نهائية بالنسبة لتخلي أوكرانيا عن بعض أراضيها، لكنه يعدّ أن أمراً كهذا «سيكون ضرورياً بوصفه جزءاً من اتفاق سلام مع روسيا».
ووفق ترمب، فإن بوتين وزيلينسكي «هما من يتوجب عليهما مناقشة مسألة الأراضي، وليس هو». وقال مصدر أوروبي في باريس إن الأوروبيين أخذوا يعدّون أن خسارة أوكرانيا لبعض أراضيها بعد أكثر من ثلاث سنوات من الحرب المدمرة «أمر لا بد منه»، خصوصاً أن القوات الأوكرانية تتراجع على الجبهات وتفتقد العنصر البشري لتغذية الآلة الحربية، وأن استعادة أراضيها بالقوة «يبدو أمراً غير واقعي بالنظر لميزان القوى» بين الطرفين المتقاتلين. كذلك أبلغ ترمب الأوروبيين أن أهدافه من لقاء بوتين الوصول إلى رؤية «أكثر وضوحاً» بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام شامل في أوكرانيا.
وسبق للرئيس الأميركي في مؤتمره الصحافي، الاثنين الماضي، أن وصف اجتماعه بنظيره الروسي بـ«الاستشرافي». ما سبق يرهّص برغبة أميركية تصالحية إزاء الأوروبيين من جهة، وباستعداد أوروبي لتقبل المقاربة الأميركية مع محاولة «تليينها» للتقارب مع الأهداف الأوروبية. ولا يريد الأوروبيون القطيعة مع ترمب لأن ثمنها سيكون باهظاً. وسبق لنائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس، الذي شارك في اللقاء، أن أبلغ الأوروبيين أن دافع الضرائب الأميركي سيتوقف عن تمويل مشتريات السلاح لأوكرانيا، ما يعني عملياً أن الدعم الأميركي العسكري والمالي لكييف سيتوقف، ومن ثمّ سيكون على الأوروبيين، وحدهم، تحمل هذا العبء الثقيل وهم غير راغبين بتحمله.