بحث وفد من وزارة الدفاع التركية مع مسؤولين في الإدارة السورية في دمشق التعاون في القضايا الدفاعية والأمنية وفي مجال مكافحة التنظيمات الإرهابية.
في الوقت ذاته طالبت منظمة «هيومن رايتس ووتش» تركيا بردع الفصائل السورية الموالية لها عن ارتكاب «جرائم حرب» مفترضة خلال عملياتها ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في محور سد تشرين – شرق حلب.
وأعلنت وزارة الدفاع التركية أن وفداً عسكرياً تابعاً لها أجرى زيارة لسوريا، الأربعاء، لمناقشة قضايا الأمن والدفاع ومكافحة الإرهاب.
مباحثات عسكرية مع دمشق
وقال مستشار العلاقات العامة والإعلام بالوزارة، زكي أكتورك، في إفادة صحافية أسبوعية، الخميس، إن الوفد التركي أجرى مباحثات فنية في دمشق، مؤكداً أن تركيا ستواصل الوقوف إلى جانب الشعب السوري في المرحلة المقبلة كما فعلت حتى اليوم.
ولفت إلى أن سوريا ظلت لسنوات طويلة تحت حكم قائم على القمع والظلم، وأن جزءاً من أراضيها لا يزال محتلاً من التنظيمات الإرهابية، في إشارةٍ إلى «وحدات حماية الشعب» الكردية، التي تقود قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وتعدها أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني، المصنف منظمة إرهابية لدى تركيا وحلفائها الغربيين، فيما تدعمها أميركا بوصفها حليفاً في الحرب ضد تنظيم «داعش» الإرهابي.
وقال أكتورك: «نؤكد مرة أخرى أننا سنستمر في اتخاذ تدابير وقائية وتدميرية ضد جميع التنظيمات الإرهابية، وبخاصة حزب العمال الكردستاني، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري، ووحدات حماية الشعب الكردية (قسد)، و(داعش)، التي تهدد وحدة سوريا إدارياً وجغرافياً، وكذلك تهدد السلام والأمن في بلدنا ومنطقتنا».
الحرب على المسلحين الأكراد
وشدد على أن تركيا لن تسمح بوجود أي كيان إرهابي أو فرض أمر واقع في المنطقة، وستواصل أعمالها بالتعاون الوثيق مع الإدارة السورية الجديدة لتعزيز القدرات الدفاعية والأمنية لسوريا، ولضمان عودة اللاجئين السوريين بطريقة طوعية وآمنة وكريمة.
بدوره، قال أحد مسؤولي وزارة الدفاع التركية الذي شارك في الإفادة الصحافية، إن وفد وزارة الدفاع التركية بحث في دمشق ملفات التعاون الدفاعي والأمني، وبخاصة التعاون في النضال المشترك ضد المنظمات الإرهابية التي تشكل تهديداً لكل من سوريا وتركيا، مضيفاً: «ستستمر مفاوضاتنا في إطار الاحتياجات التي سيتم تحديدها».
وأضاف المسؤول العسكري التركي: «أعلنّا أنه بعد أن تصبح أجهزة الدولة في سوريا فعّالة، سنلتقي نظراءنا لإقامة تعاون في مجال الدفاع والأمن، ومن ثم تقديم الدعم اللازم وفق خريطة الطريق التي سيجري إعدادها، وكانت الاتصالات مستمرة بين الإدارة السورية وقادة وحداتنا العسكرية الذين يخدمون في الميدان السوري منذ البداية».
وأكد أهمية زيارة وفد وزارة الدفاع لدمشق، الأربعاء، بوصفها أول زيارة وأول اتصال على مستوى رفيع من الوزارة مع الإدارة السورية، وتبادل وجهات النظر معها حول قضايا الدفاع والأمن ومكافحة الإرهاب.
وخلال زيارة الوفد العسكري التركي دمشق، التقى وزير الدفاع بالإدارة السورية مرهف أبو قصرة، ورئيس هيئة الأركان علي النعسان، بعد زيارة قام بها وفد من الإدارة السورية ضم وزراء الخارجية والدفاع ورئيس جهاز المخابرات، لأنقرة في منتصف يناير (كانون الثاني) الحالي، أجروا خلالها مباحثات مع نظرائهم حول التعاون بين الإدارة السورية وتركيا في مختلف المجالات، واستقبلهم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
وتسعى تركيا إلى إنهاء وجود الوحدات الكردية بالتعاون مع الإدارة السورية، في ظل استمرار رفض «قسد» حل نفسها والاندماج ضمن الجيش السوري الموحد، كما تسعى لأن تتولى الإدارة السورية مسؤولية حراسة السجون التي يوجد بها عناصر تنظيم «داعش» وأسرهم والتي تخضع لحراسة قسد، لإقناع أميركا بسحب قواتها ووقف دعم «قسد» بزعم التعاون ضد «داعش».
وقال أكتورك إن القوات المسلحة التركية تواصل عملياتها بشكل شامل ودون انقطاع للقضاء على خطر الإرهاب الذي يستهدف أمن واستقرار البلاد والمنطقة واجتثاثه من جذوره، وأن عملياتها في شمالي سوريا والعراق أسفرت خلال الأسبوع الأخير عن القضاء على 57 «إرهابياً»، فيما بلغ عدد من جرى القضاء عليهم منذ مطلع العام 278 «إرهابياً».
مباحثات مع روسيا وتصعيد مع «قسد»
في السياق، التقى كبير مستشاري الرئيس التركي للسياسة الخارجية والأمن، عاكف تشاغطاي كيليتش، مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، في القصر الرئاسي في أنقرة، الأربعاء.
وجرى خلال اللقاء بحث التطورات الإقليمية، لا سيما التطورات في سوريا في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد.
بالتوازي، شهد ريف عين العرب (كوباني) تصعيداً عسكرياً جديداً من جانب تركيا، واستهدفت طائراتها، ليل الأربعاء – الخميس، قرية التينة وجبال القصق ومحيط سد تشرين، في قصف جوي عنيف هزّ المنطقة.
وتعرضت قريتا أم الكيف والكوزلية، الواقعتان بمحاذاة طريق حلب اللاذقية الدولي (إم4) في بلدة تل تمر بريف الحسكة، لقصف مدفعي مكثف من القوات التركية وفصائل الجيش الوطني السوري الموالية لها.
كما استهدفت المدفعية التركية، من قاعدتي باب الخير والداودية بريف رأس العين ضمن منطقة «نبع السلام»، قرى مزرعة وخضراوي والأسدية بريف أبو راسين شمال الحسكة، مما ألحق أضراراً مادية كبيرة بمنازل المدنيين، ودفع بالكثير منهم إلى النزوح مؤقتاً هرباً من القصف العشوائي.
وطالبت الإدارة الذاتية (الكردية) في عين العرب (كوباني) المجتمع الدولي ومجلس الأمن باتخاذ إجراءات حازمة لردع تركيا لارتكابها «جرائم حرب» في شمال سوريا.
ورأت الإدارة، في بيان الخميس، أن تركيا «تمارس خرقاً واضحاً للقوانين الإنسانية والدولية؛ وذلك باستهداف قواتها قبل يومين بالطائرات المسيرة سوقاً شعبية وسط مدينة صرين، مرتكبةً جرائم ومجازر بحق أبناء المنطقة».
ولفتت إلى أن القصف أسفر عن فقدان 12 مدنياً لحياتهم بينهم طفلان، وإصابة 13 آخرين بجروح، فيما استهدفت، الأربعاء، منزلاً وسط مدينة عين العرب مما أسفر عن مقتل شخصين.
وطالبت الإدارة الذاتية بتحييد سد تشرين جنوب شرقي منبج بريف حلب الشرقي، عن الأعمال العسكرية، فيما تستمر، للشهر الثاني، الاشتباكات العنيفة والعمليات العسكرية في محيط سد تشرين جنوب شرقي مدينة منبج بريف محافظة حلب الشرقي، بين «قسد» والفصائل المدعومة من تركيا، مع استمرار قصف الطائرات الحربية والمسيرات والمدفعية التركية، مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والمصابين، معظمهم من المدنيين الذين أرسلتهم الإدارة الذاتية إلى شمال وشرق سوريا للاعتصام على جسم السد في محاولة لوقف الهجمات التركية.
تقرير حقوقي
وطالبت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، في تقرير لها، الخميس، تركيا بردع الانتهاكات التي ترتكبها فصائل الجيش الوطني السوري، بصفتها الداعم الرئيسي له، وإلا فإنها تخاطر بالتواطؤ في جرائمه.
وقالت المنظمة إن الغارة التي شنها تحالف تركيا و«الجيش الوطني السوري»، بطائرة مسيرة، وأصابت سيارة إسعاف تابعة لـ«الهلال الأحمر الكردي» في 18 يناير، شمال سوريا، هي جريمة حرب مفترضة.
وقال شهود إن الغارة أصابت سيارة إسعاف كانت تنقل فتاة مدنية جُرحت في غارة سابقة بمسيّرة في اليوم نفسه استهدفت متظاهرين قرب سد تشرين، وإن الهجمات يومها قتلت 6 مدنيين، بينهم ممثل كردي معروف، وجرحت قرابة 16 آخرين.
ونشر حساب تابع للجيش الوطني السوري، الذي تدعمه تركيا، فيديو صُوّر بمسيّرة للغارة على الأشخاص قرب السد، إلا أنّ «هيومن رايتس ووتش» لم تتمكن من تحديد ما إذا كانت الغارات بالمسيّرات قد نفّذتها «القوات المسلحة التركية» أو «الجيش الوطني السوري».
وقالت الباحثة الأولى في شؤون الشرق الأوسط في «هيومن رايتس ووتش»، هبة زيادين: «أظهر الجيش الوطني السوري والقوات التركية نمطاً واضحاً ومقلقاً يتمثل في الهجمات غير القانونية على المدنيين والأعيان المدنية، ويبدو أن الطرفين يحتفيان بهذه الهجمات، وبصفتها الداعم الرئيسي للجيش الوطني السوري، تركيا ملزمة بردع الانتهاكات التي يمارسها الجيش الوطني السوري، وإلا فإنها تخاطر بالتواطؤ في جرائمه».
وأشارت إلى أن سد تشرين أصبح نقطة محورية للقتال بين تحالف تركيا والجيش الوطني السوري وقوات «قسد» منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وتوقف السد عن العمل منذ 10 ديسمبر نتيجة تضرره في أثناء الاشتباكات، مما حرم نحو 413 ألف شخص من المياه والكهرباء في منطقتي منبج وكوباني (عين العرب).
وأضافت أنه منذ أواخر أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أدى القصف التركي على المناطق في شمال شرقي سوريا إلى انقطاع المياه والكهرباء عن الملايين. كما أدت الغارات المتكررة على البنية التحتية المدنية إلى تدمير كثير من المرافق الأساسية، بما في ذلك محطات المياه والطاقة الكهربائية ومنشآت النفط ومحطات الغاز، مما أدى إلى تعطل المستشفيات والمخابز ومرافق المياه.
وقالت المنظمة إن 4 هجمات على الأقل شنها تحالف تركيا والجيش الوطني السوري خلال يناير، أصابت متظاهرين قرب سد تشرين، مسفرةً عن مقتل 20 وجرح 120 آخرين، وفقاً لقوات «قسد» التي يقودها الأكراد والمدعومة من الولايات المتحدة والتحالف الدولي الذي تقوده ضد تنظيم «داعش» في سوريا والعراق المجاور.
ولفت التقرير إلى أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر حذَّرت «من أنه في حال تضرر سد تشرين، ستكون العواقب الإنسانية والدمار الناتج عن إطلاق مياه الفيضانات مدمِّرة، وقد تسبب أضراراً جسيمة بالبيئة».
وعبَّرت منظمة «أطباء بلا حدود» عن «قلقها العميق إزاء تصاعد العنف في شمال سوريا، بما في ذلك الهجمات التي طالت سيارات الإسعاف وأدت إلى مقتل عاملين في المجال الصحي»، داعيةً جميع الأطراف إلى احترام القانون الإنساني الدولي وحماية المدنيين والبنية التحتية الصحية.
عودة اللاجئين
على صعيد آخر، كشف وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، عن عودة 81 ألفاً و576 سورياً من تركيا إلى بلادهم بطريقة «طوعية، آمنة وكريمة» منذ سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر الماضي.
وتوقع زيادة أعداد السوريين العائدين إلى بلادهم مع نهاية العام الدراسي وحلول فصل الصيف، وأعلن نيته زيارة دمشق قريباً رفقة مسؤولين من الوزارة، لإجراء مباحثات مع مسؤولي الإدارة السورية حول القضايا الأمنية وتوفير الظروف الملائمة للعودة الآمنة للاجئين.