قالت صحيفة يديعوت أحرونوت إن 6 جنود إسرائيليين على الأقل انتحروا خلال الأشهر الأخيرة، وذلك في تقرير أعدته عن الوضع النفسي الهش للجنود الذين يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة بسبب حربهم في قطاع غزة ولبنان.
وذكرت الصحيفة أن الجنود المنتحرين هم من الذين قاتلوا مدة طويلة في غزة ولبنان، مشيرة إلى أن الرقم لا يعكس حقيقة ما وقع بشكل تفصيلي، بسبب رفض الجيش الإسرائيلي نشر العدد الكامل للجنود المنتحرين أو حاولوا الانتحار.
يذكر المحلل العسكري الإسرائيلي للصحيفة يوآف زيتون في تقريره أنه “تم قبول أكثر من 12 ألف جندي جريح كمعاقين منذ بداية الحرب؛ في كل شهر من العام الماضي تم استقبال حوالي 1000 معاق جديد، وهو ما يمزق اللحم الحي للقوة البشرية المقاتلة في الجيش الإسرائيلي”.
وفيما يقول زيتون إن جيش الاحتلال سينشر البيانات بنهاية العام، فإنه يضيف “عندما لا تلوح نهاية القتال في الأفق، فإنه بحسب تقديرات كبار المسؤولين في قسم إعادة التأهيل، فبحلول نهاية العام المقبل سيصل عدد معاقي الحرب إلى 20 ألفا!
وفي وصفه لحالة الجنود الإسرائيليين في الميدان يقول المراسل العسكري “تعرض آلاف الجنود والقادة للفظائع في جميع أنحاء غلاف غزة (إثر هجوم طوفان الأقصى)، وبعد بضعة أسابيع دخلوا القتال في غزة، ورأوا بجانبهم رفاقا وقادة قتلى وجرحى، وتعرضوا للدمار”.
وأضاف “لم يكن هذا في حرب مدتها شهر واحد في المتوسط، مثل معظم حروب إسرائيل، بل لمدة 14 شهرا”.
ويمضى في وصف الوضع الميداني للجنود، وقال “في هذا القتال العنيف يشارك فيه (جنود) صبية تتراوح أعمارهم بين 19 و20 عاماً، يواجهون أصداء الانفجارات، وطلقات الرصاص وروائح المعركة، والحياة في الميدان، دون مياه جارية ومراحيض، والحقيقة أنهم بالكاد رأوا منزلهم وعائلاتهم في العام الماضي”.
ويضيف “كل هذا يحرق في نفوس كثير من الجنود والقادة، حتى لو كانوا يخرجون للاستراحة والمرطبات بين الحين والآخر، وهذا وضع لم تواجهه إسرائيل في كل حروبها”.
كما ينقل زيتون عن ضابط يقود القوات الإسرائيلية في قطاع غزة وصفه للوضع الذي يعايشه جنود الاحتلال بالتالي: “إنها حفرة سوداء لا نهاية لها لأن العديد من المقاتلين المتحمسين يخجلون من الخضوع لعلاج طويل وكبير، وفي هذه الأثناء تتراكم لديهم ندوب مخفية يمكن التعبير عنها في نوبات غضب أو قمع صامت خلال فترة قصيرة”.
ويسترسل هذا الضابط بالقول “في المتوسط، تم تسريح عدد كبير من المقاتلين لأسباب عقلية. صحيح أن هذا من بين مئات الجنود الذين يخدمون في الفوج، لكن هناك العديد من الجنود الذين يريدون الخروج من القتال ويواجهون صعوبات مع القيادة وسلطات الصحة العقلية”.
الضغط على القوى البشرية
كما ينقل المحلل العسكري عن خبراء في جيش الاحتلال أن “التأثير الحقيقي على الجنود سيصبح واضحا بعد عودة الجيش إلى الروتين الجزئي وانتهاء القتال إلى حد كبير في الأسابيع القليلة الماضية، بعد أن يهدأ القتال في غزة”.
ويكشف عن مسؤول عسكري رفيع المستوى، قوله “إننا نشهد بداية زيادة في عدد الجنود المتقدمين للحصول على المساعدة النفسية، بما في ذلك في عيادات الصحة العقلية التي افتتحناها. هؤلاء هم آلاف الجنود، معظمهم من المقاتلين، الذين تحولوا في الآونة الأخيرة فقط، ونحن على استعداد للتعامل مع كميات أكبر في وقت لاحق. وقد تم تشخيص بعض منهم بالفعل بأعراض ما بعد الصدمة”.
وعن الحالة الصعبة التي يعيشها جنود الاحتلال، يكشف هذا المسؤول أنه “وفي حالة أخرى، والتي تعتبر متطرفة وغير عادية، أنهى ضابط مقاتل شاب حياته في منطقة القتال في غزة، أمام بعض مرؤوسيه، في حدث مؤلم لا يزال يتردد صداه في الوحدة”.
ووفقا لتقديرات مختلفة في الجيش الإسرائيلي، فإن حوالي 15% من المقاتلين النظاميين الذين غادروا غزة وتم علاجهم عقليا لم يتمكنوا من العودة إلى القتال بسبب الصعوبات التي يواجهونها، وهذا يثقل كاهل النقص في القوى البشرية في الألوية والكتائب، لأن الأمر لا يتعلق بالقتلى والجرحى فقط، بل أيضاً بالمصابين عقلياً.
ويختم التقرير بتعليمات لمن يواجهون أزمات نفسية في جيش الاحتلال، بالقول “إذا كنت أنت أو أي شخص من حولك في أزمة، وربما يكون لديك ميول انتحارية، فلا تبقى وحدك. تواصل مع المهنيين في المجتمع أو منظمات الدعم الوطنية”.
وبحسب “يديعوت أحرونوت”، فإن الجيش الإسرائيلي وعد بنشر البيانات نهاية العام، مشيرة إلى أن التعرض للفظائع والإرهاق وقسوة الظروف تدفع العديد من الجنود إلى حافة الانهيار.
وقالت إن آلاف الجنود لجؤوا بالفعل إلى العيادات الخاصة التي أنشأها الجيش الإسرائيلي، مضيفة أن ثلث المعاقين المعترف بهم يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، قبل أن تعلق بالقول إن “هذا ليس سوى البداية، حيث سيتضح مدى الانهيار العقلي للجنود إذا توقفت المدافع”.
البحث عن “مهرب” قانوني
ووفقا للعديد من الشهادات التي استندت إليها الصحيفة الإسرائيلية، فإن كل وحدة قاتلت في غزة أو لبنان تقريبا، تم تسريح عدد كبير من مقاتليها لأسباب عقلية.
وأضافت أن العديد من الجنود الذين يريدون الخروج من القتال يواجهون صعوبات مع القيادة وسلطات الصحة العقلية، بسبب النقص في عدد الجنود، وفي إحدى كتائب المشاة النظامية، بحث الجنود وأولياء أمورهم في جواز رفع دعوى ضد القادة على أساس عدم مراعاة الأعباء العقلية المفروضة على الجنود.
وسبق أن سلّطت صحف عالمية الضوء على الاضطرابات النفسية التي يعاني منها الجنود الإسرائيليون، حيث قالت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية إن مزيدا من حالات الانتحار ومضاعفات ما بعد الصدمة جرى تسجيلها في صفوف الجنود العائدين من القتال في غزة.
ونقلت الصحيفة روايات تصف هول ما عايشه الجنود الإسرائيليون في غزة، وذكرت أن الناجين من الموت متخوفون من استدعائهم مرة أخرى للقتال مع توسع الحرب إلى لبنان.
وحسب مكتب إعادة الإدماج التابع لوزارة الدفاع الإسرائيلية، وما نقلته وسيلة الإعلام الإلكترونية تايمز أوف إسرائيل، فإن حوالي 5200 جندي إسرائيلي أو 43% من الجرحى الذين يتم استقبالهم في مراكز إعادة التأهيل، يعانون من الإجهاد اللاحق للصدمة، مع توقع أن يتم “علاج حوالي 100 ألف شخص، نصفهم على الأقل يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة بحلول عام 2030”.