هشاشة العظام… نظرة حديثة وشاملة
تشير الأبحاث الحديثة إلى وجود ارتباط وثيق بين اضطرابات الدهون في الدم وهشاشة العظام، مما يستدعي اتباع نهج تكاملي يجمع بين الوقاية، والتشخيص، والعلاج.
مؤتمر طبي
وفي هذا الإطار، نظّمت الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع بالتعاون مع المركز الطبي الدولي (IMC) في جدة، وبدعم من شركة أمجِن الطبية (Amgen)، وتنظيم شركة فيكس (FEXC)، مؤتمراً طبياً بعنوان:
«الربط بين صحة القلب والعظام: مستجدات في إدارة فرط شحميات الدم وهشاشة العظام»
(Bridging Heart and Bone Health: Update on Hyperlipidemia and Osteoporosis Management).
وفي حديثه إلى ملحق «صحتك»، أوضح الدكتور أشرف أمير، رئيس المؤتمر ورئيس منتدى طب الأسرة بالمركز الطبي الدولي بجدة، ونائب رئيس الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، أن الهدف الرئيس من هذا اللقاء العلمي هو تسليط الضوء على أحدث المستجدات في إدارة فرط شحميات الدم وهشاشة العظام، مع التركيز على الدور المحوري الذي يؤديه طبيب الأسرة في الممارسة اليومية.
وأضاف الدكتور أمير أن هذا المؤتمر يجمع بين الخبرة السريرية والمعرفة المجتمعية، ويقدّم توصيات قائمة على الأدلة لدعم اتخاذ القرار العلاجي وتحسين النتائج الصحية، مشيراً إلى أن هذا الحدث العلمي يُعد محطة مهمة في مسيرة التوعية والتطوير الطبي في مجال طب الأسرة، حيث تلتقي علوم القلب والعظام في نقاش علمي ثري ومتكامل.
في هذا السياق، سنتناول هنا مشكلة هشاشة العظام بشكل موسّع، مع تسليط الضوء على العبء الصحي والاقتصادي لها في المملكة العربية السعودية، ودور أطباء الأسرة في مواجهتها والحد من تبعاتها. كما سنتطرق إلى أحدث العلاجات الدوائية لهشاشة العظام، والذي يُعد الوحيد من نوعه الذي يجمع بين تحفيز بناء الخلايا العظمية وتقليل تآكلها وامتصاصها، في نقلة نوعية على مستوى خيارات العلاج المتوفرة اليوم.
هشاشة العظام
في صمتٍ لا يُسمع، تبدأ العظام بفقدان كثافتها، ويتسلل الضعف تدريجياً إلى هيكل الجسد. لا ألمٌ يُنذر، ولا أعراضٌ تُنبه، حتى يقع أول الكسور.
هشاشة العظام ليست مجرد مرض، بل «وباء صامت» يُصيب الملايين حول العالم، ويهدد جودة الحياة خصوصاً لدى كبار السن والنساء بعد انقطاع الطمث.
في المملكة العربية السعودية، باتت هذه الحالة المزمنة تمثل تحدياً صحياً واقتصادياً متصاعداً، مع ازدياد معدلات الإصابة وارتفاع نسب الوفيات بعد الكسور الخطيرة، مثل كسر الورك. ومع ذلك، يبقى الكشف المبكر والتدخل العلاجي في الوقت المناسب قادراً على تغيير مجرى القصة بالكامل.
فما الأسباب الخفية لهشاشة العظام؟ وما أبرز عوامل الخطورة المرتبطة بها؟ وأدوات التشخيص الحديثة؟ وأحدث البروتوكولات العلاجية بما فيها الدواء الوحيد الذي يجمع بين بناء العظام وتقليل امتصاصها؟
تحدث إلى «صحتك» الدكتور بدر بن حمد، استشاري ورئيس قسم طب الأسرة في المركز الطبي الدولي بجدة والمتحدث الرئيس في المؤتمر، مشيراً إلى أن هشاشة العظام تُعد اضطراباً هيكلياً عاماً يصيب الجهاز العظمي ويزيد من خطر حدوث الكسور، مما ينعكس سلباً على معدلات المرضى والوفيات.
في المملكة العربية السعودية، أظهرت مراجعة منهجية حديثة أن هناك أكثر من 174000 حالة كسر مرتبطة بهشاشة العظام في عام 2019 فقط، مما أدى إلى عبء اقتصادي يفوق 2.3 مليار ريال سعودي.
عوامل الخطر والعبء الاقتصادي
> الأسباب وعوامل الخطورة:
– عوامل نمط الحياة: نقص الكالسيوم – نقص فيتامين دي – فرط تناول فيتامين إيه – قلة النشاط البدني – التدخين – تعاطي الكحول.
– عوامل لا يمكن تعديلها: الأعمار المتقدمة – الجنس، فالحالات لدى النساء أكثر من الرجال – تاريخ عائلي لكسور الورك – أمراض وراثية مثل: التليف الكيسي، وداء ترسب الأصبغة الدموية، وهشاشة العظام الخِلقية.
– أدوية مرتبطة بزيادة الخطورة: الكورتيزون (عن طريق الفم أو بجرعات عالية استنشاقياً) – مثبطات المناعة – الهيبارين طويل الأمد – الليثيوم، الألمنيوم – مثبطات الأروماتاز، مضادات الصرع والتشنجات – علاجات هرمونية.
– أمراض طبية مصاحبة: السكري من النوع الأول – أمراض الكبد – أمراض المناعة الذاتية مثل: الروماتويد – فرط نشاط الغدة الدرقية أو الجار درقية – الاضطرابات الغذائية – انخفاض الوزن – شلل الأطفال، الالتهاب المتعدد (MS) – الانسداد الرئوي المزمن – نقص فيتامين دي.
> العبء الصحي والاقتصادي لهشاشة العظام في المملكة العربية السعودية:
أشار الدكتور بن حِمد إلى أنه خلال العقد القادم، سيزداد تأثير هشاشة العظام على الفئات الضعيفة من السكان في السعودية بشكل كبير. لماذا؟
– في السعودية: 34 في المائة من النساء بعد سن اليأس مصابات بهشاشة العظام.
– بعد حدوث كسر في الورك: 27 في المائة من المرضى يتوفون خلال عام واحد في السعودية، مقارنةً بـ18 في المائة فقط في دول المنطقة.
– التكلفة السنوية الحالية لهشاشة العظام في السعودية: 636 مليون دولار أميركي، موزعة كالتالي: أدوية موصوفة بـ131 مليون دولار، وفحوصات بـ151.3 مليون دولار، وتكاليف المستشفيات بـ266.8 مليون دولار، والعمليات الجراحية بـ86.5 مليون دولار.
التشخيص
أوضح الدكتور بدر بن حِمد أن طبيب الأسرة يشكّل خط الدفاع الأول في اكتشاف هشاشة العظام، حيث يُعتمد عليه في الفحص المبكر والتشخيص باستخدام أدوات تقييم دقيقة تُسهّل اتخاذ القرار العلاجي المناسب.
> أولاً- أدوات التقييم للفحص المبكر:
– استخدام مؤشر (FRAX) السعودي: لتقدير وتقييم خطر الإصابة بالكسور، من دون الحاجة إلى فحص كثافة العظام (BMD) في الحالات ذات الخطورة المنخفضة. واستناداً إلى نتائج مؤشر FRAX في غياب قياس كثافة العظام (BMD)، يمكن للأطباء تصنيف خطر الإصابة بالكسور، وفقاً للجدول التالي:
لتصنيف خطر الإصابة بالكسور حسب مؤشر FRAX، يعتمد على تحديد مدى الخطر حسب المناطق «الخضراء» و«البرتقالية»، و«الحمراء»، ووصف الحالة، ثم تصنيفها ثم الإجراء الطبي لعلاجها.
. المنطقة الخضراء: المرضى الذين تقع نتائجهم تحت خط الحد الأدنى (LAT)، يُعدون في خطر منخفض، لا توجد حاجة لفحص BMD -يُكتفى بتعديل نمط الحياة (كالرياضة والتغذية).
. المنطقة البرتقالية: المرضى الذين تقع نتائجهم بين خطَّي (LAT) و(UAT)، يُعدّون في خطر متوسط؛ لذا يجب إجراء فحص BMD لهم ثم إعادة احتساب مؤشر FRAX بعد الفحص.
. المنطقة الحمراء: المرضى الذين تقع نتائجهم فوق خط الحد الأعلى للتقييم (UAT) يُعدّون في خطر عالٍ، لذا يجب بدء العلاج فوراً أو الإحالة إلى الإخصائي، إضافة إلى إجراء فحص BMD كـ«خط أساس» لمتابعة الاستجابة.
إن مؤشر (FRAX) يُسهم في فحص عدد أكبر من المرضى في وقت قصير، ويحظى برضاهم، كما أنه يقلل التكاليف من خلال تقليص عدد المرضى الذين يحتاجون إلى فحص BMD. ويساعد مؤشر (FRAX) هذا أيضاً الأطباء على تحديد الأفراد الذين يحتاجون إلى علاج هشاشة العظام ويعتمد على عوامل الخطر السريرية وكثافة المعادن في العظام (T- score + TBS).
– طلب فحص كثافة العظام (BMD): وذلك في الحالات متوسطة الخطورة أو كخط أساس للمتابعة. ويتم عمله للفئات المستهدفة من النساء ≥ 60 عاماً، والرجال ≥ 70 عاماً، أو في أعمار أقل عند وجود عوامل خطر. ويتم من خلال: استخدام الأشعة المقطعية للكثافة العظمية (DXA)، واستخدام مؤشر (≤ -2.5) T- score لتشخيص الهشاشة، واستخدام مؤشر TBS لتحليل البنية التربيقية للعظم.
> ثانياً- تحديث تشخيص هشاشة العظام:
يعتمد تشخيص هشاشة العظام على قيمة T- score في فحص كثافة العظام (BMD) بحيث تكون تساوي أو أقل من – 2.5 (≤ -2.5) في عنق عظم الفخذ، أو العمود الفقري القطني، أو نهاية عظم الكعبرة البعيدة.
كما يُعدّ المريض مصاباً بهشاشة العظام في الحالات التالية:
– وجود كسر في العمود الفقري أو الورك ناتج عن صدمة خفيفة بغض النظر عن نتيجة (BMD).
– مؤشر T- score بين -1.0 و -2.5 مع وجود كسر ناتج عن هشاشة.
– مؤشر FRAX مرتفع بناءً على الحدود الخاصة بالسعودية.
العلاج
أوضح الدكتور بدر بن حِمد أن علاج هشاشة العظام يعتمد على دمج التغييرات في نمط الحياة مع التدخلات الدوائية، بهدف تحقيق أفضل النتائج في الوقاية من الكسور وتحسين كثافة العظام.
> أولاً- أنماط الحياة والتغيرات السلوكية، وتشمل:
– الحصول على كميات كافية من الكالسيوم وفيتامين دي.
* استشاري طب المجتمع
– ممارسة النشاط البدني بانتظام.
– الإقلاع عن التدخين وتجنّب تعاطي الكحول.
– التوعية والإرشاد حول الوقاية من السقوط.
– يُنصح المرضى، إن أمكن، بتجنّب الأدوية التي تسهم في فقدان الكتلة العظمية، مثل الكورتيزون (Glucocorticoids).
> ثانياً- العلاج الدوائي:
– الأدوية المثبطة لامتصاص العظم (Anti- resorptive drugs)، مثل البايفوسفونات ودينوسوماب (Denosumab).
– الأدوية المحفّزة لتكوين العظم (Anabolic drugs)، مثل تيريباراتايد (Teriparatide).
> ثالثاً- العلاج الحديث – روموسوزوماب:
يُعد روموسوزوماب (Romosozumab) دواءً مبتكراً يعمل بآلية مزدوجة تشمل:
– تحفيز بناء العظم (زيادة نشاط الخلايا البانية).
– تقليل امتصاص العظم (تثبيط نشاط الخلايا الهادمة).
وقد أثبت فاعليته العالية مقارنةً بالعلاجات الأخرى، كما ظهر في ثلاث دراسات رئيسية: ARCH، وFRAME، وSTRUCTURE، التي شملت أكثر من 12000 امرأة مصابة بهشاشة العظام بعد انقطاع الطمث، حيث أظهر تحسناً ملحوظاً في كثافة العظام وانخفاضاً كبيراً في معدل الكسور الفقرية خلال 12 شهراً فقط.
أما موانع الاستخدام فهي أنه لا يُنصح باستخدام روموسوزوماب في الحالات التالية: وجود نقص في مستوى الكالسيوم في الدم (Hypocalcemia)، والإصابة بسكتة دماغية أو نوبة قلبية خلال العام الماضي.
> رابعاً- المتابعة العلاجية:
يُنصح بمتابعة المرضى بعد مرور عام على بدء العلاج، باستخدام مؤشرات كثافة العظام (BMD) أو مؤشرات الدوران العظمي (BTM)، لتقييم مدى الاستجابة وتعديل الخطة العلاجية إن لزم الأمر.
ختاماً، يتضح أن هشاشة العظام مرض مزمن يجب التعامل معه بوعي واستباق، من خلال التقييم المبكر والمبنيّ على الأدلة، ودمج العلاج الدوائي مع تغييرات نمط الحياة، والمتابعة المستمرة وتحديد العلاج الأنسب لكل مريض.