أعطى قادة دول الاتحاد الأوروبي الـ27 المجتمعون في بروكسل، يوم أمس الخميس، في قمة استثنائية بشأن أوكرانيا، الضوء الأخضر لخطة طرحتها المفوضية الأوروبية لزيادة الإنفاق الدفاعي، بحسب ما أفادت متحدثة باسم التكتل.
وبعد أسبوع على مشادته مع نظيره الأميركي دونالد ترمب في واشنطن، شكر فولوديمير زيلينسكي الأوروبيين أمس في بروكسل دعمهم كييف في وقت تقوّض فيه الولايات المتحدة التحالف بين جانبي الأطلسي، وتجمّد مساعداتها العسكرية لأوكرانيا.
وأكد المجلس الأوروبي الذي يضم رؤساء دول وحكومات الدول السبع والعشرين، “الحاجة إلى زيادة الإنفاق الدفاعي بشكل كبير”، بحسب نص إعلان مشترك لدول الاتحاد الأوروبي، الذي يتناول النقاط الرئيسية في الخطة التي تم الكشف عنها هذا الأسبوع، ويطلب من المفوضية الأوروبية ترجمتها بسرعة إلى مقترحات ملموسة.
زيادة الإنفاق العسكري
ويجري النظر في عدة خيارات، بينها إمكان قيام الدول الأعضاء بزيادة إنفاقها العسكري من دون أخذ ذلك في الاعتبار خلال احتساب عجزها، والذي يجب أن يقتصر من حيث المبدأ على 3% من إجمالي الناتج المحلي، حيث أكدت المفوضية الأوروبية أن هذه الإمكانية المقدمة للدول الأعضاء قد تتيح الإفراج عن نحو 650 مليار يورو على مدى أربع سنوات.
وكان الاقتراح ليثير احتجاجات بعض الدول الأعضاء التي تشعر بالقلق إزاء الاستقرار المالي في أوروبا، قبل بضعة أشهر، لكن الأولويات تتبدّل في أوروبا، حتى أنه وفي خطوة غير متوقعة، تدرس ألمانيا حاليًا خطة استثمارات ضخمة لتعزيز جيشها.
إلى ذلك، تريد المفوضية الأوروبية توفير حوالي 150 مليار يورو بشكل قروض للدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لشراء أسلحة أو للاستثمارات المشتركة، كما أخذت الدول الـ27 “علمًا” بهذه المبادرة وأشارت إلى أنها ستدرسها “كأولوية”.
ويتعين استخدام هذه الأموال للاستثمار المشترك، بين دولتين عضوين على الأقل، في المجالات حيث الاحتياجات أكثر إلحاحًا، مثل الدفاع الجوي، والصواريخ، والمسيرات وأنظمة مكافحة المسيرات، أو أنظمة المدفعية. كما أكدت فون دير لايين أنه بفضل هذه المعدات “ستكون الدول الأعضاء قادرة على زيادة مساعداتها لأوكرانيا بشكل كبير”.
وقال الرئيس الأوكراني مع انطلاق قمة استثنائية جمعت زعماء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي: “نحن ممتنون جدًا لأننا لسنا وحدنا. هذه ليست مجرد كلمات. نحن نشعر بذلك”.
الانقلاب الأميركي
وتتكثّف المناقشات والمبادرات في ظلّ انقلاب الوضع الجيوسياسي منذ عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.
وفي موسكو، رفضت الخارجية الروسية بشدّة فكرة وقف إطلاق نار مؤقت في أوكرانيا، التي أثارتها فرنسا خصوصًا، مطالبة باتفاقات حازمة بهدف “تسوية نهائية”.
وأكد مسؤول بريطاني أن لندن تتباحث مع حوالي 20 دولة “مهتمة” بالمساهمة في إحلال السلام بأوكرانيا. وأعلنت باريس من جهتها عن اجتماع الثلاثاء بين رؤساء هيئات أركان جيوش الدول الأوروبية المستعدّة لضمان وقف للأعمال القتالية في أوكرانيا.
وفي تناقض واضح مع صورته إلى جانب الرئيس الأميركي في البيت الأبيض، ظهر زيلينسكي في بروكسل محاطًا برئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا ورئيسة المفوضية أورسولا فون دير لايين اللذين أكّدا تصميمهما على دعم كييف.
وقالت فون دير لايين خلال افتتاح القمة: “تواجه أوروبا خطرًا واضحًا وقائمًا، وبالتالي يتعين عليها أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها، كما علينا منح أوكرانيا الوسائل اللازمة لحماية نفسها والعمل من أجل سلام عادل ودائم”، فيما حذّر المستشار الألماني أولاف شولتس من “سلام مفروض” على أوكرانيا، حيث يثير تقارب واشنطن مع موسكو مخاوف من فرض تسوية غير مواتية لكييف.
وفي تحول لم يكن ممكنًا تصوره في عقود، قررت ألمانيا استثمار مبالغ طائلة في قدراتها العسكرية، ودعت من أجل ذلك إلى إصلاح قواعد الميزانية الأوروبية المتشددة، ما فاجأ العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين بعدما كانت برلين تتمسك حتى الآن بنهج مالي صارم بشأن العجز.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاب متلفز إلى الفرنسيين الأربعاء: “أريد أن أصدق أن الولايات المتحدة ستبقى بجانبنا، لكن علينا أن نكون مستعدين إذا لم يكن الأمر كذلك”.
“الرهان الخطير”
وتعهد التكتل تقديم حوالي 30 مليار يورو لأوكرانيا خلال عام 2025، ولا ترى دول عدة ضرورة لزيادة هذا المبلغ في الوقت الحاضر، فيما تنوي النرويج زيادة مساعدتها لأوكرانيا في 2025 بمعدّل 50 مليار كرونة نرويجية (4,2 مليارات يورو) لترفعها إلى 85 مليار كرونة (7,2 مليارات يورو)، على ما أعلن الخميس رئيس الوزراء النرويجي يوناس غار ستوره.
لكن ليس هناك إجماع أوروبي على سبل التحرك. وفي هذا السياق، حذر رئيس الوزراء المجري القومي فيكتور أوربان المؤيد لترمب، من أي مقررات خطية بشأن أوكرانيا في نهاية القمة، في موقف يهدد بكشف الانقسامات بين الأوروبيين في العلن.
وقال دبلوماسي أوروبي ملخصًا الوضع: “الهدف بشأن أوكرانيا هو التوصل إلى اتفاق بين الأعضاء الـ27 جميعهم أو ما يقارب ذلك”، مؤكدًا “سنتقدم في مطلق الأحوال. المهم أن تحصل أوكرانيا على دعم”.
وأعلنت واشنطن الإثنين تجميد مساعدتها العسكرية لأوكرانيا وسط تقارب مع الكرملين، منذ المكالمة الهاتفية التي أجراها ترمب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في 12 فبراير/ شباط، فيما وصفت كبيرة المسؤولين عن السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس هذا القرار بـ”الرهان الخطير”.
ويشمل القرار الأميركي الذي يقوّض قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها أيضًا المعلومات الاستخبارية التي تعدّ أساسية للجنود في جبهات القتال.
نشر القوات الأوروبية
وبعدما قامت كييف بكثير من مبادرات التهدئة حيال الولايات المتحدة إثر المشادة بين زيلينسكي وترمب الأسبوع الماضي في المكتب البيضاوي، حين هدد الرئيس الأميركي بـ”التخلي” عن أوكرانيا، أعلنت الأربعاء العمل على مفاوضات جديدة مع الأميركيين.
وكان زيلينسكي عرض الثلاثاء هدنة مع روسيا في الجو والبحر، لبدء مفاوضات حول “سلام دائم” بـ”قيادة” ترمب، كما أبدى استعداده لتوقيع اتفاق إطاري مع الولايات المتحدة حول استغلال الموارد المعدنية الأوكرانية، وهو ما يطالب به الرئيس الأميركي.
ويطالب زيلينسكي حلفاءه الغربيين بضمانات أمنية متينة في إطار مفاوضات محتملة، لضمان عدم تعرض بلاده لهجوم روسي جديد في المستقبل.
وأعربت تركيا التي لديها ثاني أكبر جيش من حيث عدد الجنود في حلف شمال الأطلسي عن استعدادها لإرسال قوات إلى أوكرانيا، ضمن مهمات حفظ السلام إذا لزم الأمر، بحسب ما أفاد مصدر في وزارة الدفاع التركية الخميس. غير أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال إن موسكو لا ترى “أي مجال للتسوية” حول مسألة نشر قوات أوروبية لحفظ السلام في أوكرانيا.
تصعيد ماكرون
وأكد ماكرون أن موسكو “حولت النزاع الأوكراني إلى نزاع عالمي” مشددًا على أن “الوقوف متفرجين سيكون جنونًا”، كما اتّهم الرئيس الفرنسي ليل الخميس نظيره الروسي فلاديمير بوتين بأنّه “إمبريالي يحرّف التاريخ” ارتكب “مغالطة تاريخية”، عبر مقارنته سيد الإليزيه بنابليون بونابرت.
وقال ماكرون: إنّ “نابليون قاد فتوحات. القوة الإمبريالية الوحيدة التي أراها اليوم في أوروبا هي روسيا، وهو (بوتين) إمبرياليّ يحرّف التاريخ وهوية الشعوب”.
وأعلن ماكرون الخميس أنّ الفرنسيين “حلفاء أوفياء ومخلصون”، وذلك ردًا على تصريحات لترمب شكك فيها بالتزام فرنسا بالدفاع عن الولايات المتحدة في إطار حلف شمال الأطلسي.
وقال ماكرون: “كنّا دائمًا إلى جانب بعضنا بعضًا. نحن حلفاء أوفياء ومخلصون”، مشددًا على أنّ فرنسا تكنّ مشاعر “احترام وصداقة” للولايات المتحدة وقادتها و”يحق لها أن تُطالب بالمثل”.