تعهّد الرئيس السوري أحمد الشرع، اليوم الأحد، بمحاسبة كل من تورط في دماء المدنيين، بعد اشتباكات بين قوات وزارتي الداخلية والدفاع، ومجموعات مسلحة موالية للنظام السابق في المناطق الساحلية في غرب البلاد.
وفي خطاب بثه التلفزيون الوطني ونشر على وسائل التواصل الاجتماعي، اتهم الشرع، “فلول النظام السابق” وقوى أجنبية لم يسمها بمحاولة إثارة الاضطرابات.
“السوريون قادرون على العيش سويّة”
وقال: “اليوم، ونحن نقف في هذه اللحظة الحاسمة، نجد أنفسنا أمام خطر جديد، يتمثل في محاولات فلول النظام السابق ومن وراءهم من الجهات الخارجية، خلق فتنة جديدة، وجر بلادنا إلى حرب أهلية، بهدف تقسيمها وتدمير وحدتها واستقرارها”.
وكان الشرع قد قال في كلمة ألقاها صباح الأحد في أحد مساجد دمشق: إن “ما يحصل في البلد هو تحديات متوقعة”.
وأضاف أنه يجب الحافظ على الوحدة الوطنية، والسلم الأهلي قدر المستطاع، مؤكدًا أن السوريين قادرون على “أن نعيش سوية بهذا البلد”.
وكانت الرئاسة السورية قد أعلنت عن تشكيل لجنة مستقلة بهدف التحقيق في الأحداث التي وقعت في غرب البلاد، لافتةً إلى أنها تتألف من سبعة أشخاص.
وفي عظته الأحد، حثّ بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر، الرئيس السوري على “وقف هذه المجازر” و”إعطاء الشعور بالأمان والاستقرار لجميع أبناء سوريا بكل أطيافهم”.
وقال يوحنا العاشر: “كانت المناطق المستهدفة هي أماكن العلويين والمسيحيين”، وتابع: “قد سقط أيضاً العديد من القتلى المسيحيين الأبرياء”.
وأضاف البطريرك أن “أولئك القتلى ليسوا جميعهم من فلول النظام، بل إن غالبيتهم من المدنيين الأبرياء والعزَّل ومن النساء والأطفال”.
ورأى الباحث في مؤسسة “سنتشوري انترناشونال” آرون لوند أن المسلحين العلويين “لا يشكلون تهديدًا لسلطة الشرع، لكنهم يمثلون تحديًا محليًا خطيرًا”، مبديًا خشيته من أن يطلق التصعيد الأخير “العنان لتوترات من شأنها أن تزعزع الاستقرار بشكل كبير”.
تحدّيات تواجه الشّرع
وتشكّل المعارك مؤشرًا على حجم التحديات التي تواجه الرئيس السوري أحمد الشرع في بسط الأمن في عموم سوريا، مع وجود فصائل ومجموعات مسلحة ذات مرجعيات مختلفة بعد 13 عامًا من نزاع مدمر.
وفي حصيلة جديدة الأحد، كشف مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني أنّ عدد الضحايا منذ السادس من مارس/ آذار الجاري حتى الآن بلغ 642 قتيلًا.
وكشفت الشبكة الحقوقية أن المجموعات التابعة للنظام السابق “قتلت نحو 315 شخصًا منهم 167 شخصًا من قوات الأمن العام”، مشيرًا إلى أنها قتلت أيضًا نحو 148 شخصًا من المدنيين.
وعلى المستوى الدولي، نددت الأمم المتحدة وواشنطن وعواصم أخرى بهذه الانتهاكات، داعية السلطات السورية إلى وضع حد لها.
واليوم الأحد، أعلنت وزارة الداخلية إرسال تعزيزات إضافية إلى منطقة القدموس بريف طرطوس، بهدف ضبط الأمن وتعزيز الاستقرار وإعادة الهدوء إلى المنطقة.
وأوردت وكالة الأنباء السورية “سانا” عن مصدر في وزارة الدفاع قوله: “تجري الآن اشتباكات عنيفة بمحيط قرية تعنيتا بريف طرطوس، حيث فر إليها العديد من مجرمي الحرب التابعين لنظام الأسد البائد ومجموعات من الفلول المسلحة التي تحميهم”.
وأفاد مصور وكالة فرانس برس بدخول رتل مسلّح إلى منطقة بسنادا في محافظة اللاذقية وبوقوع عمليات “تفتيش للبيوت”.
“عمليات قتل طالت المدنيّين”
وشارك ناشطون مقاطع فيديو تظهر عشرات الجثث بملابس مدنية مكدّسة في باحة أمام منزل، وقرب عدد منها بقع دماء، بينما كانت نسوة يبكون في المكان، بحسب ما نقلت وكالة “فرانس برس”.
ويفيد سكان ومنظمات بين حين وآخر بحصول انتهاكات تشمل أعمالًا انتقاميةً بينها مصادرة منازل أو تنفيذ إعدامات ميدانية وحوادث خطف، تُدرجها السلطات في إطار “حوادث فردية” وتتعهد ملاحقة المسؤولين عنها. وأفاد سكّان في المنطقة الساحلية بغرب سوريا، بعمليات قتل طالت مدنيين.
من جانبها، حذّرت وزارة الإعلام السورية، الأحد، من حملات تحريضية، بهدف إثارة الفوضى ونشر التضليل، وذلك بحسب بيان نشرته الوزارة على قناتها الرسمية بموقع “تلغرام”.
وقال البيان: “تكثف جهات معادية (لم تحددها) حملاتها التحريضية، عبر وسائل الإعلام، بهدف إثارة الفوضى ونشر التضليل”.
وبينت الوزارة السورية أنها “رصدت خلال اليومين الماضيين، محاولات ممنهجة لإعادة تداول صور ومقاطع مصورة قديمة، يعود بعضها إلى سنوات سابقة وأخرى مأخوذة من خارج البلاد”.
وأردفت أن ذلك “بهدف التلاعب بالرأي العام، وتقديمها على أنها أحداث جارية في الساحل السوري، في محاولة واضحة لإثارة الفتنة وزعزعة الاستقرار”.
ودعت الوزارة، المواطنين إلى “التحلي بالوعي وعدم الانجرار وراء الأخبار المضللة، التي تستهدف النسيج الاجتماعي”.
وأكدت على “ضرورة الاعتماد على المصادر الرسمية للحصول على المعلومات الدقيقة، لما لذلك من أهمية في الحفاظ على الأمن والسلم الأهلي”.
كما طالبت الوزارة، وسائل الإعلام العربية والغربية بـ”التعامل بدقة ومصداقية مع الأحداث الجارية، وعدم الوقوع في فخاخ الشائعات، التي يتم ضخها على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل متصاعد وممنهج”.
وبدأ التوتر الخميس في قرية جبلة في ريف محافظة اللاذقية الساحلية على خلفية توقيف قوات الأمن لمطلوب، وما لبث أن تطوّر الأمر إلى اشتباكات بعد إطلاق مسلّحين النار.
وأرسلت السلطات تعزيزات إلى محافظتي اللاذقية وطرطوس المجاورة في الساحل الغربي حيث أطلقت قوات الأمن عمليات واسعة النطاق لتعقب موالين للأسد.
وتعد هذه الأحداث الأعنف التي تشهدها البلاد منذ الإطاحة بحكم الرئيس السابق بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول.