ماذا يحدث في البيت الدرزي؟ وهل ثمة صراع يطفو على السطح بين المرجعيات الدرزية؟
تتجه الأنظار إلى السويداء التي تعتبر معقل الأقلية الدرزية السورية منذ سقوط نظام الرئيس السابق بشّار الأسد، فبعيد دخول قوات المعارضة السورية العاصمة دمشق في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، احتفل مئات المواطنين الدروز في ساحة الكرامة رافعين أعلام الثورة.
وما هي إلا أربعة أشهر أو أقل حتى قام مواطنون دروز غاضبون بإنزال العلم السوري من فوق مبنى محافظة السويداء، رافعين صور الشيخ حكمت الهجري الزعيم الروحي للدروز، وصورة الشيخ موفق طريف زعيم الدروز في إسرائيل، وهتفوا بسقوط الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع.
في أثناء ذلك أصبح الهجري “بيضة القبّان” في ميزان المواقف التي قد تُتخذ بشأن مستقبل العلاقات بين الأقلية الدرزية في عمومها والسلطات السورية، من جهة وعلاقاتها مع إسرائيل من جهة أخرى.
ومن شأن أي موقف قد يتخذه بشأن إسرائيل في مقبل الأيام أن يؤثر على دروز العالم المنقسمين فعليًا إزاء إسرائيل ما بين مرجعية موفق طريف في إسرائيل، ومرجعية آل جنبلاط في لبنان.
سوريا موطن الأغلبية الدرزية
تقدّر أعداد الدروز في العالم ما بين 1،5 مليون – 1،8 مليون، يعيش ما بين (700 ألف – مليون) في سوريا، وما بين (350 – 400) ألف في لبنان، وحوالي 150 ألف في إسرائيل، ونحو 25 ألفًا في الأردن، و60 ألفًا في فنزويلا حيث تقيم أكبر جالية درزية في المهجر.
وتعتبر سوريا موطن ما بين 40 و50% من دروز العالم، يتوزعون على محافظة السويداء حيث يعيشون في نحو 120 قرية، كما يعيش عدد من الدروز في جبال حازم والمنحدرات الشرقية لجبل الشيخ، ومحافظة القنيطرة والجولان وريف دمشق وريف إدلب.
وقفة في ساحة الكرامة بالسويداء في 25 فبراير الماضي ضد التدخل الاسرائيلي-غيتي
وتعتبر مدينة السويداء أكبر مدن جبل العرب (بعد 100 كم جنوب مدينة دمشق) ويعيش فيها نحو 375 ألف مواطن درزي في السويداء أو جبل الدروز.
وكما يتوزع هؤلاء على عدد من الدول فإنهم يتوزعون على مرجعيات دينية محلية، ويعتبر الشيخ حكمت الهجري زعيمًا روحيًا لهم في سوريا.
الشيخ حكمت الهجري
ولد الهجري عام 1965 في فنزويلا، حيث كان والده يعمل، ولم يطل به المقام هناك إذ عاد في طفولته إلى بلاده- الأم سوريا، ودرس فيها. وفي عام 1990 تخرج من كلية الحقوق في جامعة دمشق، وما هي إلا سنوات حتى عاد إلى فنزويلا للعمل عام 1993، ومكث فيها نحو خمس سنوات قبل أن يعود إلى السويداء ويتسلّم الرئاسة الروحية للطائفة عام 2012، خلفًا لشقيقه أحمد الذي قضى في حادث سير ما زال يكتنفه الغموض.
ورث الهجري الزعامة الروحية بعد مصرع شقيقه في حادث سير غامض عام 2012-غيتي
شهدت زعامة الهجري الروحية موقفًا متدرّجًا من النظام السوري خلال الثورة الشعبية التي انطلقت عام 2011 ضد النظام، فبعد التزام بالحياد والتوجّس من مسارات الثورة والقوى القائمة عليها، وخصوصًا جبهة النصرة، تحوّل الهجري إلى تأييد نظام بشّار الأسد على خلاف زعامات روحية درزية أخرى.
• ففي مايو/ أيار عام 2014 أعلن الهجري تأييد الرئيس السابق بشّار الأسد في الانتخابات الرئاسية التي أجريت ذلك العام، وقال إنه يرى فيه “الخلاص لهذه الأمة”، وأن “علينا أن نكون أوفياء لمن سعى لبناء سوريا الحديثة، وبالأخص في العقود الأخيرة، لتصمد هذا الصمود، وليضعها في رتبة الدول ذات المصداقية وذات المكانة على المستوى الإقليمي والعالمي”.
• وفي 2015 طالب السلطات السورية بتسليح السويداء “في مواجهة المسلحين”.
• وفي 2018، دعا الهجري، شباب السويداء للالتحاق بالخدمة العسكرية في الجيش السوري.
• لكن موقف الهجري في تأييد النظام خضع لامتحان عسير عام 2021، حين تبيّن له أن نظام الأسد لا يقيم اعتبارًا لأحد، وأنه كان يُوظّفه لصالح النظام من دون أن يمنحه مزايا الشريك.
حين أهانه نظام الأسد
في يناير/ كانون الثاني من ذلك العام سعى الشيخ حكمت الهجري للتوسط لدى رئيس فرع الأمن العسكري في السويداء العميد لؤي العلي، للإفراج عن فتى في المحافظة (17 عامًا) كان معتقلًا في أحد سجون المخابرات السورية، فما كان من الأخير إلا أن وجه له سيلًا من الإهانات التي تجاوزته إلى الطائفة الدرزية وأهالي السويداء.
حادثة الإهانة تلك أشعلت غضبًا واسعًا في السويداء، فبينما هاجمت “الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين” مسؤولي النظام، قام عدد من سكان المحافظة بتمزيق صور الرئيس السابق بشار الأسد وإحراقها، وطالبوا بإقالة العلي وهدّدوا باقتحام فرع الأمن العسكري في المحافظة، مطالبين باعتذار رأس النظام نفسه.
وبعد ذلك بنحو شهر (في فبراير/ شباط 2021) قالت وسائل إعلام محلية إن الأسد اتصل بالهجري وأشاد بمكانته، مشدّدًا على عدم قبوله الإساءة للرموز الدينية، لكن من دون أن يستجيب لمطالب إقالة مدير فرع الأمن العسكري، ما جعل من حادثة الإهانة تلك منعطفًا شهد تحوّلات حادة في مواقف الهجري من التأييد للنظام إلى معارضته.
بدأ موقف الهجري بالتغيير تجاه نظام بشار الأسد بعد إساءة شخصية تعرض لها-غيتي
ففي ديسمبر/ كانون الأول 2021، أعلن الهجري تأييده لحراك محافظة درعا آنذاك، وأصدر بيانًا هاجم فيه بحدة نظام الأسد، وحمّله مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع من فقر وجوع وفلتان أمني، قائلًا “إلنا 11 سنة عم نرقّع وحان الوقت نمشي ع ضو”.
وأكد الهجري في بيانه على ما قال إنه “التناغم ورسوخ الأصالة والتآخي الصادق بين أبناء السويداء، وبين الصادقين الأوفياء في سهل حوران”، مشدّدًا على وقوفه “إلى جانب الإرادة الشعبية الأهلية الاجتماعية الأصيلة لهم، ضد كل مظاهر وظواهر الفساد والقتل والأذى، فجراحنا واحدة وآلامنا واحدة”.
انتفاضة السويداء
وشهد أغسطس/ آب 2023 احتجاجات واسعة في محافظة السويداء، طالب فيها المحتجون بإسقاط النظام السوري، وتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254، واعلن الهجري تأييده غير المشروط لتلك الاحتجاجات، ودعمه استمرارها “ليوم وأسبوع وشهر وعامين حتى الوصول إلى الهدف”، ما ساهم في زيادة شعبية الهجري التي أصيبت في مقتل في سنوات تأييد لنظام الأسد.
احتجاجات أغسطس 2023 في ساحة الكرامة ضد نظام الأسد-غيتي
وكان تأييد الهجري للأسد قد تسبّب في تراجع شعبيته في صفوف الطائفة، على الرغم من إرث عائلته الروحي في محافظة السويداء، كما تسبّب في خروج خلافاته مع المرجعين الدينيين الآخرين في السويداء، الشيخ يوسف جربوع والشيخ حمود الحناوي، إلى العلن، وانقسام الهيئة الروحية للدروز إلى هيئتين: الأولى تتمثل فيما يعرف بـ”الرئاسة الروحية بالقنوات، ويقودها الشيخ حكمت الهجري”، والثانية، مشيخة العقل بعين الزمان في السويداء ويمثلها الشيخان جربوع والحناوي.
تحفظات على العهد الجديد
ولا تعرف بعد تداعيات مواقف الهجري الأخيرة التي تتراوح ما بين التأكيد على وحدة سوريا، وتحفظاته على إجراءات النظام الجديد، ومنها تصريحاته في مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي التي رفض فيها “تسليم السلاح” والاندماج في جيش واحد يتبع وزارة الدفاع، إذ اعتبر ذلك “أمرًا مرفوضًا إلى حين تشكيل الدولة وكتابة الدستور لضمان حقوقنا”.
وقال الهجري في مقابلة صحافية في حينه: “لدينا هواجسنا من الوضع القائم”، داعيًا إلى “مراقبة دولية لتشكيل الدولة السورية تفاديًا لأي ثغرة في المستقبل تعيدنا إلى الوراء”، معتبرًا في مقابلة أخرى أن الهوية السورية “تجمعنا كلنا” تحت غطاء ما وصفه بالدستور المدني.
تسعى اسرائيل لاستغلال الورقة الدرزية لانشاء كانتون منفصل تابع لها-غيتي
وكان الهجري استقبل قبل أكثر من أسبوع وفدًا من مدينة جرمانا التي شهدت فوضى أمنية على خلفية قتل مسلحين من سكانها الدروز عنصرًا في قوات الأمن السورية، في مطلع الشهر الجاري، وأعقبتها تهديدات أطلقها وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس تعهد فيها بالدفاع عن الدروز في سوريا، وحذّر النظام الجديد من إيذائهم.
وخلال لقائه وفد أهالي جرمانا، أكد الهجري على أن الأولوية هي لوحدة سوريا أرضًا وشعبًا، وأنه لا توجد مطالب بالانفصال أو الانشقاق، و”لكننا أمام مرحلة من الفراغ، ولا بد من توحيد الصف على مستوى الطائفة أو السوري العام”.
وبعد ذلك بأيام علّق الهجري على أحداث الساحل التي اندلعت في 6 مارس/ آذار الحالي بالقول إن “النيران التي تشتعل تحت شعارات طائفية ستحرق كل سوريا وأهلها”.
دعوات للفيدرالية وشيطنة النظام
وتزامنت تصريحات الهجري مع دعوات صدرت عما يسمى تيار سوريا الفيدرالي المقرب منه، وتطالب بدولة فيدرالية، وتعتبر النظام الجديد غاصبًا للسلطة، كما جاء في تصريحات لحافظ الخطيب أحد مؤسسي هذا التيار الذي اعتبر وجود ما سمّاها “سلطة سلفية جهادية” سيكون عاملًا هدّامًا ومانعًا لأي بناء او تطوّر”.
والثلاثاء الماضي وقّعت الحكومة السورية اتفاقًا مع أهالي ووجهاء محافظة السويداء، يهدف إلى دمج المحافظة في مؤسسات الدولة السورية، من دون مشاركة ممثلين للشيخ الهجري.
لكن الإدارة السورية الجديدة توصلت بعد ذلك بيوم (الأربعاء) مع أطراف من السويداء إلى تفاهم، تضمن عدة بنود إجرائية أبرزها تفعيل الضابطة العدلية، وإعادة هيكلة الملف الأمني والشرطي ضمن وزارة الداخلية، وتنظيم الضباط والأفراد المنشقين والفصائل المسلحة ضمن وزارة الدفاع، إضافة إلى صرف الرواتب المتأخرة وإعادة النظر في قرارات الفصل التعسفي.
وجاء هذا وسط أنباء عن زيارة مرتقبة لنحو 100 شخصية درزية إلى هضبة الجولان للقاء الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل، وزيارة مواقع دينية هناك، وقالت مصادر للتلفزيون العربي إن رجال الدين الدروز السوريين الذين يعملون على تنسيق زيارة المناطق الدينية في إسرائيل هم من المناطق المحتلة حديثًا، وليسوا من السويداء كما تروّج إسرائيل.
وتابعت المصادر أن المرجعيات الوطنية والدينية في السويداء ولبنان تعمل على إحباط الزيارة أو التقليل من عدد المشاركين فيها بشكل كبير.
رغم أنهم تحت الاحتلال يتمسك الدروز في الجولان بهويتهم السورية-غيتي
كذلك أصدرت المرجعيات الدينية في قرية حضر السورية تحريمًا دينيًا على كل من يشارك في الزيارة المقررة يوم الجمعة، وأكّدت وجود إجماع لدى القوى الوطنية في الجولان المحتل المؤيدة للإدارة الجديدة والمعارضة لها على رفض الزيارة.
الهجري: سنذهب باتجاه ما يناسب الطائفة
لم يصدر أي موقف صريح من الشيخ الهجري على هذه الأنباء، رغم أن مراجع درزية أخرى لم تتأخر عن إدانة أي تقارب أو توجه نحو إسرائيل في الآونة الأخيرة.
لكن موقف الهجري شهد (الخميس) تحوّلًا حادًا تجاه الإدارة السورية الجديدة، من شأنه تعقيد التعامل مع الملف الدرزي محليًا وربما في دول الجوار.
وقال الهجري خلال لقاء مع أنصاره في السويداء إنه “لا وفاق ولا توافق مع السلطات في دمشق”، واصفًا الحكومة السورية بأنها “حكومة دمشق” وأنها “متطرفة ومطلوبة للعدالة الدولية” وأن “أي تساهل مع هذا الأمر نحن لا نقبله كسوريين”، وشدّد الهجري على أنه “سيذهب باتجاه ما هو مناسب للطائفة”، من دون أن يوضّح الوجهة التي سينتهجها، وما إذا كانت تحظى بإجماع بقية المرجعيات الدرزية السورية.