صدّقت الحكومة الإسرائيلية المصغرة على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى لتسارع وزارة القضاء الإسرائيلية إلى نشر قائمة بأسماء الأسرى الفلسطينيين الذين سيفرج عنهم في اليوم الأول.
لكن التصديق الإسرائيلي على الصفقة جاء وسط اختلافات واحتجاجات داخل حكومة اليمين بسبب رفض عدد من أقطابها هذا الاتفاق. وتصدّر وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير الغاضبين من الصفقة معلنًا استقالته وانسحاب حزبه من الائتلاف الحكومي، ورهن عودته بلحظة استئناف الحرب على غزة.
ومن جهته، يخوض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مباجثات مع رئيس حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش الذي عارض الصفقة وسط حديث عن تلبية عدد من شروطه لضمان بقائه في الحكومة. ومن أبرز هذه الشروط، عودة الجيش الإسرائيلي للقتال في القطاع والسيطرة على المساعدات الإنسانية.
خلافات نتنياهو وأقطاب اليمين
وتضاعف خلافات ومقايضات بين نتنياهو وأقطاب اليمين المتطرف الشكوك بشأن مدى جدية إسرائيل في المضي بجميع مراحل الصفقة وعدم استئناف الحرب من جديد. وتقود هذه المخاوف للسؤال عن الضمانات، خاصة الأميركية التي حصلت عليها حركة حماس بشأن إنهاء الحرب.
وتُثار هذه المخاوف بشأن موقف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب تحديدًا، والذي كان للضغط الذي مارسه دور بارز في إبرام هذه الصفقة، وما إذا كان سيمارس الضغط ذاته لكبح جماح اليمين الإسرائيلي المتطرف في استئناف الحرب بعد المرحلة الأولى من الاتفاق التي تبدأ الأحد وتمتد لـ42 يومًا.
وفي المقابل، يشدّد الوسطاء على أن تقود الصفقة إلى انسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من غزة ووقف نهائي للحرب، إضافة إلى زيادة كمية المساعدات في القطاع. كما شددّوا على أن إجراءات سيتم اتخاذها في الأيام المقبلة لتعزيز وتحصين هذا الاتفاق.
وتبعث هذه المواقف على الأمل لدى المواطنين في غزة لتكون الصفقة منطلقًا لنهاية العدوان الإسرائيلي الذي حصد أرواح عشرات الآلاف من الأهالي.
“غصة” إسرائيلية
وفي هذا السياق، يشير الباحث في مركز مدى الكرمل إمطانس شحادة إلى أن استطلاعات الرأي الأخيرة والتي نُشرت اليوم في صحيفة معاريف الإسرائيلية تظهر تأييدًا كبيرًا لصفقة وقف إطلاق النار في القطاع وتبادل الأسرى مع حماس.
ويعتبر في حديث إلى التلفزيون العربي من حيفا أن نتنياهو “اضطر لقبول صفقة لا تستجيب مع كافة الشروط التي أعلنها ولا سيما الشرط المتمثل بأن تؤدي بالضرورة إلى وقف الحرب وأن لا ينسحب الجيش الإسرائيلي بشكل كامل من قطاع غزة”.
واعتبر شحادة أن توقف الحرب في هذه المرحلة أدى إلى عدم تحقيق أهداف الحرب الإسرائيلية الإستراتيجية المعلنة ومنها القضاء على قدرات حماس العسكرية والإدارية وسيطرة إسرائيل بشكل كامل على قطاع غزة وعودة الأسرى الإسرائيليين”، لكن ما اتضح أن استعادة الأسرى لن يتم سوى من خلال اتفاق، حسب قوله.
لذا يرى شحادة أن الصفقة أحدثت “غصة إسرائيلية” لا سيما لنتنياهو الذي لم يعلّق علنًا عليها لأنه محرج أمام اليمين المتطرف ولأنه سيضطر لتبرير الإطالة في إبرام اتفاق ببنود عرضها في مايو/ أيار الماضي.
مخاوف فلسطينية وضمانات أميركية
من جهته، يرى الأكاديمي والباحث السياسي حسام الدجني أن لدى المقاومة والشعب الفلسطيني في قطاع غزة مخاوف بشأن مدى التزام إسرائيل ببنود الاتفاق.
ويشير في حديث إلى التلفزيون العربي من القاهرة إلى أن “المواطن الفلسطيني والفصائل يدركان أن نتنياهو الذي انقلب على اتفاق أوسلو ووفاء الأحرار والكثير من الاتفاقيات الدولية يمكن أن ينقلب على اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة”.
ويعتبر أن الظروف الموضوعية التي جاءت بهذا الاتفاق موجودة في المرحلة الثانية، لافتًا إلى أن ترمب سيواصل ممارسة الضغط بعد أن دفع بالاتفاق إلى الأمام.
ويشير إلى أنه ورغم الضربات التي تلقتها، نجحت المقاومة في تكبيد الاحتلال خسائر في صفوف جنوده. وفي المقابل تقتل إسرائيل المزيد من المدنيين ما يزيد من الضغط الدولي عليها.
الباحث السياسي يقول: “إن ترمب قدّم لنتنياهو وعودًا تتعلق بالسلام الإبراهيمي وبملف إيران النووي وبضم مناطق في الضفة الغربية”، مضيفًا أن “مضمون الصفقة هو انعكاس لفشل أهداف الحرب الإسرائيلية”.
“السلام عبر القوة”
وفي ما يتعلق بالموقف الأميركي، يعبّر الباحث السياسي جون روسماندو عن اعتقاده بأن “ترمب يريد أن يظهر السلام عبر القوة”، لافتًا إلى “أن الأمر يتطلب طرفين لتطبيق الاتفاق وبالتالي فعلى حماس أن تمتنع عن تكرار هجوم السابع من أكتوبر 2023”.
روسماندو يعتبر أن “الأمر يعتمد على حماس وموقفها من وقف إطلاق النار”. ويلفت إلى أن الضغط الأميركي سيستمر لتطبيق الاتفاق، مشيرًا إلى أن نتنياهو لن يكون لديه سبب للعودة إلى القتال.
كما يشير إلى أن “إدارة ترمب لا ترغب بعودة القتال في غزة إلّا إذا فرضت حماس هذه الظروف”، حسب قوله.