ندد رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي بـ«تقاعس» المجتمع الدولي حيال سيطرة مقاتلين مدعومين من رواندا على مناطق في شرق البلاد، محذراً من خطر «تصعيد» إقليمي. وقال تشيسكيدي في خطاب بثه التلفزيون الرسمي: «صمتكم وتقاعسكم (…) إهانة» لجمهورية الكونغو الديمقراطية، مضيفاً أن تقدم المقاتلين المدعومين من رواندا قد يؤدي «مباشرة إلى تصعيد» في منطقة البحيرات العظمى. وأضاف أن جيشه ينفذ «رداً قوياً ومنسقاً ضد هؤلاء الإرهابيين».
أما حركة «إم 23» فأكدت، الخميس، أنها ستتوجه نحو العاصمة كينشاسا وأنها تنوي «البقاء» في غوما التي تعد مركزاً تجارياً في المنطقة. وقال كورنيل نانغا، وهو قائد ائتلاف مجموعات تضم «إم 23»، للصحافيين في غوما: «سنواصل مسيرة التحرير وصولا إلى كينشاسا».
وسيطر متمردو الحركة على المزيد من البلدات في شرق الكونغو، الأربعاء، متجاوزين مدينة غوما الرئيسية في محاولة واضحة لتوسيع نفوذهم في المنطقة التي يمزقها الصراع. وتقدم المتمردون نحو وسط إقليم جنوب كيفو بعد سيطرتهم على عدة بلدات، من بينها كالونغو وموكوينغا، وفقاً لزعيم محلي في المجتمع المدني وعامل إغاثة في المنطقة، تحدثا لـ«وكالة الأنباء الألمانية» بشرط عدم الكشف عن هويتهما لعدم حصولهما على إذن بالتحدث إلى وسائل الإعلام.
وأعرب المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، عن قلق المنظمة إزاء التطورات الجارية، مشيراً إلى أنها تتخذ تدابير لحماية المدنيين وموظفي الأمم المتحدة. وأثار التقدم العسكري للمتمردين مخاوف من احتلال طويل الأمد، خاصة بعد إعلانهم عن خطط لإنشاء إدارة جديدة في غوما، المدينة التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة.
فيما رفض الرئيس الكونغولي الإقرار بالهزيمة، وحذر من مخاطر تصعيد «غير محسوب العواقب» في المنطقة، في ظل تقدم حركة «إم 23» المسلحة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، والتي تعهدت مواصلة القتال وصولاً إلى العاصمة كينشاسا.
وأثارت سيطرة الحركة المدعومة من الجيش الرواندي على غوما في أعقاب هجوم لم يستغرق سوى بضعة أسابيع، عدّة نداءات لوضع حدّ للمعارك وسحب القوّات الرواندية، من الولايات المتحدة وفرنسا إلى الصين، مروراً بالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وأنغولا.
وقبيل منتصف ليل الأربعاء، توجّه تشيسيكيدي الذي التزم الصمت منذ بداية الهجوم على غوما في خطاب إلى الأمّة عبر التلفزيون الوطني أقرّ فيه بـ«تصعيد غير مسبوق للوضع الأمني» في الشرق، لكنه سعى إلى «طمأنة» الكونغوليين. وأكّد رئيس الدولة، كما نقلت عنه «وكالة الصحافة الفرنسية»، أن «ردّاً حازماً ومنسّقاً يجري ضدّ هؤلاء الإرهابيين والجهات التي ترعاهم»، مشيداً بالقوّات الكونغولية المسلّحة رغم تراجعها الواسع أمام تقدّم عناصر «إم 23» بمؤازرة الجيش الرواندي. وندّد بـ«صمت» المجتمع الدولي و«تقاعسه» إزاء «همجية نظام كيغالي»، محذّراً من «تصعيد غير محسوب العواقب» في منطقة البحيرات العظمى.
وعلى الرغم من أن القوات الحكومية ما زالت تسيطر على جيوب بغوما، فإن السكان الذين تحدثت إليهم وكالة «أسوشييتد برس» هاتفياً، الثلاثاء، قالوا إن الحركة سيطرت على معظم المدينة. وقال رئيس رواندا بول كاغامي عبر منصة «إكس» إنه تحدث مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو حول «الحاجة لضمان وقف إطلاق النار ومعالجة الأسباب الجذرية للصراع للأبد».
وفتحت الحركة بالفعل جبهة جديدة في شرق البلد مع استيلائها، بحسب مصادر محلية، على بلدتي كينييزير وموكويدغا في إقليم جنوب كيفو، المجاور لشمال كيفو وعاصمته غوما. وفي ظلّ هذا الزحف الجديد نحو الجنوب الذي لم يؤكّده الجيش الكونغولي ولا حكومة كينشاسا بات إقليم جنوب كيفو، بعاصمته بوكافو ومطاره الصغير، مهدّداً.
وصرّح السفير الرواندي في منطقة البحيرات العظمى فانسان كاريغا بأن الحركة «ستواصل» التقدّم في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وإلى أبعد من ذلك، متطرّقاً حتّى إلى احتمال الاستيلاء على السلطة في العاصمة كينشاسا في الطرف الآخر من البلاد.
والأربعاء، إثر اجتماع عبر الإنترنت عُقد بمبادرة من كينيا، «حضّت» جماعة دول شرق أفريقيا «بشدّة» جمهورية الكونغو الديمقراطية على «الانخراط في حوار»، خصوصاً مع حركة «إم 23»، وهو ما رفضته كينشاسا. وشارك الرئيس الرواندي بول كاغامي في الاجتماع، في حين ردّ نظيره الكونغولي الدعوة.
ولم تأت المبادرات الدبلوماسية التي أطلقت في مسعى إلى تسوية النزاع الممتدّ إلى أكثر من ثلاث سنوات بنتيجة حتّى الساعة.
وصباح الخميس، أعلنت الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي التي أوفدت في نهاية 2023 بعثة سلام لدعم القوّات الكونغولية في وجه عناصر «إم 23» عن قمّة استثنائية، الجمعة، في هراري، عاصمة زيمبابوي لمناقشة الوضع «المقلق» في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وأفادت مصادر حكومية كونغولية بأن وزير الخارجية الفرنسية جان نويل بارو يزور العاصمة كينشاسا، الخميس، في مسعى إلى احتواء الأزمة. وسيكون له لقاء مع الرئيس فيليكس تشيسيكيدي، بحسب مصدر في الرئاسة.
وقالت مجموعة الأزمات الدولية إن «استمرار القتال دون رادع قد يؤدي إلى اتساع رقعة الصراع… مما يعيد إلى الأذهان الفظائع التي حدثت في أواخر التسعينات وأوائل الألفية، عندما قتل الملايين»، في إشارة إلى الحرب متعددة الأطراف التي شهدتها المنطقة آنذاك.
وشاهد مراسل «وكالة الأنباء الألمانية» في غوما مقاتلي «إم 23» يجمعون أفراد القوات الحكومية الكونغولية وحلفاءهم من ميلشيا وازاليندو
في استاد المدينة، حيث يأخذ أفراد الحركة الأسلحة من منافسيهم. وبدا الجيش الكونغولي في حالة فوضى، وبدا أن الجنود على الحدود غير
منظمين وينقصهم العتاد لخوض القتال. وقال جان ماري نداهامبازا، أحد الجنود الذين استسلموا: «يشبه الأمر أنك تقاتل دون قيادة».
ويحاول مئات الآلاف من سكان غوما الفرار من القتال، حيث تراجع بعضهم إلى مناطق داخلية في الكونغو الديمقراطية لطلب الحماية، وعبر آخرون إلى رواندا القريبة. وفتش عملاء دوريات الحدود برواندا متعلقات الرجال والنساء والأطفال بشكل تام. واعتنى الصليب الأحمر الرواندي بعد ذلك بالوافدين، الذين بدا عليهم الإرهاق لكنهم تنفسوا الصعداء.