مع دخول عمليات معركة “ردع العدوان” يومها الثالث، أعلنت الفصائل المعارضة السورية دخول مقاتليها مدينة حلب، بالتزامن مع اشتباكات عنيفة مع النظام في عدد من الأحياء.
وتأتي التطورات الأخيرة، بعدما أعلنت إدارة العمليات العسكرية التابعة للمعارضة سيطرتها على ريف حلب الغربي بالكامل إثر معارك ضارية مع قوات النظام السوري وحلفائها، في وقت تؤكد سيطرتها على عشرات القرى والنقاط العسكرية في ريفي حلب وإدلب.
ويحدث كل ذلك في وقت اعتبرت فيه روسيا أقوى حلفاء النظام السوري أن ما حصل حتى اللحظة من جانب الفصائل المسلحة في السيطرة على مساحات في مدينتي حلب وإدلب وريفهما يعد “انتهاكًا للسيادة السورية”، مطالبة النظام باستعادة السيطرة في أقرب وقت ممكن.
معركة “ردع العدوان”
أما إيران، فقالت عبر وزير خارجيتها عباس عراقجي: إن “إسرائيل والولايات المتحدة من يقف وراء هجمات الفصائل المسلحة في سوريا”.
بينما قالت الخارجية التركية إن ما يحدث في شمال سوريا من اشتباكات أدت إلى تصعيد غير مرغوب فيه بالمنطقة، مشددة على عدم تعرض المدنيين للأذى.
ومعركة ردع العدوان، هي عملية عسكرية أطلقتها فصائل المعارضة السورية المسلحة في شمال غربي سوريا، كأول اختراق لخطوط التماس في مدينة إدلب منذ الاتفاق التركي الروسي لوقف إطلاق النار في مارس/ آذار 2020.
وأهداف العملية العسكرية، بحسب فصائل المعارضة، كسر مخططات النظام عبر توجيه ضربة استباقية، والدفاع عن المدنيين في وجه تهديد حشود النظام وإعادة المهجرين، علاوة على إبعاد نفوذه والميليشيات عن مناطق سيطرة المعارضة بشمال غربي سوريا.
ما أسباب تقدم فصائل المعارضة السورية؟
وفي هذا الإطار، أرجع الباحث في “مركز الشرق للسياسات” سعد الشارع تقدم فصائل المعارضة السورية إلى 3 أسباب، الأول يتمثل بحالة الانضباط، ليس فقط على الصعيد العسكري، بل أيضًا على الصعيد الإعلامي واللوجستي، وإغاثة المدنيين.
وأضاف في حديث للتلفزيون العربي من إدلب، أن المعارضة تتمتع بإدارة جيدة وقوية غير مسبوقة، مكنتها من ترتيب الوضع العسكري أكثر، مشيرًا إلى أن طريقة العمليات العسكرية التي نفذتها المعارضة كانت مختلفة عن السابق.
أما السبب الثاني، حسب سعد الشارع، فهو غياب جزئي في الدور الروسي، من خلال الطيران، ما ساعد في عمليات التوغل السريعة التي نفذتها فصائل المعارضة السورية.
وتابع أن السبب الثالث، فيعود إلى ارتباك الحالة العسكرية للنظام السوري، مشيرًا إلى غياب العقيدة العسكرية لجيش النظام، بالإضافة إلى تهالك العديد من القطع العسكرية التي بحوزته، ناهيك عن غياب أي عمليات تدريب أو تطوير في صفوف هذا الجيش.
وأشار سعد الشارع إلى أن عمليات التوغل السريعة غير المسبوقة، وعمليات الالتفاف على النقاط العسكرية، ومحاولة الابتعاد عن الصدام المباشر مع القوى الدفاعية، بالإضافة إلى عمليات المباغتة، مكنت فصائل المعارضة من السيطرة على بلدات كثيرة.
وأردف إلى أن عملية ردع العدوان أنهت أي تفاهمات موجودة على أقل تقدير في الشمال السوري، لافتًا إلى أن المنطقة التي تم السيطرة عليها تعادل مساحة إدلب مرتين، وتتسع لعدد كبير من النازحين واللاجئين.
تحضير جيد لعملية “ردع العدوان”
من جهته، أوضح الخبير العسكري والإستراتيجي عبد الله الأسعد، أن الخلافات التي كانت تقع بين فصائل المعارضة السورية كانت نتيجة غياب العمل، موضحًا أن هذه الفصائل ليست جيشًا نظاميًا، وإنما عبارة عن جيش شُكل من أجل الدفاع عن الأهالي في كل المحافظات السورية.
وفي حديث للتلفزيون العربي من اسطنبول، أضاف الأسعد أن تحضير فصائل المعارضة السورية لعملية “ردع العدوان” كان جيدًا على كل المستويات، سواء قتاليًا أو تنظيميًا أو لوجستيًا، أو من حيث اختيار محاور الهجوم الرئيسية باتجاه مدينة حلب.
وتابع أن النقاط التي سيطرت عليها فصائل المعارضة خلال عملياتها تدل على أن هناك روحًا معنوية منخفضة جدًا لقوات النظام السوري نتيجة ضعف الجاهزية القتالية، بالإضافة إلى توجه الميليشيات الإيرانية التي تم استكمال بها نقص جيش النظام السوري إلى جنوب لبنان، وفق قوله.
وأوضح الأسعد أن انهيار قوات النظام السوري التي تملك دبابات وعتادًا عسكريًا يدل على أن عناصره غير مدربين جيدًا، وليس لديهم أي خلفية، وغير مؤمنين بما يقوم به جيش النظام، والميليشيات المتعددة الجنسيات.
ضعف في جبهة “تحالف النظام السوري”
من ناحيته، أشار مدير وحدة الدراسات السياسية في “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” مروان قبلان إلى أن جبهة تحالف النظام السوري اعتراها ضعف شديد خلال السنوات الثلاث الماضية، بدءًا من الهجوم الروسي على أوكرانيا، والحرب الإسرائيلية على لبنان.
وفي حديث للتلفزيون العربي من الدوحة، أرجع قبلان بطء التجاوب الروسي في التعامل مع عمليات المعارضة السورية إلى انخفاض أعداد الطائرات الحربية.
وأشار إلى أن الحرب الإسرائيلية على لبنان أثرت أيضًا على المشهد، حيث دفعت جزءًا كبيرًا من عناصر حزب الله إلى الانسحاب من سوريا، بالإضافة إلى تعرض الوجود الإيراني لهجمات متكررة من قبل تل أبيب.
وذكر قبلان أن فصائل المعارضة السورية تعد منذ بضعة أسابيع لهجوم على قوات النظام للاستفادة من ضعف حلفاء النظام وحالة الإنهاك التي اعترت هذا الأخير.
وتحدث أيضًا عن حالة جمود في الملف السوري، وعدم تجاوب النظام مع المساعي التركية لكسر حاجز الجمود من خلال فتح مسار سياسي يؤدي ليس فقط إلى تطبيع العلاقات بين النظام وتركيا، بل إلى فتح مسار سياسي يؤدي إلى حل للأزمة المستمرة في البلاد منذ سنوات.
وأعرب قبلان عن اعتقاده أنه كان لا بد من تحرك على الأرض لإقناع النظام السوري بأنه يعيش في عالم من الأوهام، إذا كان يعتقد فعلًا أنه انتصر في هذه المعركة، وأنه لا يحتاج إلى تقديم تنازلات، وأنه يمكنه أن يراهن على عامل الوقت، وأن يحقق تقدمًا في تطبيع علاقاته مع الدول العربية.
وقال قبلان: “لا يمكن لهذه العملية، بمثل هذا الحجم، أن تنطلق دون أن يكون هناك عامل تركي”، موضحًا أن “هذه ليست عملية مناوشات أو صغيرة، بل هي عملية كبيرة”.
وفيما رأى أن سقوط حلب ليس قرارًا محليًا في شمال غرب سوريا، قال قبلان: “يجب أن يكون هناك ضوء أخضر تركي أو عدم ممانعة تركية، لأن الأتراك يرون أن هذه هي الفرصة المناسبة لتغيير المعادلات على الأرض في سوريا ودفع النظام إلى الرضوخ”.