لا يتوقف الجدل الذي يثيره الرئيس الأميركي دونالد ترمب مكررًا رغبته في ضم جزيرة غرينلاند التابعة للدنمارك، وقناة بنما التابعة لجمهورية بنما.
وبالإضافة إلى غرينلاند، يطرح ترمب فكرة اللجوء للقوة الاقتصادية لجعل كندا تنضم إلى الولايات المتحدة الأميركية، كما يشن حرب ضرائب على عدد من دول أميركا اللاتينية، وإن كان بعض المراقبين يعتبر ذلك طريقة تفاوضية لدفع هذه الدول كي تقدّم تنازلات في بعض الأمور مثل الصفقات التجارية والإنفاق الدفاعي.
وفي الوقت نفسه يبدو أن الرئيس الأميركي بدأ بالفعل حربًا اقتصادية ناعمة ضد الصين، وزيادة الضغوط عليها، رغم أن تحركاته تثير حيرة حلفائه، خاصة بعد تصريحاته التي أعقبت مكالمته الأولى مع الرئيس الصيني، وأقرّ فيها أنهما تطرقا إلى حل العديد من القضايا، وفي مقدمتها تحقيق التوازن التجاري ومصير تطبيق “تيك توك” داخل الولايات المتحدة.
ترمب ونظيره الصيني في قمة العشرين بأوساكا عام 2019-غيتي
ويتناقض ذلك مع سلوكه الحالي بفرض إجراءات أكثر صرامة ضد بكين، واتهامها باعتماد ممارسات تجارية غير عادلة ومدمرة للأميركيين.
ويبدو أن حالة من الحيرة والتوتر تسود بين حلفائه، مع عودته الثانية إلى البيت الأبيض، فالرئيس الأميركي يكرّر تصريحاته التي يطالب فيها بضرورة زيادة الإنفاق العسكري لدول الناتو، مهددًا بعدم ضمان حمايتهم.
يتزامن هذا مع تصريحاته التي يرى فيها أن أوكرانيا تخسر الحرب مع روسيا، وأنه لا بد من الوصول إلى تسوية مع فلاديمير بوتين، ما يثير قلق أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) بشأن تأثير ذلك على فعالية الردع المشترك ضد الزعماء المعادين.
قلق وترقب
في هذا الإطار، يرى بيتر روف، الكاتب في مجلة “نيوزويك” الأميركية وعضو الحزب الجمهوري، أن هناك من يدعم ترمب في خططه التي تحدث عنها فيما يخص قناة بنما وغرينلاند وسواها، بينما هناك من يشعر بالذعر بسببها.
وقال روف للتلفزيون العربي من واشنطن إن دولة بنما نفسها ما كانت لتوجد لولا الولايات المتحدة التي دعمت إنشاءها، وإن الاتفاق الخاص بقناة بنما يمنح الأميركيين الحق في استعادتها في أوقات التوتر والأزمات والحروب.
وبالنسبة لغرينلاند، يوضح روف أن هناك عدة أسباب تدفع واشنطن لشراء الجزيرة، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة لا تعتزم السيطرة عليها بالقوة مثلما تفعل روسيا بل شراءها، نافيًا أن تكون إدارة ترمب تخطط لضم كندا، لافتًا إلى أن حديث ترمب عن كندا كان نوعًا من المزاح ليس أكثر.
“الصين ورسيا رابحتان”
من جهته يبدي رفاييل بوسونغ، كبير الباحثين في المعهد الألماني للشؤون الدولية حذرًا في التنبؤ بتصرفات دونالد ترمب، وإن لم يمنعه هذا من التنبيه إلى ضرورة اتخاذ الاتحاد الأوروبي سياسة موحدة وأكثر صرامة في التعامل مع الرئيس الأميركي في ولايته الثانية.
ويوضح بوسونغ أن الولايات المتحدة لا يمكنها تجاهل الاتحاد الأوروبي ككتلة اقتصادية قوية، ويرى في حديثه للتلفزيون العربي أن على ترمب الذي يفضل التعامل مع دول الاتحاد الأوروبي منفردة لا باعتبارها جزءًا من تكتل موحد، أن يعرف أن الانقسامات داخل المعسكر الغربي تمنح الصين وروسيا المجال للمضي قدمًا في سياساتهما القائمة على القوة.
ويخلص بوسونغ إلى أن على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التركيز على المشترك بينهما والروابط التاريخية المشتركة في علاقاتهما في عهد ترمب، لتفويت الفرصة على الصين وروسيا.
قلق في أميركا اللاتينية
وبخصوص دول أميركا اللاتينية في إستراتيجيات ترمب، يقول فيكتوريوس بيان شمس الصحافي المختص في شؤون أميركا اللاتينية من سان باولو للتلفزيون العربي، إن دول المنطقة تشعر بالقلق من وصول ترمب للرئاسة، وهو أثار انزعاجها منذ توليه منصبه، بقراره الخاص بترحيل المهاجرين.
ملف تعامل ترمب مع المهاجرين يثير غضب دول عدة في أميركا اللاتينية-غيتي
وقال بيان شمس إن طريقة ترحيل مواطني هذا الدول المهينة دفعت بعضها مثل البرازيل وكولومبيا والمكسيك وغواتيمالات لإرسال طائرات تابعة لها لإعادة مواطنيها، بل إن الرئيس الكولومبي أصر على عودتهم بالطائرة الرئاسية.
ويضيف بيان شمس أن ملفات عديدة تثير قلق دول أميركا اللاتينية من ولاية ترمب الثانية، ومنها إعادة تصنيف كوبا دولةً راعية للإرهاب، وانسحاب ترمب من اتفاقية باريس للمناخ الذي يغضب البرازيل التي تعاني من مشكلات مناخية ومن حرائق غابات الأمازون، إضافة إلى قضية بنما وخليج المكسيك، مشيرًا إلى أن ترمب خلق أزمات مع معظم دول القارة، ما يخصم من رصيد الولايات المتحدة نفسها.