تتجه الأنظار إلى لبنان وإسرائيل مع قرب انتهاء مدة الستين يومًا الممنوحة لجيش الاحتلال لإتمام انسحابه من جنوب لبنان في السادس والعشرين من الشهر الحالي، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.
وقد كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن تل أبيب طلبت من واشنطن تأجيل موعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب لمدة شهر كامل، بل والإبقاء على خمسة مواقع للجيش بحجة استكمال النشاطات الأمنية، بالإضافة إلى عدم الرضا عن وتيرة انتشار الجيش اللبناني في جنوب الليطاني، الأمر الذي أثار توترًا.
في المقابل، يؤكد المسؤولون اللبنانيون، تمسكهم بموعد الانسحاب الإسرائيلي وقد أجروا في سبيل ذلك اتصالات مع أطراف إقليمية ودولية.
لبنان يتمسك بموعد انسحاب إسرائيل
وقال الرئيس اللبناني جوزيف عون إنه وجد خلال اتصالاته تجاوبًا من المجتمع الدولي بشأن تأكيد الانسحاب الإسرائيلي في موعده، بينما بحث رئيس البرلمان نبيه بري القضية مع رئيس لجنة مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار الجنرال الأميركي جاسبر جيفيرز.
من جهته، قال حزب الله إن تجاوز مهلة الستين يومًا يُعتبر خرقًا فاضحًا للاتفاق وإمعانًا في التعدي على السيادة اللبنانية، كما طالب الجميع في لبنان خاصة السلطة السياسية بالضغط على الدول الراعية لإلزام إسرائيل بالانسحاب.
وعلى الصعيد الأميركي، قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن إدارة الرئيس دونالد ترمب، تضغط على إسرائيل لتنفيذ الانسحاب في موعده الأصلي رغم أن إدارة الرئيس السابق جو بايدن وافقت على تأجيل الانسحاب، لكنَّ السفير الإسرائيلي في واشنطن مايك هرتسوغ قال في تصريحات لإذاعة الجيش الإسرائيلي إن إدارة ترمب تدرك الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية، وتتوقع التوصل إلى تفاهمات معها بهذا الخصوص.
انسحاب إسرائيلي “مستبعد”
وفي هذا الإطار، يعتبر الباحث في مدى الكرمل امطانس شحادة أن قضية انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان معقدة جدًا لاعتبارات عدة، فمن جهة، يؤيد الجيش الإسرائيلي الانسحاب من لبنان مع الحفاظ على التواجد في خمسة نقاط قد تتحول إلى مراكز عسكرية إسرائيلية ثابتة في الأراضي اللبنانية.
وفي المقابل، لا يريد الجيش الإسرائيلي الإخلال بالاتفاق أو التسبب بأي إزعاج للولايات المتحدة الأميركية لأن ذلك قد يشكل خطرًا على “الإنجازات الإسرائيلية” وتوفير شرعية تسمح لحزب الله بشن ضربات جديدة على إسرائيل.
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من حيفا، يرى شحادة أن هناك اعتبارات سياسية لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حيث يضغط الوزير بتسلئيل سموتريتش لبقاء الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان مقابل بقائه في الحكومة.
ويلفت الباحث في مركز مدى الكرمل إلى أن الهدنة في غزة قد تتحول إلى وقف دائم لإطلاق النار ما يعني أن تتضاعف الأثمان في الضفة الغربية وجنوب لبنان.
ويشير شحادة إلى أن إسرائيل “ستحاول تأجيل هذا الانسحاب والتملص من الالتزامات واتهام حزب الله والجيش اللبناني بأنهما لم ينفذا التزاماتهما بموجب الاتفاق”، لافتًا إلى أن “الولايات المتحدة ستتساهل مع إسرائيل وستمنحها أسابيع إضافية للانسحاب”.
لبنان “لن يتساهل” مع التملص الإسرائيلي
وفي قراءة لموقف حزب الله، يشير الكاتب والباحث السياسي قاسم قصير إلى أن البيان الذي صدر عن حزب الله كان “واضحًا وصريحًا” حيث طالب الدولة اللبنانية والجيش اللبناني والجهات الدولية بإلزام إسرائيل بتطبيق الاتفاق.
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من بيروت، يعتبر قصير أن حزب الله أراد أن يقول قبل أيام من الموعد المقرر لانسحاب الجيش الإسرائيلي إنه لن يتساهل مع بقاء القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان، مؤكدًا أن عدم الانسحاب الإسرائيلي سيعطي المقاومة وحزب الله شرعية داخلية أو حتى خارجية للعودة إلى القتال.
ويلفت قصير إلى أن عودة اللبنانيين إلى بلدتي الخيام والناقورة كانت بمثابة “بروفا” (تجربة) لعودة اللبنانيين إلى الجنوب يوم الأحد المقبل لفرض الانسحاب.
كما يشير إلى أن رئيس مجلس النواب نبيه بري أبلغ اللجنة المراقبة لاتفاق وقف إطلاق النار أنه لن يتم التساهل في حال بقاء القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان بعد الموعد المقرر لانسحابها.
موقف ترمب
وفي ما يخص الموقف الأميركي، يرى كبير الباحثين في مجموعة صوفان كينيث كاتزمان، أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يريد تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار لأنه يتصدى لقضايا أخرى بحسب أولوياته ومنها قضايا الهجرة والطاقة والحدود الأميركية الجنوبية ولا يريد أن ينهمك في قضايا الشرق الأوسط، بل يرغب باستمرار وقف إطلاق النار في كل من لبنان وغزة.
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من ميامي، يشير كاتزمان إلى أن ترمب داعم لإسرائيل وبالتالي سيكون داعمًا لها في حال استئناف القتال في لبنان.
ويرى أن الجيش اللبناني لم يُنشر بطريقة سريعة في جنوب لبنان ما يفسر بأنه “صعوبة في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار من الجانب اللبناني”. ويبرّر كاتزمان أي تأجيل محتمل لانسحاب إسرائيل من لبنان بأنه يأتي بسبب رغبة إسرائيل بتأمين حدودها الشمالية. ويقول: “الإسرائيليون يريدون أن يعززوا ثقة الشعب بالحكومة”.
وبشأن التعارض المحتمل بين رغبة إسرائيل بالبقاء في خمسة معسكرات في جنوب لبنان وإرادة ترمب بإنهاء الحروب في الشرق الأوسط، يرى كبير الباحثين في مجموعة صوفان أن ما قد يحصل في جنوب لبنان “لا يمثل حربًا جديدة بل امتدادًا لحرب بدأت في عهد الرئيس السابق جو بايدن” وبالتالي فإن ترمب يفهم أن انتهاك حزب الله لاتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، سيدفع الأخيرة “للتحرك لحماية مصالحها الأمنية”، حسب قوله.