على الرغم من أنّ فكرة التّهجير القسري للفلسطينيين من غزة، ظلّت طيلة السنوات السابقة حبيسة أدراج البيت الأبيض، إلّا أنّها ظهرت بقوة ضمن خطط الرئيس الأميركي دونالد ترمب منذ عهدته الأولى، مع رعايته لما يسمّى بـ”الاتفاقات الإبراهيمية” التي أسّست لتطبيع علاقات دول عربيّة مع إسرائيل.
ويعود ترمب ويقول إنّه متيقّن من أنّ كلًا من مصر والأردن سيقبلون بمقترح التهجير لأنّ الولايات المتحدة تفعل الكثير لهما، وفق تعبيره.
رفض أردني مصري لتهجير الفلسطينيين
وبالنّسبة للأردن الّذي يحتضن ملايين الفلسطينييّن الذين هجروا تباعًا منذ النكبة الفلسطينية عام 1948، فقد توالت ردود الفعل الرافضة من قبل الملك عبد الله الثاني ووزير خارجيّته أيمن الصفدي، رغم يقينهم بأوراق الضّغط الكثيرة لدى إدارة الرئيس ترمب، وعلى رأسها المساعدات السنوية.
وفي القاهرة، ردّ الرئيس عبد الفتاح السيسي بالقول، “إنّ خطط تهجير سكان غزة، ظلم لن تشارك فيه مصر”، وكان هذا ردًا على التصريح الأول لترمب.
سويعات بعد ذلك، عاد الرئيس الأميركي، ليؤكد إصراره على المقترح، لتنظم مظاهرات قرب معبر رفح الحدودي مع غزة رفضًا للمحاولات الأميركية لتهجير سكان القطاع.
مظاهرات قرب معبر رفح رفضًا للمحاولات الأميركية لتهجير سكان قطاع غزة- رويترز
محاولة لفرض أمر واقع
وفي قراءة للموقف الأميركي، يرى نائب رئيس التحرير في صحيفة “واشنطن تايمز”، تيم قسطنطين، أن واشنطن تقدم الكثير من الدعم للأردن ومصر، ويعتقد أن الرئيس ترمب يبدو واثقًا من أن ما يريده سيتحقق، وفق قوله.
وفي حديثه إلى التلفزيون العربي من واشنطن، قال قسطنطين: “لدى ترمب فكرة يحاول تسويقها وفرضها كأمر واقع”. وأضاف أن هناك عائلات في غزة قد تعاني من نقص المياه والغذاء على المدى القريب.
وفي ظل تمسك الغزيين بأرضهم، يرى نائب رئيس التحرير أنه لا ينبغي أن يبقى الجميع في القطاع، لا سيما الأطفال والمسنين، مشيرًا إلى إمكانية خروجهم مؤقتًا حتى يتم إعادة إعمار القطاع، مع التأكيد على أهمية ما وصفه بالوضع “الإنساني”.
تهجير بذرائع إنسانية
من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية، الدكتور حسن أيوب، أن “البعد الإنساني الذي تتذرع به الإدارة الأميركية هو آخر همومها”.
وفي حديثه إلى التلفزيون العربي من نابلس، يقول أيوب: “رأينا هذه الإنسانية في التطبيق من خلال تعامل الولايات المتحدة مع المهاجرين من أميركا الجنوبية خلال ولاية ترمب الأولى، حيث فُصل الأطفال عن آبائهم”.
ويضيف: “لا نتوقع من هذه الإدارة أن تأتي لتُعلمنا دروسًا في القضايا الإنسانية”، مشيرًا إلى “تورط الولايات المتحدة في جريمة الإبادة التي مارستها إسرائيل في غزة ولا تزال تمارسها في الضفة الغربية”.
كما يلفت إلى أن خطوة ترمب تأتي في إطار استراتيجية سياسية، حيث يتحدث عن الغزيين بوصفهم “متاعًا” يريد نقله من قطاع غزة.
وفي الوقت ذاته، يشير أيوب إلى وجود أصوات أميركية تعارض خطط ترمب وتعتبرها شكلًا من أشكال “التطهير العرقي”، لافتًا إلى نية تهجير الفلسطينيين عبر “اليأس”، من خلال منع إدخال المساعدات إلى القطاع وخلق ظروف معيشية قاسية.
“إجهاض لمبدأ حل الدولتين”
من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية ورئيس مركز الجمهورية الجديدة للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور حامد فارس، أن على ترمب “تهجير من سرق الأرض وليس أصحاب الأرض”، مشددًا على حق الفلسطينيين في الحياة وإقامة دولة مستقلة. وتساءل: “ألم تكتفِ الإدارة الأميركية باستيلاء إسرائيل على أكثر من 78% من مساحة الأراضي الفلسطينية؟”.
وفي حديثه إلى التلفزيون العربي من القاهرة، يشير فارس إلى أن الإدارة الأميركية “تُجهض مبدأ حل الدولتين بما يخدم المشروع الصهيوني في المنطقة”.
كما يؤكد أن مصر ترفض بشكل قاطع تهجير الفلسطينيين، لا سيما وأنه إذا غادر الفلسطينيون أراضيهم، فإن إسرائيل لن تسمح لهم بالعودة.
ويشير فارس إلى أن “مخططًا تم وضعه في الغرف المغلقة بين ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث لم يوقف الأخير إطلاق النار في القطاع إلا عندما شعر بأنه سيحقق مكاسب سياسية من خلال ذلك”.