بالتزامن مع توسيع دائرة الحرب في لبنان، ينغمس المسؤولون اللبنانيون في مناقشات مكثفة، وعلى رأسها ما دار بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قال إن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ستستمر بالتصعيد.
ووفقًا لمواقع أميركية وإسرائيلية ينصب الكلام على إعلان وقف إطلاق نار تتبعه فترة انتقالية لمدة 60 يومًا، مبنية على تطبيق القرار الأممي 1701، ينقل خلالها الحزب أسلحته الثقيلة إلى شمال نهر الليطاني، لينتشر الجيش اللبناني محله على طول الحدود، ويسحب الجيش الإسرائيلي قواته تدريجيًا من على الحدود.
وفي هذا الإطار، قال الأمين العام الجديد لحزب الله نعيم قاسم في أول ظهور له بعد تنصيبه: إن “الحزب مستعد لوقف الحرب، إنما بشروط تراها قيادته مناسبة له”، مشددًا على مواصلة تنفيذ خطط الحرب.
ويبدو أن اللاءات التي تحدثت عنها مصادر إعلام الحزب مؤخرًا، ردًا على طروحات عدة كانت وصلت إلى بيروت في الأيام الماضية، وهي لا لأي مفاوضات قبل وقف إطلاق النار، ولا لإدخال أي تعديلات على بنود القرار 1701 وآليات تنفيذه، بالإضافة إلى معارضة أي طرح من شأنه أن يفرض حصارًا بريًا وبحريًا وجويًا على لبنان.
وتأتي تصريحات نعيم قاسم بعد الإعلان عن زيارة مرتقبة لمسؤولين أميركيين للمنطقة من المفترض أن يناقشوا قضايا في مقدمتها لبنان وغزة.
وفي الأثناء، بدأ الإعلام الإسرائيلي بشكل مكثف التحدث عن قرب إنهاء الحملة البرية في لبنان، بالتزامن مع عقد بنيامين نتنياهو مشاورات لبحث ذلك، في وقت نقل موقع “أكسيوس” الأميركي عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين اعتقادهم أن حزب الله أصبح أخيرًا على استعداد لفصل جبهة لبنان عن غزة، مضيفين أن الوقت مناسب لعقد اتفاق.
هل يفصل حزب الله جبهة لبنان عن غزة؟
وفي هذا الإطار، قال مسؤول القسم السياسي في صحيفة “المدن” منير الربيع: “لا يمكنني أن أخرج باستنتاج بأن نعيم قاسم وضع خلال كلمته اليوم ملف فصل جبهة لبنان عن غزة”، مضيفًا أن قاسم أكد مساندة غزة، وتحدث عن صوابية القرار.
وفي حديث للتلفزيون العربي من بيروت، أضاف الربيع: “إذا ما أعلن حزب الله فصل جبهة لبنان عن غزة، سيخرج في لبنان من سيقول للحزب لماذا إذًا فتحت الجبهة للمساندة واستمررتم على قراركم طيلة هذه الأشهر وتكبدتم هذه الخسائر، كي تخرجوا في النهاية وتقولوا وافقنا بعد الضربات الإسرائيلية على فصل الجبهتين”.
وعلى صعيد إدارة المفاوضات، أوضح الربيع أن حزب الله ترك الموقف بين يدي رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، مشيرًا إلى أن الرئيسين يتعاطيان من موقعها الرسمي مع كل المبادرات بإيجابية.
وأضاف أن التعاطي بإيجابية مع المبادرات يأتي انطلاقًا من التأكيد على مطالبة لبنان بوقف إطلاق النار، وبعدها الولوج إلى مفاوضات حول كل الملفات الأخرى، والتمسك بالقرار 1701 بدون أي تعديلات جديدة عليه.
وفيما شدد على وجوب أن يتماهى الموقف الرسمي اللبناني إيجابيًا مع هذه الديبلوماسية والمفاوضات، اعتبر الربيع أن لبنان لا يمكنه رفض التفاوض خصوصًا بعد كل ما جرى.
ولفت إلى أن عدم ذكر نعيم قاسم بوضوح مسألة فصل الجبهات يأتي في إطار حسن الإدارة السياسية والتفاوضية، مشيرًا إلى أن قاسم وخلال كلمته مرر إشارات أساسية بأن الحزب لا يتعاطى بجدية مع كل الطروحات.
وأردف أن شروط حزب الله لوقف إطلاق النار تتمثل في العودة إلى ما كانت إليه الأمور قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والعودة إلى تطبيق القرار 1701 كما في السنوات الفائتة، مشيرًا إلى أن هذا الأمر لا يمكن أن يستقيم لإسرائيل التي لم تعد مقتنعة بالقرار الأممي.
وأوضح أنه يتعذر تعديل القرار 1701، إلا بقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، مشيرًا إلى أن هناك طريقتين لذلك، إما إعادة طرح قرار جديد أو إدخال تعديلات والتصويت عليه، أما الطريق الثانية فهي إعادة التأكيد على القرار نفسه مع تغيير المقدمة في إعداد نص جديد قد يكون أكثر تحديدًا للأمور.
مباحثات وقف إطلاق النار في لبنان
من جهته، أشار الخبير في الشأن الإسرائيلي جاكي خوري، إلى أن الشعور في إسرائيل بأن هناك شبه توافق بين المستويين السياسي والعسكري على ضرورة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، خاصة بعد إعلان الجيش أنه أصبح على خطى من إنهاء العملية العسكرية البرية.
وفي حديث للتلفزيون العربي من مدينة الناصرة، أضاف خوري، أن هناك حاجة إسرائيلية لاستثمار ما أنجز عسكريًا وميدانيًا في جنوب لبنان، ولبنان بشكل عام، ليترجم إلى اتفاق سياسي.
ولفت إلى أن كل الحديث الذي دار في الساعات الأخيرة لم يذكر غزة بالمطلق، بمعنى أن هناك قناعة إسرائيلية أن الاتفاق الذي تتم بلورته في الأيام الأخيرة لا يرتبط بأي حال من الأحوال بقطاع غزة، إلا إذا كانت هناك تطورات ميدانية.
وقال خوري: “لا نستبعد بأن لا يكون هناك إعلان رسمي عن ربط بين الجبهة اللبنانية وجبهة قطاع غزة، ولكن بفعل التوصل إلى اتفاق مرحلي لوقف إطلاق النار في غزة، يتم الربط بين الأمرين”.
وأشار إلى أن ما تريده إسرائيل هو تنفيذ القرار 1701، بشرط تعديل جزئية مهمة في كل ما يرتبط بآليات التطبيق، موضحًا أن الحديث يدور في تل أبيب عن آلية الضبط والتنفيذ، بمعنى أن لا تكون هذه الآلية فقط بيد جهات دولية، بل تتضمن نوعًا من حرية العمل للجيش الإسرائيلي.
وفي هذا الإطار، أوضح خوري أن إسرائيل في حال رصدها أي اختراق أو الاقتراب من الشريط الحدودي ورصد تحركت لبناء منصات صواريخ، وغير ذلك من عمليات التأهيل والاستعداد اللوجستي، فيمكنها أن تهاجمها بشكل فوري، بمعنى أن تكون أجواء لبنان مباحة، كما أن البر في مرحلة ما يكون مفتوحًا أمامها، إلا إذا تم ضبط الأمور، بمعنى أن يكون الضامن لهذا الاتفاق هي الحكومة اللبنانية وجيشها أو أي قوات طوارئ دولية.
ما هي رؤية واشنطن حيال الحرب على لبنان؟
من جانبه، استبعد أستاذ الشؤون الدولية بجامعة جورج تاون الأميركية تشارلز كابشن، أن يكون هناك اتفاق ينهي القتال في لبنان، لأن هناك 5 جبهات متداخلة، ومع صعوبة التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، حسب قوله.
وفي حديث للتلفزيون العربي من واشنطن، أضاف كابشن أن القتال في لبنان ليس مقتصرًا على جنوب البلاد فقط، بل طال شرق لبنان البعيد عن المنطقة التي يغطيها القرار 1701، مشيرًا إلى صعوبات سوف تستمر لفترة طويلة.
وأعرب كابشن عن اعتقاده أن الحكومة الإسرائيلية تشعر أنها في عملية إضعاف سلسلة من الأعداء كانت تهددها لفترة طويلة، مستبعدًا أن تنظر تل أبيب إلى الأمم المتحدة أو أي اتفاقية دولية للتعامل مع هذه المشكلة، لأنها ترى في هذه الأوضاع فرصة لاستخدام القوة العسكرية للتقليل من قدرات هذه التهديدات.
وفيما أشار إلى أن الانتخابات المرتقبة في الولايات المتحدة الأميركية قد تغير التوجه في السياسة الأميركية، لفت كابشن إلى أن الجميع في إسرائيل وإيران وحزب الله ينتظر نتائج هذه الانتخابات.
وأعرب عن اعتقاده أن رؤية واشنطن حيال القتال في لبنان، تدور حول القرار 1701 لدفع قوات حزب الله إلى الابتعاد عن الحدود، وإحضار الجيش اللبناني، ومحاولة خلق نوع من الوضع الراهن عند الحدود، وألا يكون هناك أي عنف.
ولفت كابشن إلى أن رغبة إسرائيل في إجراء تعديلات على القرار 1701، سيصعب تطبيق القرار الأممي.
واستبعد أن تكون إسرائيل قد غيرت من أهدافها، أو أنها تريد العودة إلى وضع ترى فيه اعتمادًا على القوات الأممية في جنوب لبنان.