في خطوة تاريخية نحو إنهاء النزاع الطويل بمنطقة كازامانس الجنوبية، وقّعت حكومة السنغال اتفاقا للسلام مع حركة القوات الديمقراطية (MFDC) يوم 25 فبراير 2025.
ويمثل هذا الاتفاق تحولا جوهريا في نزاع مستمر منذ عام 1982، أسفر عن العديد من الضحايا، وأثر بشكل كبير على الاقتصاد المحلي في المنطقة.
وعلى الرغم من أنه لا يزال أمام الأطراف المتفاوضة طريق طويل لضمان تنفيذ الاتفاق بالكامل، فإن هذه المبادرة تعد علامة فارقة نحو إنهاء العنف وتحقيق الاستقرار، وفق الطرفين.
خلفية النزاع
تعود جذور النزاع إلى الخلافات التاريخية حول الهوية السياسية والإقليمية، حيث كانت حركة القوات الديمقراطية في كازامانس تسعى لاستقلال المنطقة، التي تتميز بثقافتها الخاصة وبُعدها الجغرافي عن بقية السنغال، وقد اندلع هذا النزاع في بداية الثمانينيات بعد تزايد التوترات بين الحكومة السنغالية والمجموعة المتمردة، وهو ما أدى إلى اندلاع حرب استمرت عقودا.
وتعرضت المنطقة خلال هذه الفترة لعدة جولات من العنف، شملت عمليات عسكرية واسعة النطاق، مما أسفر عن مئات القتلى وآلاف المهجرين، كما تأثرت الحياة الاقتصادية في كازامانس بشكل كبير بسبب تدمير البنية التحتية ووقف الأنشطة الزراعية التي تُعَد المصدر الرئيسي للعيش في المنطقة.
دور الوساطة والتفاوض
أتى هذا الاتفاق تتويجا لسنوات من المحادثات الطويلة والمستمرة، بمشاركة مباشرة من الرئيس السنغالي باسيرو فاي ورئيس الوزراء عثمان سونكو، إضافة إلى دور كبير في الوساطة لعبته حكومة غينيا بيساو بقيادة الرئيس عمر سيسوكو إمبالو، فقد كانت غينيا بيساو الوسيط في هذه المفاوضات، نظرا للروابط التاريخية بين كازامانس وغينيا بيساو، حيث تتقاسم مع السنغال حدودا طويلة.
وقد تم توقيع الاتفاق في العاصمة بيساو، بحضور ممثلين عن مختلف فصائل حركة القوات الديمقراطية في كازامانس والحكومة السنغالية، وتضمن الاتفاق عدة بنود رئيسية، منها:
- وقف كامل لإطلاق النار: حيث تعهدت حركة القوات الديمقراطية في كازامانس بوقف كافة الأعمال العدائية، في حين تعهدت الحكومة السنغالية بتسهيل العودة الآمنة للمقاتلين السابقين.
- التمثيل السياسي: تأكيد على تمثيل الحركة في المؤسسات السياسية والهيئات الحكومية، بما في ذلك تسوية قضايا الحكم الذاتي بالمنطقة.
- التحفيز الاقتصادي: الاتفاق على مشاريع تنموية ضخمة في كازامانس بهدف إعادة بناء البنية التحتية وتأهيل المنطقة اقتصاديا بعد سنوات من الحرب.
تحديات أمام تنفيذ الاتفاق
بالرغم من التفاؤل الذي يحيط بتوقيع الاتفاق، فإن هناك العديد من التحديات التي قد تواجه تنفيذ بنوده، إذ لا تزال هناك بعض الفصائل الصغيرة ضمن حركة القوات الديمقراطية في كازامانس التي لم توافق على الاتفاق، مما قد يؤدي إلى استمرار العنف في مناطق معينة.
كما تبقى قضية الدمج الفعلي للمقاتلين السابقين في صفوف الجيش أو المجتمع المدني مسألة شائكة، حيث يحتاج الكثير منهم إلى دعم اجتماعي واقتصادي بعد سنوات طويلة من النزاع.
بالإضافة إلى ذلك، فإن ضمان تنفيذ المشاريع التنموية في المنطقة يحتاج إلى دعم دولي كبير وضمانات أمنية قوية، حيث من الضروري الحفاظ على الاستقرار السياسي في السنغال بما يضمن استمرار عملية السلام.
الأثر الإقليمي والدولي
يُنظر إلى هذا الاتفاق على أنه علامة بارزة ليس فقط للسنغال، ولكن أيضا للمنطقة ككل، فالحل السلمي في كازامانس قد يُلهم مناطق أخرى في أفريقيا التي تشهد نزاعات مشابهة، مثل شمال مالي أو مناطق أخرى في نيجيريا والكاميرون، حيث تتصارع الجماعات الانفصالية مع الحكومات الوطنية.
وتعد المبادرة السنغالية خطوة متقدمة نحو تعزيز التعاون بين الدول الأفريقية، خاصة في مجالات الأمن والتنمية، وقد رحب المجتمع الدولي بهذه الخطوة، فقد أعربت عدة منظمات دولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي عن دعمها الكامل لهذا الاتفاق، مشيرة إلى أهمية التوصل لحلول سلمية في ظل التحديات الأمنية المتزايدة في القارة.