تظاهر مئات الطلاب في المدن الإندونيسية الكبرى أمس الاثنين، متحدين تحذيرات من شن حملة ضدهم بعد عطلة نهاية الأسبوع التي شهدت اضطرابات دامية أسفرت عن مقتل 8 أشخاص في أسوأ أعمال عنف تشهدها البلاد منذ أكثر من عقدين.

واندلعت المظاهرات الاثنين الماضي بسبب ما يقول المحتجون إنها رواتب وبدلات سكن مرتفعة لأعضاء البرلمان، وسرعان ما تطورت الاحتجاجات إلى أعمال شغب الخميس بعد انتشار مقطع فيديو يظهر مركبة للشرطة تصدم دراجة أجرة نارية وتدهس سائقها الشاب.

وتعددت مطالب المحتجين، لكن شرارة الاحتجاجات اشتعلت تنديدا بإعلان حصول النواب على بدل سكن أعلى بنحو 10 مرات من الحد الأدنى للأجور في العاصمة جاكرتا.

تبرز الاضطرابات استياءً عميقا من المؤسسة السياسية الإندونيسية وسلوك الشرطة وأولويات الإنفاق الحكومي. كما أنها بالغة الأهمية لأكبر دولة ذات أغلبية مسلمة في العالم، حيث يُنظر إلى الاستقرار السياسي على أنه أمر حيوي للأمن والنمو الاقتصادي للمنطقة ككل.

المتظاهرون رددوا شعارات خلال احتجاج ضد المخصصات السخية الممنوحة لأعضاء البرلمان (أسوشيتد برس)

وتمثل هذه الأزمة أخطر تحدٍّ يواجه الرئيس برابوو سوبيانتو حتى الآن، الذي تخضع قيادته لتحد حقيقي مع اتساع نطاق الاحتجاجات في أرخبيل جنوب شرق آسيا وجذبها اهتمامًا دوليا.

ما الذي حصل حتى الآن؟

نظمت مجموعات طلابية مظاهرات في جاكرتا ويوجياكارتا وباندونغ وماكاسار، رغم الدوريات العسكرية المكثفة ونقاط التفتيش الشرطية.

وفي ماكاسار، تجمع الطلاب بالقرب من مبنى البرلمان المحلي الذي أُضرمت فيه النيران خلال اضطرابات الأسبوع الماضي، وجابت مواكب الجيش شوارع جاكرتا الرئيسية، حيث انتقلت المدارس إلى التعليم عن بُعد، وطلبت الشركات من موظفيها العمل من منازلهم.

وأكدت الشرطة اعتقال أكثر من 1200 شخص في جميع أنحاء البلاد، وإصابة أكثر من 700 آخرين، وقدر المحافظ الخسائر بنحو 3.4 ملايين دولار.

وكانت هناك أعمال شغب ونهب، حيث هوجمت منازل قادة سياسيين، بمن فيهم وزير المالية، وأُحرقت مكاتب حكومية، بحسب الرواية الرسمية.

وفي باندونغ، أشعل المتظاهرون النار في الإطارات، وفي تيرناتي استخدمت الشرطة الغاز المدمع لمنع الحشود من اقتحام مباني البرلمان. وقال مسؤولون إن 4 قتلى على الأقل خلال عطلة نهاية الأسبوع سقطوا نتيجة “عنف غوغائي وحرق متعمد” في ماكاسار.

سوبيانتو أعلن تخفيضا لمخصصات النواب لامتصاص الغضب الشعبي (رويترز)

محاولة التهدئة

وفي محاولة لتهدئة الغضب الشعبي، أعلن الرئيس سوبيانتو عن تخفيضات في مخصصات النواب. ومع ذلك، أشاد في الوقت نفسه بقوات الأمن على “تضحياتها” ومنح ترقية لأربعين شرطيا مصابًا.

وأثناء زيارته جرحى الشرطة في جاكرتا، ذكّر الرئيس الجمهور بضرورة الحصول على موافقة قانونية على الاحتجاجات وإنهائها بحلول الساعة السادسة مساءً، وهو تصريح يراه المنتقدون تحذيرا وليس تنازلًا.

ورفضت جماعات طلابية رد الرئيس، ووصفته بأنه غير كافٍ ومنفصل عن مطالب الشعب، ويرى المحتجون أن المسألة لا تتعلق فقط بالامتيازات المالية، بل تتعلق أيضًا باستعادة الثقة في المؤسسات العامة والمطالبة بإصلاح حقيقي للشرطة.

وفي غضون ذلك، أجّلت العديد من منظمات المجتمع المدني مظاهراتها، مشيرة إلى الاعتقالات الجماعية والأجواء القمعية التي تجعل الاحتجاج السلمي شبه مستحيل.

المحتجون لم يتوقفوا عن التظاهر حتى بعد محاولة الرئيس لتهدئة النفوس (أسوشتيد برس)

وعلى الصعيد الدولي، أعربت الصين -أكبر شريك تجاري لإندونيسيا- عن دعمها لقدرة سوبيانتو على إدارة الأزمة، مما يعكس القلق الإقليمي بشأن استقرار إندونيسيا.

وباعتبارها أكبر ديمقراطية واقتصاد في جنوب شرق آسيا، يُعدّ الاستقرار الداخلي لإندونيسيا أمرًا بالغ الأهمية للأمن الإقليمي الأوسع والنمو الاقتصادي.

ويواجه الرئيس سوبيانتو الآن لحظة فارقة، فقدرته على تجاوز هذه الأزمة -موازنة الإصلاحات الجادة مع ضرورة استعادة النظام- لن تُشكّل رئاسته فحسب، بل ستُحدد أيضًا ما إذا كانت إندونيسيا ستبقى قوة استقرار في منطقة متزايدة التقلب.

شاركها.
Exit mobile version