بيروت – شهد اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، منذ اليوم الأول لدخوله حيّز التنفيذ فجر الأربعاء 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، خروقات إسرائيلية واسعة وضعت الاتفاق أمام اختبار حقيقي لمدى قدرته على الصمود.
ففي الساعات الأولى من تنفيذ الاتفاق، خرق جيش الاحتلال الإسرائيلي بنوده، فقد استهدف المدنيين وشن غارات جوية على مناطق لبنانية، بما في ذلك تلك الواقعة شمال نهر الليطاني، وفي الوقت نفسه منع سكان أكثر من 60 بلدة من العودة إلى منازلهم وفرض حظر تجوال ليلي يستمر حتى ساعات الصباح.
في المقابل، وبعد أن بلغت الخروقات الإسرائيلية ذروتها بتجاوز 60 خرقا، خرج حزب الله عن صمته ووجّه أول رد تحذيري باستهداف موقع رويسات العلم التابع للجيش الإسرائيلي في تلال كفرشوبا اللبنانية المحتلة، باعثا برسالة قال فيها “وقد أعذر من أنذر”، وأكد أن “المراجعات للجهات المعنية بوقف هذه الخروقات لم تفلح”.
يأتي هذا التطور في فترة فاصلة بين قرار تشكيل لجنة المراقبة الدولية وتعيين أعضائها، وفي السياق ذاته أسفرت الاتصالات الأميركية التي تمت على عجل عن تأكيد الطرفين التزامهما ببنود الاتفاق.
كذلك تدخلت فرنسا على خط التهدئة، ومن المتوقع أن يصل وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان ليكورنو إلى لبنان خلال الـ48 ساعة المقبلة لبحث تنفيذ قرارات وقف إطلاق النار والإشراف على عمل لجنة المراقبة الخماسية.
مرحلة حرجة
يرى المحلل السياسي توفيق شومان، في حديثه للجزيرة نت، أن التصعيد الإسرائيلي والعدوان المستمر على لبنان، وفق المعطيات الحالية، لا يُحتمل أن يؤدي إلى انهيار كامل لوقف إطلاق النار. ويضيف شومان أن “إسرائيل تسعى لفرض وقائع معينة بهدف طمأنة الداخل الإسرائيلي بأنها قادرة على فرض سيطرة حديدية متى شاءت”، كما يشير إلى أن هذا التصعيد لا يأتي فقط في سياق داخلي، بل أيضا ضمن مسعى للحصول على غطاء أميركي عملي.
ويتابع “إسرائيل تسعى للحصول على ضمانات أميركية تتجاوز إطار الاتفاق الحالي”، ويرى أن الهدف هو اختبار الموقف الأميركي ومدى استعداده لتقديم غطاء عملي بجانب الغطاء النظري المتمثل في ورقة الضمانات الأميركية الإسرائيلية.
من ناحية أخرى، يربط شومان الخروقات بعدم اكتمال تشكيل لجنة الإشراف على وقف إطلاق النار، التي من المفترض أن تعقد أول اجتماعاتها يوم الخميس المقبل، مشيرا إلى أنه حتى بعد اكتمال تشكيل اللجنة، يجب أن تتوفر آلية عمل واضحة لضمان تنفيذ القرارات بشكل واضح.
وفي ما يتعلق بنتيجة عمل اللجنة، يرى شومان أنه لا يمكن الحكم النهائي على الوضع قبل مراقبة المرحلة التي تلي اكتمال تشكيل اللجنة واستكمال آليات عملها، فعندئذ في حال حدوث أي خرق أو عدوان إسرائيلي على لبنان من المفترض أن يبلغ الجانب اللبناني لجنة الإشراف التي ستتولى معالجة الموقف واحتواء أي عدوان أو خرق.
بالنظر إلى رد المقاومة، يعتقد شومان أن رد حزب الله على الاعتداءات الإسرائيلية أول أمس، رغم كونه محدودا، يشير إلى أن المقاومة اللبنانية قد تلجأ إلى عملية مماثلة إذا استمر التصعيد الإسرائيلي بالوتيرة نفسها، وفي هذه الحالة قد تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 27 سبتمبر/أيلول.
ويشير المحلل السياسي إلى أن المرحلة الحالية هي مرحلة انتظار وترقب، مرتبطة بعمل لجنة الإشراف الدولية، وأيضا بكيفية انسحاب الجيش الإسرائيلي من بعض المناطق اللبنانية التي دخلها خلال العدوان الأخير، ومدى انتشار الجيش اللبناني، وكل ذلك مرتبط بالدول الراعية لوقف إطلاق النار، خصوصا الولايات المتحدة وفرنسا.
صمود أم انهيار؟
بدوره، يرى الأستاذ في العلاقات الدولية والمحلل السياسي علي مطر، في حديث للجزيرة نت، أن التصعيد المستمر من قبل الاحتلال الإسرائيلي الذي تجسد في أكثر من 50 خرقا لوقف إطلاق النار، يثير تساؤلات عن مستقبل هذا الاتفاق، من قبيل “هل سيتمكن من الصمود أم إننا أمام احتمال انهياره؟”.
ويضيف أن “الاحتلال الإسرائيلي انتهج سياسة متعمدة لخرق الاتفاق منذ لحظة بدء سريانه، بالتزامن مع عودة النازحين اللبنانيين، وهذه الانتهاكات لم تكن مجرد خروقات بل تعد استفزازا للبنان، وأسفرت عن سقوط شهداء وجرحى بين المدنيين خلال الأسبوع الماضي”.
وعن تأخير تشكيل اللجنة الخماسية، بسبب التباطؤ الأميركي والفرنسي، يقول مطر إنه أسهم في تفاقم الوضع في الجنوب حيث استغل الاحتلال هذا التأخير لتكثيف خروقاته ومنع انتشار الجيش اللبناني في القرى الحدودية، إلا أنه من المتوقع أن تبدأ اللجنة عملها قريبا، مما قد يسهم في تهدئة الأوضاع.
ويشير المحلل السياسي إلى أن رسائل حزب الله المدروسة بالرد وصلت إلى مراكز القرار الدولية، وذلك يفرض ضرورة تحرك الأطراف المعنية لوقف الانتهاكات، ويؤكد أن الحزب مستعد لحماية السيادة اللبنانية إذا لم تتحرك الجهات الدولية، مع إعطاء الدولة اللبنانية واللجنة الخماسية الفرصة للتحرك.
ورغم التصعيد، يرى مطر أن انهيار الاتفاق مستبعد لأسباب متعددة، فمن مصلحة إسرائيل الحفاظ عليه لضمان أمن مستوطناتها الشمالية واستعادة المستوطنين الذين غادروا المناطق الحدودية، كما أن الولايات المتحدة تعمل على تجنب تصعيد جديد في المنطقة، في حين يسعى الدور الفرنسي للتهدئة والمضي نحو تسوية سياسية، أما لبنان فيحرص على تجنب عدوان جديد.
ورغم الانتهاكات التي حدثت بعد حرب يوليو/تموز 2006، فإن الأوضاع عادت تدريجيا إلى الاستقرار، وفق المتحدث، وذلك يعكس إمكانية احتواء الأزمات حتى في ظل التصعيد، وعليه يتوقع أن تشهد الأيام المقبلة جهودا حثيثة لتثبيت الاتفاق ومعالجة الخروقات عبر اللجنة المشكلة والدولة اللبنانية.