الخليل – كانت الساعة تقترب من الثانية والنصف فجر الثلاثاء، عندما حاول نحو 20 شابا، ضاقت بهم سبل العيش، من قرية الرماضين في أقصى نقطة جنوبي الضفة الغربية، اجتياز الجدار الفاصل بحثا عن عمل داخل أراضي 48.
قدّر الشاب سامر بسام الزغارنة (22 عاما) أن يكون أول من يحاول اجتياز الجدار، فصعد مستخدما سلما، وفي حين كان يهم بالنزول في الجهة الأخرى بواسطة حبل، إذا بالرصاص يصله قبل أن يصل الأرض، من جنود كانوا في كمين ينتظرون فريستهم.
ترك الجنود سامر ينزف قرابة ساعتين، قبل نقله إلى معبر ميتار جنوب بلدة الظاهرية، جنوب مدينة الخليل، وتسليمه للجانب الفلسطيني شهيدا، بينما لاذ رفاقه بالفرار دون تحقيق حلم الوصول إلى العمل، لكنهم عادوا ليجلسوا في بيت عزاء رفيقهم.
مسؤولية مبكرة
قبل أعوام قليلة رحل والد سامر، فوقعت على عاتقه مسؤولية رعاية العائلة بمن فيهم شقيقاه وشقيقتاه ووالدته، كان الحمل ثقيلا فقرر التوجه إلى سوق العمل الإسرائيلي قبل بلوغه سن العشرين، وعمل في قطاع البناء حيث الدخل الجيد، مقارنة مع المجال ذاته بالضفة، ما مكنّه من تحمل عبء المسؤوليات الجديدة.
لكن بعد 7 أكتوبر 2023 واندلاع حرب الإبادة على غزة، طُرد العمال، ومنهم سامر، من أماكن عملهم، وطال انتظارهم لقرار السماح لهم بالعودة، فقرر بعد 20 شهرا من الانتظار، كما آلاف مثله، الدخول بطريقة “التهريب” متجاوزا المعابر المعروفة، لكن السماء كانت أقرب إليه من مكان عمله.
لم يكن بين سامر والزواج سوى بضعة آلاف من الدولارات، فقد أنهى بناء بيت له داخل قريته، وكان يستعد لتجهيزه تمهيدا للبحث عن شريكة يكمل معها حياته، قبل أن يرحل شهيدا.
بعد رحيل سامر، انتقلت المسؤولية إلى شقيقه التالي محمد، حيث بدت عليه، بينما كانت يتحدث للجزيرة نت من بيت عزاء شقيقه، علامات التعب والإرهاق وشعوره بحجم المسؤولية التي وقعت على عاتقه.
يصف محمد ما حل بعائلته بـ”الفاجعة”، فقد رحل والده شابا متأثرا بإصابته بفيروس كورونا، ثم شقيقه بالرصاص، ليتركا له مسؤولية مضاعفة دون فرص عمل في الأفق.

جرحى ومعتقلون
وفق مختار العائلة، الشيخ نواف الزغارنة فإن سامر هو “شهيد لقمة العيش” الثاني بالعائلة في غضون شهرين، فابن شقيقته سلطان استُشهد نتيجة سقوطه عن الجدار خلال رحلة البحث عن لقمة عيش كريمة، موضحا أن الشابين “فضّلا المغامرة ولو كانت على حساب الحياة، على البقاء دون عمل أو تحت الصدقة”.
يضيف الشيخ نواف خلال حديثه للجزيرة نت، في بيت عزاء سامر، أن شباب القرية، ونحو 90% منهم عمال، في حالة ضنك شديد لقلة فرص العمل من جهة، وللحصار الإسرائيلي المطبق حول القرية الذي يحرمهم من فتح أي مشروع من جهة ثانية، فضلا عن استمرار الاقتحامات والمداهمات والتفتيش.
تحدث الزغارنة عن ضحايا آخرين من العمال “فهناك عشرات في القرية بين جرحى ومصابين بعضهم بالرصاص وآخرون نتيجة السقوط عن الجدار، أو معتقلون داخل السجن أو أخلي سبيلهم بعد إجبارهم على دفع غرامات باهظة”.
وفي ظل تزايد ضنك العمال، يلوم شيخ عشيرة الزغارنة السلطة الفلسطينية ونقابات العمال على ما يراه تجاهلا لشريحة واسعة ضاقت بها السبل، مطالبا ببرامج مساعدة توفر لهم الحد الأدنى من قوت أطفالهم.
خلال الأسبوع الماضي، ضبطت قوات حرس الحدود 561 #فلسطينيًا بدون تصاريح في مناطق مختلفة، بينهم من حاول التسلل عبر الجدار والمعابر. كما تم توقيف 61 مشتبهاً قدّموا لهم المأوى أو وفروا وسيلة نقل وتشغيل. في #أورشليم #القدس ومحيطها، أُوقف 328 مقيمًا غير قانوني و34 مشتبهًا بمساعدتهم،… pic.twitter.com/aXsCAYOgzw
— شرطة اسرائيل- israel police (@Israelpolice_Ar) June 29, 2025
37 شهيدا منذ 7 أكتوبر
وفق معطيات الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، فإن 14 عاملا استشهدوا خلال ملاحقتهم أو تسبب الاحتلال في استشهادهم أثناء محاولتهم الوصول إلى أماكن عملهم أو العودة منها إلى الضفة، أو خلال فترة اعتقالهم، أو قرب الجدار أو باقتحام أماكن عملهم، خلال الفترة بين 1 يناير/كانون الثاني و1 يوليو/تموز من العام الجاري.
أما منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 فتشير المعطيات إلى “تسبب الاحتلال في استشهاد 37 عاملا سواء باستهدافهم عبر فتحات الموت (في الجدار)، أو على جدار أو ملاحقتهم في أماكن عملهم والمناطق التي يعملون بها، أو خلال فترة اعتقالهم، أو من غزة خلال تواجدهم بمراكز الإيواء بالضفة الغربية (بعد منعهم من العودة إلى غزة)”.
وبشكل شبه يومي تعلن الشرطة الإسرائيلية عن اعتقالات بين عمال الضفة الغربية، آخرهم إعلانها الأحد الماضي اعتقال 561 عاملا ومشغّلا على مدار الأسبوع الماضي بذريعة التواجد بدون تصاريح أو محاولة التسلل عبر الجدار والمعابر، أو قاموا بتشغيل عمال من الضفة أو نقلهم.
وتشير معطيات اتحاد النقابات على موقعه الإلكتروني إلى أن الأشهر الأخيرة شهدت تصعيدا في حملات ملاحقة العمال واعتقالهم، حيث إن “ما يزيد عن 11 ألف عامل فلسطيني تم اعتقالهم على يد قوات الاحتلال”.
ووفق المصدر ذاته، فإن عدد العاطلين عن العمل “ما زال على حاله منذ اندلاع الحرب، حيث بلغ 507 آلاف عامل من أصل مليون وأربعمائة ألف، أي ما يعادل 36% من القوى العاملة تقريبا، وهو ما يتسبب بخسائر اقتصادية مباشرة تُقدّر بـ400 مليون يورو شهريا، أي ما يعادل أو يزيد عن 7 مليارات يورو منذ بداية الحرب وحتى اليوم”.