الخرطوم- بالتزامن مع مفاوضات غير مباشرة في مدينة جدة السعودية، تراجعت وتيرة المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الخرطوم، في خطوة عدّها مراقبون مناورة ورضوخا لضغوط دولية وإقليمية.
وذكرت الخارجية السعودية -في بيان- أن المحادثات تهدف إلى وضع جدول زمني لمفاوضات موسعة تتيح وقفا دائما للأعمال العدائية بالسودان، كما تهدف إلى تسهيل وصول مساعدات إنسانية طارئة واستعادة الخدمات الأساسية.
ونشطت واشنطن والرياض في الوساطة بين الجيش والدعم السريع خلال الأسبوعين الأخيرين، وقبل طرفا الصراع تمديد الهدنة 3 مرات، بطلب من الوسطاء، رغم أنها لم تُحترم؛ مما دفع العاصمتين لدعوتهما إلى جدة لتثبيت الهدنة وخلق مناخ إيجابي، بما يسمح بتطويرها لاحقا إلى وقف دائم لإطلاق النار برقابة دولية، وذلك حسب مسؤول في الخارجية السودانية تحدث مع الجزيرة نت.
وذكر المسؤول السوداني أن الرياض بعثت طائرة إلى الخرطوم لنقل الوفد الحكومي الذي ضم اللواء أبو بكر فقيري واللواء محمد محجوب والسفير عمر صديق، بينما قدم وفد قوات الدعم السريع من عاصمة خليجية برئاسة العميد عمر حمدان، وهو ضابط بالجيش كان ضمن المنتدبين لقوات الدعم السريع (بلغ عددهم 480 ضابطا) وعادوا جميعا إلى الجيش مع بداية الاشتباكات عدا 5 منهم، وضم الوفد أيضا فارس النور مستشار قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وشقيقه الأصغر الرائد القوني حمدان دقلو.
أعضاء الوساطة
في هذا السياق، كشفت مصادر قريبة من مفاوضات جدة للجزيرة نت عن أنها بدأت السبت الماضي بطريقة غير مباشرة كما اشترط الجيش، وكان الوسطاء يتوقعون أن تستمر يومين، لكن تم تمديدها إلى وقت غير محدد لمناقشة تثبيت الهدنة إلى فترة زمنية محددة، وتوصيل المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب وانسياب الخدمات لسكان ولاية الخرطوم، ثم الاتفاق على جولة جديدة من المفاوضات لوقف العدائيات وتحديد آلية المراقبة.
وسمت الولايات المتحدة ممثليها في فريق الوساطة من سفارتها في الرياض والملحق العسكري، والسفير الأميركي في الخرطوم، ومنسق من مجلس الأمن القومي، بينما حددت السعودية فريقا من وزارتي الخارجية والدفاع والاستخبارات العسكرية.
شروط الجيش
سلم وفد الجيش السوداني فريق الوساطة وثائق وصورا ومقاطع فيديو عما عدّها انتهاكات قوات الدعم السريع بحق المدنيين، وشملت سيطرتهم على 22 مستشفى وتحويلها إلى ثكنات عسكرية وطرد طواقمها الطبية، وإخلاءها من المرضى، وبعضهم كانوا في غرف العناية المكثفة، ونشر مسلحين في مستودعات الأدوية المركزية، ونهب صيدليات وتخريب محطات مياه وكهرباء وغيرها، حسب عضو في فريق يراقب المفاوضات.
وروى المراقب للجزيرة نت أن ممثلي الجيش حددوا شروطا لتثبيت الهدنة تتضمن: خروج قوات الدعم السريع من الأحياء السكنية، وإزالة عشرات من نقاط الارتكاز التي نشرتها، والانسحاب من وسط الخرطوم والمؤسسات المدنية والخدمية التي سيطرت عليها، وأبرزها مركز التحكم الرئيسي للكهرباء ومصفاة الجيلي لتكرير النفط في شمال الخرطوم بحري.
وشملت شروط الجيش أيضا تجميع قوات الدعم السريع بعد انسحابها في معسكر واحد يوافق الجيش على مسافته من العاصمة، وذلك إلى حين الاتفاق على خطوات دمجها في المؤسسة العسكرية، وتعهد بعدم التعرض إلى القوات المنسحبة.
وفي شأن المساعدات الإنسانية -حسب المراقب- رحب الجيش بأي دعم إنساني، غير أنه طالب بموافقة الحكومة مسبقا على محتوياتها حتى لا تتسرب عبرها أي مواد محظورة، وتحديد آلية تشرف عليها مفوضية العون الإنساني، والتعاون مع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الطوعية الوطنية لتوزيعها على المتضررين.
مطالب الدعم السريع
في المقابل، سلم وفد الدعم السريع الوسطاء قائمة أسماها “انتهاكات الجيش”، شملت ما وصفه بـ”القصف العشوائي على مواقع وأهداف مدنية، مما أدى إلى تدمير عشرات المنازل ومقتل مئات المدنيين”.
وطالب وفد قوات الدعم السريع بمراقبة دولية لعملية انسحابهم من المؤسسات والمواقع المدنية، والسماح بتجميع قواتهم وآلياتهم ومركباتهم العسكرية في القواعد التي كانوا فيها قبل منتصف أبريل/ نيسان الماضي أي موعد اندلاع المواجهات، والبقاء في المواقع العسكرية والسيادية التي يوجدون فيها حاليا، وعلاج جرحاهم في مستشفيات محددة، والسماح بسفر من يحتاجون علاجا إلى خارج البلاد.
وشملت المطالب أيضا استمرار سداد استحقاقات ورواتب قوات الدعم السريع المالية من وزارة المالية، ووقف استخدام الطيران الحربي وتحريك قوات الجيش بعد الاتفاق على تثبيت الهدنة وفرض رقابة دولية بهذا الشأن، وضمانات بخروج آمن لقياداتهم إلى الوجهة التي يحددونها.
في الجانب الإنساني، طالب ممثلو الدعم السريع بإشراكهم في تأمين وصول المساعدات الإنسانية وآلية توزيعها، وفق معايير وضوابط يتم التوافق عليها.
تدخل للإنقاذ
ولاحظ مراقبون للمفاوضات غير المباشرة في جدة أن طرفي التفاوض لا يحملون تفويضا كاملا لتقديم أي تنازلات متبادلة من أجل التوصل إلى تفاهم، وأنهم متمسكون بمواقفهم التي لا تزال متباعدة، “كأنما يستخدمون التفاوض مناورة لكسب الوقت في سبيل تغيير الواقع العسكري على الأرض”، وفق تعبير بعضهم.
ويُرجح أن يعد الوسطاء خلال يومين وثيقة لمشروع اتفاق بشأن الهدنة والمساعدات الإنسانية، بعد تضييق نقاط الخلاف والتواصل مع قادة الجيش والدعم السريع، وطلب تدخل جهات مؤثرة على الطرفين لإقناعهما بعدم جدوى التعويل على الحسم العسكري، خاصة مع كلفته العالية على الشعب السوداني وتداعياته الخطيرة على مستقبل البلاد وجيرانها.