الخليل- منذ نحو 4 أعوام لا يتقاضى أستاذ التربية الإسلامية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية محمد خلاف راتبه كاملا، كما لم يتقاض راتبه عن شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران الماضيين، فضلا عن اقتراب يوليو/تموز الجاري من نهايته، مما أوقعه في أزمة مالية خانقة.

ويوضح خلاف -الذي يعمل في الوظيفة الحكومية منذ 27 عاما- أنه وزوجته الموظفة أيضا في وزارة التربية والتعليم حاولا قدر الإمكان ترتيب مصاريف العائلة وفق نسبة الـ70% من الراتب التي صرفت بشكل شبه منتظم خلال السنوات الأخيرة، لكن الصدمة كانت بعدم صرف الرواتب لـ3 أشهر متتالية.

وتشكل المصاريف الجامعية العبء الأكبر على المعلم الفلسطيني، فهو مضطر شهريا لتوفير مصاريف لـ3 من أبنائه، أحدهم يدرس الطب في مصر، وآخر يدرس المختبرات في تونس، وابنة درست الأدب الإنجليزي في جامعة محلية وتخرجت مؤخرا.

خلاف: تقليص عدد أيام الدوام لا يحل أزمة الموظفين (الجزيرة)

احتياجات شهرية

تتجاوز مصاريف طلبة الجامعات الشهرية حاجز الـ1200 دولار تقريبا تضاف إلى احتياجات ومصاريف الأسرة الروتينية التي لا تقل عن ألف دولار أيضا، وفق المعلم الفلسطيني الذي أضاف أن راتبه وراتب زوجته بالكاد يكفيان كافة هذه المصاريف.

وأضاف أن الاقتطاعات المتوالية من الراتب أثقلت كاهله، مما اضطره إلى بيع قطع أرض كان قد اشتراها لأبنائه قبل اتساع المسؤوليات، وذلك عن طريق نظام التقسيط الإسلامي.

وقبل أن يستنزف خلاف ثمن قطعة الأرض اشترى قطيعا صغيرا من الأغنام ليستعين به وقت الحاجة، واليوم وجد فيه مصدرا مساعدا للدخل، حيث باع خروفا منذ أيام وأرسل ثمنه إلى ابنه طالب الطب في مصر الذي ينتظر مبلغ 400 دولار منذ نحو أسبوعين.

ويقول المعلم الفلسطيني إن مجموع مستحقاته المتراكمة على الحكومة تعادل راتب 11 شهرا، ومثلها لزوجته، مشيرا إلى أن التأخير في دفع المستحقات لا يقتصر على الراتب إنما بدل مهمات أخرى، منها تصحيح امتحان التوجيهي العام الماضي، والذي دفع للمعلمين هذا العام.

وينبه خلاف -وهو من مدينة دورا جنوبي الخليل- إلى حرمان العائلة من كثير من الاحتياجات في سبيل توفير مصاريف أبنائه من طلبة الجامعات، مضيفا أنه يرغب في أداء العمرة لكنه لا يستطيع إليها سبيلا.

وتعليقا على قرار الحكومة تقليص دوام موظفيها، ثم قرار الاتحاد العام للمعلمين باقتصار الدوام على يومين فقط، قال إن مشكلة المعلمين ليست في عدد أيام الدوام ولا في الالتزام “المشكلة في حقوق متراكمة أصبح الموظفون معها غير قادرين على تلبية أبسط احتياجات عائلاتهم وحتى أجرة المواصلات إلى مكان العمل”.

فلسطين-الخليل-محمد الدرابيع-مدرس في وزارة التربية والتعليم
الدرابيع: الديون تتراكم وآخر مبلغ استدنته 200 شيكل لشراء صهريج مياه (الجزيرة)

ديون بلا سداد

المعاناة ذاتها -وإن كانت بالتزامات أقل- تنطبق على أستاذ اللغة العربية محمد الدرابيع، وهو رب عائلة مكونة من 8 أفراد، حيث أدى تأخر الرواتب وعدم انتظامها إلى تراكم الديون عليه.

ويقول الدرابيع إنه اعتاد في الوضع الطبيعي شراء احتياجات العائلة بالدين من متجر قريب، ثم يسدده يوم صرف الرواتب، لكنه منذ شهور يعجز عن دفع الدين رغم اختصار مصاريفه إلى الحد الأدنى، مما أدى إلى تراكم الديون بشكل فاق قدرته على السداد.

وأشار إلى مشكلة أخرى يعاني منها كباقي الموظفين، وهي الشيكات المرتجعة، حيث لجأ بعض الموظفين إليها لتسيير مصالحهم، سواء في بناء بيت أو شراء سيارة أو تسديد ديون أو أقساط جامعية، لكن نظرا لأزمة الرواتب فإن الشيكات لا تصرف وعليه سدادها أو السجن، وتغرّم البنوك أصحابها بنحو 18 دولارا عن كل شيك مرتجع، وعليه يصبح الموظف في أزمة مزدوجة.

وتابع أنه يتدبر أموره بالدين، وآخرها استدانة 200 شيكل (نحو 60 دولارا) لشراء صهريج مياه، ومبالغ أخرى لشحن رصيد الهاتف وفاتورة الكهرباء والمواصلات والعلاج وغيرها، مبينا أن مصروف عائلته الشهري مع التقشف لا يقل عن ألف دولار.

احتجاز المقاصة

ونظرا للأزمة الراهنة، وبعد أكثر من عام كان الدوام فيه 4 أيام بدل 5 أعلن الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين في بيان له أن دوام الموظفين من كافة الفئات وجميع المسميات يكون يومين فقط في الأسبوع، مشيرا إلى أن “الموظفين لا يملكون مواصلات إلى الوزارة أو المديريات”.

ونظرا لاستمرار الأزمة المالية كلف مجلس الوزراء الفلسطيني رؤساء المؤسسات الحكومية بعمل الترتيبات اللازمة لدوام الموظفين في ضوء الظروف واحتياجات العمل، محذرا في الوقت ذاته “من مرحلة قد تعجز فيها المؤسسات الوطنية عن الاستمرار في تقديم خدماتها بسبب استمرار احتجاز أموال المقاصة”، مضيفا “قد نلجأ إلى إيقاف مؤقت لعمل بعض الدوائر الرسمية”.

وتعود أسباب الأزمة بشكل مباشر إلى احتجاز إسرائيل لأموال المقاصة، والتي تشكل -وفق معطيات الحكومة الفلسطينية- أكثر من ثلثي إيرادات الدولة، وتبلغ قيمة الأموال المحتجزة منها نحو 9.1 مليارات شيكل (نحو 2.7 مليار دولار)، منها نحو 900 مليون شيكل عن شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران الماضيين.

والمقاصة عائدات ضرائب عن البضائع الواردة إلى السوق الفلسطيني تجبيها إسرائيل من المنافذ التي تسيطر عليها نيابة عن السلطة الفلسطينية مقابل رسم 3% من قيمتها على أن تحول إلى السلطة شهريا، لكن منذ 2019 بدأت إسرائيل الاقتطاع منها تدريجيا بذرائع مختلفة، منها مبالغ تعادل ما تدفعه السلطة لقطاع غزة، وأخرى تعادل ما يدفع لعائلات الأسرى والشهداء وغيرها، وفي آخر 3 أشهر امتنعت عن تحويل أي مبلغ منها.

153 ألف موظف

ويقدّر عدد موظفي السلطة الفلسطينية بنحو 153 ألفا، تبلغ فاتورة أجورهم -بمن في ذلك الموظفون والمتقاعدون وأشباه الرواتب كمخصصات الأسرى والجرحى وذوي الشهداء والإعانات الأخرى- قرابة مليار شيكل شهريا (نحو 300 مليون دولار).

ومنذ قرابة 4 أعوام تصرف الحكومة الفلسطينية لموظفيها 70% من رواتبهم بحد أدنى 3500 شيكل (نحو 1045 دولارا) في أغلب الأحيان، لكن آخر ما صرفته هذا العام كان راتب أبريل/نيسان وعلى دفعتين بواقع 35% لكل دفعة، وكانت الأخيرة في 4 يونيو/حزيران الماضي.

وحاول الموظفون الحكوميون ترتيب أمورهم وفق نسبة الـ70%، والتي ظلت منتظمة لسنوات عدة حتى توقفت بالكامل، مما أوقع الموظفين في أزمة خانقة وفي فخ الديون دون أفق قريب للحل.

شاركها.
Exit mobile version