القدس المحتلة- رغم الفشل المتكرر في حسم المواجهة مع جماعة الحوثيين في اليمن ، تواصل إسرائيل استهداف مواقع الجماعة بشكل متكرر، مدفوعة بهواجس أمنية وإستراتيجية تتجاوز الاعتبارات العسكرية البحتة.
فالتحدي الحقيقي أمام صناع القرار في تل أبيب، لا يكمن فقط في التصدي للهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة، بل في التعامل مع حركة مسلحة تمتلك شرعية محلية، وبنية أيديولوجية متماسكة، وتحالفات إقليمية متشابكة.
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، دخل الحوثيون على خط المواجهة علناً بإطلاق صواريخ وطائرات مسيرة باتجاه إسرائيل، دعماً لغزة، غير أن التهديد الحوثي لم يُؤخذ على محمل الجد في بداية الأمر من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
لكن مع تكرار الضربات الحوثية وتوسع آثارها على الملاحة الجوية وصورة الجيش الإسرائيلي، بدأت تل أبيب تعيد حساباتها، كما أورد تقرير موسع في صحيفة “هآرتس” للصحفي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط يشاي هالبر، الذي أشار إلى إدراك متزايد بأن الحل العسكري في اليمن محفوف بالمخاطر.
مزايا ميدانية وأيديولوجية
تتمركز جماعة الحوثيين في مناطق جبلية وعرة شمالي اليمن، وتتمتع بخبرة قتالية طويلة، وتمنحهم عقيدتهم الدينية حافزاً قوياً للمواجهة، بحسب الخبيرة البريطانية في الشأن اليمني إليزابيث كيندال.
وأوضحت كيندال، أن الجماعة تستند إلى ثلاث ركائز قوية: التضاريس المحصنة، والتجربة الميدانية، والعقيدة الراسخة، مما يمنحهم قدرة على الصمود تتجاوز إمكانياتهم العسكرية، وتضيف أن الحوثيين يظهرون مرونة كبيرة في التعامل مع الخسائر، ما يفسر استمرارهم رغم التكلفة البشرية العالية.
في السياق نفسه، ترى عنبال نسيم-لوفتون، الباحثة في مركز “موشيه ديان” وجامعة تل أبيب، أن الجماعة قادرة على توظيف هويات متعددة، من الزيدية الدينية، إلى الخطاب الوطني المناهض للاستعمار، وصولاً إلى التحالف الإقليمي مع إيران، “وهذه التركيبة تمنح الحوثيين زخما داخلياً وتفتح لهم أبواب تحالفات خارجية، رغم كونهم أقلية عددية”.

الحوثيون مشروع سياسي
وتشير نسيم-لوفتون إلى أن الحوثيين ليسوا مجرد جماعة مسلحة، بل يشكلون مشروعا سياسيا واجتماعيا معقدا يستمد شرعيته من سرديات تاريخية تعود إلى الدولة الزيدية، ويقدم نفسه مدافعا عن الزيديين، وعن فلسطين، ومناهضا للغرب.
وتعتقد الباحثة أن قدرة الجماعة على التنقل بين الخطابات تمنحها جاذبية لدى قطاعات واسعة من اليمنيين، بما فيها بعض المكونات السنية، مما يعزز شرعيتها ويصعّب محاصرتها.
وترى أن الجماعة تحقق مكاسب داخلية على حساب خصومها المحليين، في الوقت الذي تفرض فيه حضورا إقليمياً في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل.
ومن الناحية العسكرية، يؤكد المحلل ألون بن ديفيد، أن الغارات الإسرائيلية على اليمن مكلفة، إذ لا تمتلك إسرائيل قواعد قريبة أو حاملات طائرات في المنطقة. ويقدّر تكلفة كل غارة بملايين الدولارات، بالنظر إلى المسافات الطويلة وتكاليف التشغيل والتسليح.
ورغم ذلك، لا تحقق هذه العمليات الأثر الرادع المطلوب، حسب بن ديفيد، الذي يشير إلى أن الجماعة تعمل بتنظيم لا مركزي، ما يقلل من فعالية ضربات تستهدف القادة فقط.
كما أن قدرة الحوثيين على التكيف كبيرة، إذ لجؤوا بعد استهداف ميناء الحديدة إلى وسائل بديلة، مثل استخدام قوارب صيد لتفريغ شحنات النفط، ما يعكس مرونة عملياتية واضحة.
حسابات ما بعد غزة
ورغم أن الحوثيين يربطون هجماتهم على إسرائيل بالحرب على غزة، فإن محللين يستبعدون توقف تلك الهجمات حتى لو انسحبت إسرائيل من القطاع.
وترى نسيم-لوفتون، أن الجماعة تتبنى موقفاً معاديا لأي دولة تسعى للتطبيع مع إسرائيل، وقد تواصل تصعيدها في مرحلة ما بعد غزة لترسيخ صورتها مدافعة عن فلسطين.
وتقترح الباحثة مساراً سياسياً داخلياً يمنح الجماعة مخرجاً مشرفاً، خصوصاً مصالحَها في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وهي ملفات محورية في أي مفاوضات مستقبلية.
كذلك تؤكد كيندال، أن الجماعة ستواصل عملياتها ما دامت ترى فيها وسيلة لتعزيز شرعيتها، محذرة من أن الهجمات العشوائية التي تطال المدنيين قد تأتي بنتائج عكسية، وتزيد من تعاطف اليمنيين مع الحوثيين.
تهديد طويل الأمد
وبحسب ليؤور بن أري، مراسلة الشؤون العربية في موقع “واي نت”، فإن القصف الإسرائيلي المكثف لم يمنع الحوثيين من مواصلة إطلاق الصواريخ. وتتساءل: ما الذي يمنح هذه الجماعة القدرة على الصمود في ظل أزمة إنسانية خانقة؟.
تجيب إن الحوثيين يرفعون مطالب واضحة وغير قابلة للمساومة:
- وقف الحرب.
- فتح المعابر.
- إدخال المساعدات.
- إنهاء الحصار.
وترى أن الخطر الحوثي لم يعد هامشيا بالنسبة لإسرائيل، بل يمثل تحديا أمنيا طويل الأمد، فالهجمات المستقبلية قد تكون أكثر دقة وفتكا، مما يفرض على تل أبيب إعادة التفكير في خياراتها، بعيدا عن الرهان على القوة العسكرية وحدها.