منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة قبل نحو 22 شهرا، تزداد الحاجة إلى تدخل أميركي حاسم لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل، فالولايات المتحدة تعد الطرف الأكثر قدرة على التأثير المباشر في قرار الحرب والسلم لدى إسرائيل.

ويرى محللون -تحدثوا للجزيرة نت- أن أي تحرك أميركي قوي وفاعل قد يغيّر قواعد الحرب، لا سيما إذا جاء من شخصية ذات نفوذ سياسي وشخصي كبير مثل الرئيس الأميركي دونالد ترامب على صانعي القرار في الحكومة الإسرائيلية، خاصة مع تصاعد أعداد الضحايا بين المدنيين الفلسطينيين، وتعرض نحو 2.3 مليون إلى خطر المجاعة وسوء التغذية، فضلا عن الإبادة الجماعية.

وتعزز هذه الرؤية دراسة تحليلية للمركز الأطلسي في واشنطن أعدها الخبير في الشؤون الأمنية لمنطقة الشرق الأوسط دانيال بي شابيرو، بعنوان “كيف يمكن لترامب إنهاء الحرب في غزة؟” إذ يستعرض الكاتب القدرات التي يمتلكها ترامب من أجل وقف العدوان على غزة، لكنه لا يفعل ذلك حتى الآن، كما فعل في مناسبات أخرى.

نفوذ ترامب

ويشير شابيرو إلى أن النفوذ الشخصي للرئيس الأميركي على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (المطلوب قضائيا لمحكمة العدل الدولية)، وغياب الضغوط التقليدية من الكونغرس أو الرأي العام الأميركي، يمنحان ترامب قدرة استثنائية على التأثير في القرار الإسرائيلي بعيدا عن القيود الرسمية.

ويؤكد هذا الرأي الكاتب والمحلل السياسي أحمد الحيلة بقوله إن ترامب قادر بالفعل على ممارسة ضغط كافٍ على إسرائيل ووقف العدوان على غزة، حيث إن إسرائيل تعمل اليوم بغطاء سياسي توفره إدارة ترامب، إضافة إلى الدعمين العسكري والاقتصادي، وهو ما يمنح الرئيس الأميركي الأدوات الكافية لكبح جماح إسرائيل إذا أراد ذلك.

ويستشهد الحيلة -في تصريحات للجزيرة نت- باتفاق يناير/كانون الثاني 2024 بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل الذي تم توقيعه بضغط مباشر من مبعوث ترامب للشرق الأوسط، لكن نتنياهو نقضه بعد ذلك بنحو شهرين فقط. واستشهد كذلك بتدخل ترامب الهاتفي المباشر لوقف قصف إسرائيلي محتمل على إيران في أبريل/نيسان الماضي، مما يظهر القدرة الأميركية على توجيه دفة الأحداث إذا أرادت ذلك.

المركز الأطلسي: النفوذ الشخصي لترامب (يسار) على نتنياهو يجعله ذا تأثير على قرار الحرب الإسرائيلي (الإعلام الإسرائيلي)

مواقف ترامب المتراخي

ورغم تصاعد الدعوات الدولية لإنهاء الحرب في غزة، فإن الرئيس ترامب حافظ على موقف أقرب إلى الصمت أو التراخي، حسب تقرير المركز الأطلسي. ويتهمه التقرير أحيانا بتشجيع السياسات الإسرائيلية المتشددة، خاصة بعد إعلانه ما سماه “ريفييرا الشرق الأوسط” في غزة، وهو ما اعتبره اليمين الإسرائيلي دعما غير مباشر لإعادة احتلال القطاع.

ويذهب الخبير في شؤون الشرق الأوسط أبعد من ذلك، ويقول إن ترامب لم يُبدِ اعتراضا على منع إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة منذ مارس/آذار الماضي. ولم يعترض على آلية توزيع المساعدات التي تشرف عليها “مؤسسة غزة الإنسانية” التي راح ضحيتها حتى الآن نحو ألفي شهيد وأكثر من 15 ألف إصابة، وفق إحصاءات وزارة الصحة في غزة.

لكن الحيلة يرى أن خلفيات عدم ممارسة الضغط الأميركي تعود إلى رغبة ترامب نفسه في تجنب الصدام مع أصدقاء إسرائيل النافذين في الكونغرس والبيت الأبيض، بجانب وجود بُعد أيديولوجي يربط بعض أركان إدارة ترامب وإسرائيل.

وهذا الانحياز الإستراتيجي والأيديولوجي -حسب الحيلة- يحيد البُعدين الأخلاقي والقانوني، ويعطل تنفيذ القرارات الدولية حول الضفة الغربية وقطاع غزة، رغم إصدار محكمة العدل الدولية رأيا استشاريا وصف إسرائيل بقوة احتلال، وطالب بإنهاء هذا الاحتلال في أجل أقصاه 12 شهرا.

ولم يبتعد الخبير في الشأن الإسرائيلي مهند مصطفى عن الرأي السابق كثيرا، إذ يقول إن ترامب يستطيع وقف الحرب في غزة أو تهدئتها بالضغط على نتنياهو. مستشهدا كذلك بالضغط الذي مارسه ترامب من أجل وقف الحرب مع إيران من دون تنسيق مع إسرائيل.

لكن مصطفى -في تصريحاته للجزيرة نت- يشير إلى أن ترامب لا يمارس هذا الضغط، بل يدعم نتنياهو بشكل كامل حتى لو أدت العمليات العسكرية إلى مقتل الأسرى الإسرائيليين، مضيفا أن ترامب يتماهى كذلك مع النهج الأيديولوجي لليمين الإسرائيلي، ويعتقد أن زيادة الضغط العسكري ستؤدي إلى مكاسب سياسية وفرض اتفاق على حماس بشروط إسرائيلية، رغم فشل هذا التوجه مرارا.

خطة “احتلال” غزة

ومع كتابة هذا التقرير، يستعد جيش الاحتلال الإسرائيلي لبدء عملية عسكرية واسعة النطاق في مدينة غزة، بهدف دفع سكان الشمال نحو الجنوب، لا سيما بعد موافقة وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس على خطة “عربات جدعون الثانية” للسيطرة على المدينة مستدعيا عشرات آلاف الجنود، رغم جهود الوسطاء للتوصل إلى صفقة، وهو ما لاقى انتقادات إسرائيلية داخلية.

ويرافق هذه التطورات العسكرية مشهد سياسي آخر في الداخل الإسرائيلي يتسم بالتخبط والغموض، إذ يقول تقرير المجلس الأطلسي إن التصريحات الرسمية في إسرائيل حول أهداف العملية العسكرية “متناقضة وغامضة”، فهناك من يدعو إلى القضاء الكامل على حماس، ومن يروّج لاحتلال القطاع أو إعادة التوطين القسري للفلسطينيين.

وحسب شابيرو، فإن هذا التخبط يعكس انقسامات داخل حكومة نتنياهو، مع تصاعد الأصوات اليمينية المتطرفة ورفض الغرب والعرب تسليم غزة لإسرائيل. مضيفا أن خبراء الأمن يحذرون من أن خيار الاحتلال الكامل لغزة غير واقعي، وقد يغرق إسرائيل في مقاومة طويلة، مع فرص ضعيفة لتحرير الأسرى الإسرائيليين.

ويخلص المحللون إلى أن الرئيس الأميركي يظل هو الطرف الأكثر قدرة على ممارسة الضغط المناسب لتغيير مسار الحرب أو منع التصعيد واستمرار الإبادة الجماعية حتى عام 2026، ورغم امتلاكه مفاتيح التأثير هذه فإنه يظل ملتزما صمتا إستراتيجيا، وهو تقصير قد يدفع المنطقة والعالم ثمنه غاليا ما لم يتحرك بجدية لصناعة تحول جذري في مسار الحرب المستمرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.

شاركها.
Exit mobile version