في مقال رأي نشرته صحيفة غارديان البريطانية، انتقدت الكاتبة والمحللة السياسية شدا الإسلام تقاعس الاتحاد الأوروبي حيال الحرب الإسرائيلية على غزة، واصفة هذا الموقف بأنه انعكاس “للعنصرية البنيوية والعقلية الاستعمارية” المتجذرة في السياسات الأوروبية.
وقالت إن أوروبا تصوِّر معاناة الفلسطينيين في غزة على أنها أزمة إنسانية، لا كخيار سياسي متعمد، مؤكدة أنه ستكون هناك محاسبة أخلاقية على هذا التقاعس.
وأضافت أنها ظلت طوال ما يقرب من عامين تتابع بيأس عجز الحكومات الأوروبية عن اتخاذ أي خطوات مؤثرة بينما تواصل إسرائيل تدمير غزة بالقصف والاغتيالات والتجويع المتعمد منذ الهجوم الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
الشريك التجاري الأكبر
وأشارت إلى أنه على الرغم من أن لدى الاتحاد الأوروبي أدوات عقابية عديدة تحت تصرفه، فإنه يرفض استخدامها. فهذا التكتل الأوروبي -حسب الكاتبة- هو الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل، إذ شكّل 32% من إجمالي تجارتها عام 2024.
ومع ذلك، فشل القادة والوزراء الأوروبيون -برأيها- في كل اجتماع في تأمين الأغلبية اللازمة لتعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد وإسرائيل، رغم ضغوط إسبانيا وأيرلندا وسلوفينيا، وتقارير خبراء حقوق الإنسان في الاتحاد التي أكدت أن إسرائيل تنتهك التزاماتها الحقوقية في الاتفاق.
الكاتبة شدا الإسلام: المواقف تجاه غزة تتشكل في إطار عقلية استعمارية مترسخة في سياسات الاتحاد الخارجية والتجارية وفي الهجرة.
شلل سياسي وأخلاقي
ورغم إقرارها بأنها تتفهم “عقدة الذنب التاريخية” لأوروبا وانقساماتها الداخلية، وروابطها الاقتصادية العميقة مع إسرائيل، فإنها ربطت بين ما وصفته “بالشلل السياسي والأخلاقي” الأوروبي إزاء المأساة الفلسطينية، وبين “العنصرية البنيوية” والعنف الذي يتعرض له كل يوم العديد من المسلمين وأصحاب البشرة السوداء والبُنّية في القارة.
ويبدو من الواضح، وفق مقال غارديان، أن المواقف تجاه غزة تتشكل في إطار عقلية استعمارية مترسخة في سياسات الاتحاد الخارجية والتجارية وفي الهجرة.
وتابعت القول إن المنطق التمييزي نفسه الذي يُمارس ضد الأوروبيين الملوّنين واللاجئين من أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط يتجلى الآن في تخلّي الاتحاد عن الشعب الفلسطيني.
كما قارنت شدا الإسلام -المولودة في مدينة لاهور بباكستان والمقيمة حاليا في العاصمة البلجيكية بروكسل- بين الموقف الأوروبي الحازم تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا، وبين التراخي التام في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية، معتبرة أن ذلك يفضح ازدواجية المعايير الأوروبية ويقوّض مصداقيتها الدولية.
وأكدت الكاتبة المتخصصة في شؤون الاتحاد الأوروبي أن ما يحدث في غزة لا يمكن اختزاله في إطار “أزمة إنسانية” بل هو خيار سياسي متعمد نابع من سياسات استعمارية مستمرة.
نزع غطاء النفاق الأوروبي
ودعت الاتحاد الأوروبي إلى مواجهة ماضيه الاستعماري وإعادة النظر في خططه لمكافحة العنصرية كي لا يفقد مصداقيته داخليا وخارجيا.
وشددت على ضرورة أن تكون المحاسبة شاملة لا جزئية، وأن تتضمن اعترافا بأن تلك المواقف نابعة من تداخل ماضي أوروبا وحاضرها، ليس فقط في فلسطين، بل في مختلف أفعالها على الساحة الدولية.
لكنها، مع ذلك، تخلص إلى أن أي حساب جدّي بشأن تقاعس الاتحاد الأوروبي سيبقى ناقصا ما لم تتم مواجهة العنصرية البنيوية وبقايا الهياكل الاستعمارية التي لا تزال تشكّل رؤية أوروبا للعالم.
وختمت مقالها بالقول إن غزة جرّدت “النفاق” الأوروبي من أي غطاء، داعية صانعي السياسات الأوروبيين إلى مواجهة هذه الحقائق المؤلمة والعمل على تفكيكها.